البلطجية.. اتخبلوا! المطلوب الآن.. أن يقوم كل مواطن بواجبه والتصدي لأعمال البلطجة.. كي نتفرغ للعمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.. ومن البرسيم! لا أريد أن أصدق ما جري في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي.. غرة رجب.. لأن ما حدث في الميدان في وقت الظهيرة.. وفي وضح النهار.. وفي منطقة وسط البلد.. يدق كل أجراس الإنذار التي يتعين علينا أن نأخذها مأخذ الجد.. وأن نوقظ أمتنا.. من أخطر الكوارث المحدقة بها. نحن أمام كارثة.. لأنها تكشف الازدواجية المخيفة.. بين الانتشار الهائل والمفاجئ.. لتيارات سياسية ترفع الشعارات الدينية وتشمر عن سواعدها لاقتحام معترك الحياة الدنيوية.. ولا تكف عن إصدار الفتاوي.. والاستيلاء علي بيوت الله لتحويلها لمراكز تجارية.. وبين جرائم اغتصاب وتحرش تزامنت مع انتشار أرباب العمائم واللحي في كل ركن.. وفي كل قناة فضائية.. تقوم بها جماعات.. غير محددة الهوية ولم يحسن المجتمع تهذيب أفرادها وترويضهم علي كبح جماح الشهوات.. أسوة بأهل البلاد الراقية التي تقدم لنا المعونات والأطعمة. الذي حدث في ميدان التحرير.. يتلخص في قيام مجموعة من أرباب الأفكار الجاهلية.. بمحاصرة مراسلة قناة «سي. تي. في» التليفزيونية ماريان عبده.. والالتفاف حولها.. وجذبها من ملابسها بغية تمزيق هذه الملابس التي لا يجوز لمسها.. ونشرت صحيفة الأهرام يوم السبت الرابع من يونيو 2011.. صورة للمراسلة الصحفية بين مئات الرجال الذين التفوا حولها التفاف الوحوش العجماء بفريسة.. لا حول لها ولا قوة. رأينا المراسلة الصحفية في خضم بحر متلاطم الأمواج.. من الرجال في سن العمل والإنتاج.. والاجتهاد.. يلتصقون بها.. وتكاد من فرط بشاعة الصورة تستمع لأصوات عواء ذئاب.. وزئير أسود.. وصياح نسور.. وهمهمة فهود. صورة لا تراها في غابة تسكنها الوحوش الضواري.. وليس في عاصمة دولة إسلامية.. ينصحنا الإسلام فيها بغض النظر.. وأن النظر إلي ما هو حرام فهو حرام.. ويصل عدد رجال الدين فيها إلي أرقام فلكية لم تعرفها البشرية.. منذ عرف الإنسان.. الأديان السماوية. عدد رجال الدين الذين يرتزقون ويفتحون بيوتهم.. ويتزوجون ويأكلون من الدعوة للدين الإسلامي.. في مصر.. يفوق عدد رجال الدين في دول الاتحاد الأوروبي كافة! عدد الشبان من الدعاة الذين اعتصموا أمام مكتب وزير الأوقاف في الأسبوع الماضي للمطالبة بتعيينهم في الوزارة رغم أنف اللوائح والقواعد.. يفوق عدد العاملين في مصنع مرسيدس للسيارات في ألمانيا. عدد المحطات الفضائية.. التي تتحدث بلسان الإسلام في عالمنا العربي ويتردد عليها جيش جرار من مشاهير ونجوم الدعوة.. يفوق عدد الفضائيات الدينية في جميع دول العالم.. ناهيكم عن الصراعات بين المذاهب وتأجيج الخلافات بين ما هو حلال.. وما هو حرام. أقول إن هذه الصورة التي نشرتها صحيفة «الأهرام» علي ثلاثة أعمدة.. تكشف حقيقة التدهور الأخلاقي المروع الذي وصلت إليه أحوالنا.. في ظل جماعات النصب والاحتيال التي خرجت تمارس السياسة.. وهي ترفع الشعارات الدينية.. في الوقت الذي لا تشير فيه سلوكيات قياداتها.. إلي أنها تلتزم بالحد الأدني بما جاء في صحيح الأديان. المرأة هي الشغل الشاغل.. لكل ما يصدر عن أرباب العمائم من توجيهات وإرشادات وفتاوي.. ويجري الحديث فيها عما يتعين أن يظهر من جسدها.. وما يتعين عليها أن تخفيه.. ويتعلم الطفل المسلم.. وفقا للدراسة النفسية التي أجريت في دور الحضانة الأوروبية.. أماكن الإثارة في جسد المرأة.. قبل غيره من الأطفال من هم في نفس سنه. والمذهل في موضوع المراسلة التليفزيونية التي أحاط بها الذئاب إحاطة السوار بالمعصم.. أن أحد ضباط الشرطة برتبة ملازم أول اسمه