لا ديمقراطية بين استبدادين كشف الدكتور جمال نصار، السكرتير الإعلامي لفضيلة المرشد العام بجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، في برنامج «مانشيت» الذي يقدمه الإعلامي البارز «جابر القرموطي» في قناة أون تي في، عن واقعة تتعلق بتشكيل المجموعة التي التقت بالدكتور محمد البرادعي أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة ، فذكر أن منظمي الاجتماع وجهوا الدعوة إلي المرشد العام لحضور الاجتماع لكنه لم يحضر، وأناب عنه الدكتور سعد الكتاتني رئيس المجموعة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي صرح بعد الاجتماع بأنه حضره بصفته الشخصية، ولم يشر إلي أنه كان يحضره نيابة عن الدكتور بديع. والواقعة تكشف في جانب منها عن أن المحك الذي وضع لاختيار الشخصيات التي التقت بالدكتور البرادعي، هو أن تكون شخصيات غير حزبية أو مفارقة لأحزابها، أو عضوا في أحزاب تحت التأسيس ربما باستثناء الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجهة . وهذا المنطق يؤكد الطبيعة اللاحزبية والمعادية للحزبية التي أحاطت بالدكتور البرادعي، والتي قدمت له تصورا غير دقيق وغير مفيد للقوي الداعية للتغيير في مصر، واحتكرت لنفسها وحدها الادعاء بأنها الوحيدة التي تسعي للتغيير، وأن الأحزاب السياسية القائمة والكبيرة منها علي وجه الخصوص، قد تخلت عن مطالب التغيير، ولا جدوي من الاستفادة منها في هذا الشأن. دعوة فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين لحضور الاجتماع مع الدكتور البرادعي، علي الرغم من أنه ليس رئيساً لحزب ، وأنه ليست للجماعة رؤي واضحة في مجال الإصلاح السياسي والدستوري ، تكشف عن خطأ هذه الرؤية وضررها بمستقبل حركة الإصلاح والتطور الديمقراطي في مصر، بما يقلل من فاعلية الحركة التي قد يقوم بها الدكتور البرادعي ويحد من تأثيرها. وربما كان المثال الأوقع علي ذلك، هو حملة الدعاية الواسعة التي خاضتها حركة كفاية، علي مشارف الانتخابات البرلمانية الماضية، ضد الأحزاب السياسية، والترويج بقوة في تصريحاتها ومظاهراتها، بأن الأحزاب فقدت تأثيرها ونفوذها، وأن مصر في حاجة لحركة جديدة مختلفة تماما لإحداث التغيير ، وهو توجه لم تستفد منه حركة كفاية، التي لم يكن لديها من يخوض الانتخابات ، بل استفاد منه الإخوان المسلمون نتيجة تأثر جمهور الناخبين بتلك الدعاية، وإذا بأصوات كل الرافضين للحزب الوطني تتوجه إلي الإخوان ، وجاءت النتيجة التي حصلوا فيها علي 20% من مقاعد مجلس الشعب، تفوق ثلاثة أضعاف ما كانوا يتوقعونه، وخمسة أضعاف ما حصلوا عليه في انتخابات 2000 . الجانب الآخر الخطأ في هذا المنطق، أن حركة التغيير التي يقودها الدكتور البرادعي، تروج لفكرة ربما توحي، بأنه يمكن أن تكون هناك ديمقراطية لا حزبية ، وهي فكرة خاطئة من الأساس، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم دون وجود جماعات منظمة تضم كل منها فريقاً من المواطنين تعبر عن مصالحه، ويلتف حوله الناخبون، إيمانا بأن لديها برنامجا سياسيا يحقق لها مطالبها ويحقق المصالح الوطنية العامة. ولا يقلل من ذلك أن يقول الدكتور البرادعي أو يقول أنصاره، إنه مع إلغاء القيود حول إنشاء الأحزاب لتصبح بالإخطار بدلا من الترخيص عبر لجنة إدارية يسيطر عليها الحزب الحاكم ، ومع مشروعية هذا الطلب وديمقراطيته، إلا أن عدد الأحزاب المصرية القائم الآن يعبر بالفعل عن التيارات الرئيسية باستثناء التيار الإسلامي الذي تقف موانع دستورية أمام تشكيله لحزب ، تقع المسئولية في عدم حصوله علي حقه في ذلك علي لجنة شئون الأحزاب ، وعلي المنتمين لهذا التيار، الذين يرفضون المواءمة بين أفكارهم وبين الحفاظ علي مدنية الدولة. وربما يعود حرص أنصار الدكتور البرادعي علي ضم جماعة الإخوان المسلمين إلي جماعتهم إلي نفس الأسباب التي دفعت من قبل بعض الإصلاحيين، بما في ذلك حركة كفاية وجبهة عزيز صدقي، إلي دعوتهم للمشاركة في جبهات إصلاحية، وهي الاستفادة من جماهيريتهم التي لا ينكر أحد اتساعها ، في دعم مطالب الإصلاح ، لكن التجربة كشفت عن أن الإخوان ليسوا علي استعداد للتحالف مع أحد، إلا إذا كانت بينهم وبين الحكم أزمة تطلب الدعم والمساندة، من القوي المدنية. أما المؤكد فهو أن الدكتور البرادعي أكثر حصافة وربما براءة من بعض المحيطين به، وقد يكون عدم إلمامه الكافي حتي الآن بطبيعة الأوضاع السياسية الداخلية، وراء عدم تنبهه إلي خطورة مثل هذه الأفكار. ولعل عودته في نهاية هذا الشهر وانخراطه في النشاط السياسي سوف تبين له أهمية أن يحدد البصلة التي يتجه إليها، بما يتفق مع خبرته الأوروبية ليدعم الاتجاه الإصلاحي الرامي إلي تغيير الأوضاع الراهنة، بما يؤدي إلي تطوير النظام السياسي المصري ليصبح ديمقراطيا حقيقيا، يقوم علي التعددية الفكرية والسياسية الحزبية، وعلي مبدأ أن الأمة مصدر السلطات ، وهو ما يعني الحفاظ علي مدينة الدولة وعلمانيتها، إذ بدون ذلك لن يتحقق التغيير الديمقراطي بل يقودنا من الاستبداد المدني القائم، إلي استبداد ديني!