محمد سامي وهو ضابط بقسم شرطة قصر النيل.. تدخل لفض جمهرة الذئاب التي تحاول تجريدها من ملابسها.. وسمعها وهي تستغيث.. فدعاه الواجب لفك الحصار عنها.. وأسرع بإيقاف سيارة تاكسي.. وطلب من قائدها مغادرة الميدان علي الفور. كان المفروض أن ينتهي المشهد المشين عند هذا الحد.. وتتوقف الجريمة الشنعاء.. إلا أن ذلك لم يحدث وسارع الذئاب بالاعتداء بالضرب علي الضابط! وأصاب الذئاب والبلطجية الضابط الشهم بإصابات بالغة وسحجات بالجسد واليدين.. وتم نقله إلي المستشفي. والقصة المأساوية.. وفقا لما نشرته الصحيفة.. بالصور.. يوم السبت الماضي تعكس سلسلة طويلة من السلبيات.. الغريبة علينا.. وعلي مجتمعنا.. وقيمنا.. وأولها.. أن التحرش بأنثي.. لا ترتدي النقاب أو الحجاب.. بات من السلوكيات التي تحكم أخلاق الشوارع هذه الأيام.. وفق قواعد إجبار الناس علي ارتداء الملابس التي تعكس قوة وسيطرة جماعات سياسية.. علي النساء بالحيل الشرعية وترويج البضائع في متاجر أصحاب اللحي والجلابيب البيضاء القصيرة.. التي تضيق عند المؤخرة.. فتجذب أنظار المبصر والمكفوف. الفتاة المصرية.. التي لا تتخفي وراء نقاب أو حجاب تتعرض للمضايقات.. والتحرش.. من باب الترويج لبضاعة تتاجر بعينها تحرص علي تقديم الأزياء التي لا تسمح بالتمييز بين القرد والغزال. الملاحظة الثانية.. أنه وفقا لما روته صحيفة «الأهرام» لم تظهر في ميدان التحرير.. جماعة من شبابنا.. أرباب الشهامة.. تتصدي للذئاب الضارية التي تحاول الاعتداء الجنسي علي فتاة.. تسير في ميدان التحرير.. لتغطية أخبار المظاهرة المليونية الأخيرة. لم يتصد للذئاب الضارية سوي ضابط الشرطة الشهم الملازم أول محمد سامي الضابط بقسم شرطة قصر النيل. هل هذا معقول؟ الملاحظة الثالثة.. وفقا لما رواه شهود عيان.. أن عملية التحرش بدأت عندما مرت مراسلة القناة التليفزيونية بمجموعة من السلفيين لا يزيد عددها علي 300 سلفي.. وأشار أحدهم لزميل له قائلا: إنها سائحة! فقال كبيرهم: السياح كفار! وأضاف آخر: لازم نمنع السياح من دخول الميدان! وهنا بدأ التحرش بالأصابع.. مع هتاف: إسلامية.. إسلامية! وفي هذه الأثناء حدثت مناوشات مع جماعة شبابية.. رددت هتاف: مش عايزينها.. ولا إخوان.. ولا أحزاب.. عايزينها مدنية.. مدنية! وفي هذه اللحظة انطلقت الجماعة السلفية.. تجذب المراسلة الإعلامية لتجذبها من ملابسها! والسخيف في الموضوع أنه في اللحظة التي كانت فيها الجماعة السلفية تحاول إخلاء ميدان التحرير من السياح.. كان الشيخ حافظ سلامة زعيم الجماعة السلفية يحاول إخلاء مسجد النور في قلب العباسية من سلطات وزارة الأوقاف.. ويعلن ملكية المسجد لجماعة الهداية التي يرأسها. وقال حافظ سلامة في الخطاب الذي ألقاه بعد صلاة الجمعة إنه لا سلطان لوزارة الأوقاف علي المسجد.. واتهم رئيس الوزراء عصام شرف ووزير الأوقاف عبدالله الحسيني بالعمل لصالح جهات خفية.. وأياد أجنبية.. تريد العبث بالوطن ولا تريد أن يصل الإسلاميون للحكم في مصر (!!) وأضاف حافظ سلامة الذي يحافظ علي ارتداء الطربوش كعلامة مميزة لملامحه بين قومه.. أنه يعلم أن السفيرة الأمريكية طلبت عدم تنفيذ الحكم وتسليمه مسجد النور.. وطالب بأن يتوقف عصام شرف عن اللعب بالأصابع الخفية.. لأن مصر إسلامية.. وستظل إسلامية! والمعروف أن حافظ سلامة.. يحتل مسجد النور.. كل يوم جمعة.. ويرفض سلطة الدولة الممثلة في وزارة الأوقاف.. مستثمرا الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد.. وانشغال الحكومة بالقضايا الكبري.. ابتداء من تأمين قطرة المياه لكل مواطن.. وحتي تأمين سيناء من مخاطر التقسيم! ومعني الكلام.. أن الموقف الحالي للحكومة.. وحرصها علي ضبط النفس تجاه الأعمال التي يرتكبها حافظ سلامة.. ومجموعة من أنصاره.. لا يعني استسلامها وتنازلها عن هيبتها أمام أعمال تخل بالأمن العام.. وإنما هو موقف يدخل في إطار الأولويات وفق الظروف التي تمر بها البلاد.. وكما قال لي مسئول حكومي كبير إن هذه الأعمال سوف تخضع للمحاسبة والمساءلة في الوقت المناسب.. وهي في كل الأحوال لا تخضع للسقوط بالتقادم أو مضي فترة زمنية محددة.. وكل ما جري في مسجد النور طوال الأسابيع الماضية.. هو صورة من صور التجاوزات الصارخة التي نشهدها منذ اندلاع الثورة المجيدة.. ومن بينها علي سبيل المثال إلقاء مخلفات المباني فوق الكباري العلوية.. وفوق كوبري أكتوبر (!!).. أو إقامة المقاهي البلدية.. علي أرصفة كوبري قصر النيل(!!). إنها حالة من الفوضي.. التي تحتاج من كل مصري.. وكل مصرية.. وكل وطني.. وكل وطنية.. من كل أبناء مصر الشرفاء.. التصدي لها ومقاومتها.. لأن المسئولية هنا لا تقع علي كاهل وزارة الداخلية ولا علي عاتق رجال وضباط الشرطة.. وإنما هي مسئولية كل مواطن.. يعيش علي أرض هذا الوطن العظيم. المسئولية هنا.. هي مسئولية جماعية.. علي نمط ما يجري في الدول الراقية كافة. في الدول الراقية التي حققت التقدم في مجالات العلم والاقتصاد والفن ونظافة الشوارع والبيوت.. لم تقع المسئولية علي أجهزة الأمن ولا أجهزة الحكم المحلي.. ولا علي الشركات المسئولة عن جمع القمامة.. إلخ.. وإنما هي مسئولية كل مواطن في أي شارع وأي ركن من أركان بلاده. كل مواطن يشعر بحسه الوطني أنه مسئول.. وبالتالي تتشكل في وجدان الأمة.. ما يسمي بالآداب العامة التي لا خلاف حولها.. وليست مجال اختلاف وجدال بين أصحاب مذاهب.. وأرباب معتقدات.. وضحايا فتاوي تستهدف تمزيق وحدة الأوطان. فإذا ألقي مواطن بورقة أثناء سيره في الطريق.. سارع المارة.. بالإشارة إليه برفع الورقة.. ووضعها في جيبه إلي أن يجد صندوقا للقمامة يلقيها به. إنها آداب وأخلاق الشوارع في الدول الراقية.. التي يتعلمها الطفل في بيته وبين أسرته.. وتنتقل معه إلي المدرسة وتصبح جزءا من حياته وكيانه. تصبح ثقافة الأمة.. وسلوكياتها التي لا يختلف حولها أحد.. وهي الثقافة التي دعمها التعليم والعدالة الاجتماعية والممارسات الديمقراطية.. وأسفرت عن الرفاهية الاقتصادية ومستويات المعيشة المرتفعة.. وقدرة هذه الشعوب علي تقديم المساعدات والمعونات والقروض والأطعمة.. للشعوب التي تتحكم فيها ثقافة البلطجة والاعتداء علي بيوت الله.. ونقل ملكيتها من بيوت لله إلي بيوت لجماعة من الأفاقين واللصوص.. يضعون الطرابيش فوق رءوسهم ويطلقون لحاهم.. لخداع البسطاء وإقناعهم بأن الملائكة هي التي أوحت إليهم باحتلال المساجد.. وليس ضابط المخابرات الإسرائيلية.. الذي يحمل جنسية دولة عربية.. إلخ. أريد أن أقول إن مقاومة البلطجة.. هي مسئولية كل مواطن.. وليست مسئولية رجال الداخلية وحدهم، الذين لا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع عن اعتداءات تقع عليهم.. أثناء تأدية واجبهم الوطني في الدفاع عن سلامة كل أسرة تعيش علي أرض مصر. إن ما جري من أحداث شغب أمام قسم الأزبكية منذ أيام.. بعد أن قام سائق سيارة بالاعتداء بالضرب علي أحد ضباط الشرطة.. هو إهانة لكل مصري. إهانة لنا جميعا.. ولتاريخنا.. وحاضرنا.. ومستقبلنا.. وسمعتنا! فالسائق الأرعن.. اعتدي علي واحد من أهم رموز الدولة.. وهيبتها.. والجماهير التي هرعت تقذف قسم الأزبكية بالحجارة اعتدت علي رمز آخر.. نعيش جميعا في حمايته.. ونأمن علي بيوتنا وأطفالنا ومنشآتنا في ظل وجوده. المطلوب الآن.. أن يقوم كل مواطن بواجبه.. والتصدي لأعمال البلطجة.. كي نتفرغ للعمل.. وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.. ومن البرسيم!