حسين العوداتيتندر السوريون علي أمرين رئيسيين تصر عليهما سياسة النظام ووسائل الإعلام والصحافة الرسمية، وكأنهما حقيقة واقعة، ويبدو أن النظام السياسي ومناصريه والناطقين باسمه والمدلسين له صدقوا ما قالوه تجاه هذين الأمرين تصديقاً كاملاً، وأخذوا يتعاملون معهما وكأنهما بديهيتان لا يتدناهما شك، دون أن يهتموا بالنتائج التي ينبغي أن تترتب عليهما. الأمر الأول هو الزعم بوجود مندسين ومسلحين وسلفيين وإرهابيين ومتآمرين بين المحتجين والمتظاهرين السوريين، وقد تطور هذا إلي القول بأن هؤلاء السلفيين هم الذين يؤثرون علي المتظاهرين ويفتعلون هذه المظاهرات، ثم أخذت السياسة السورية والإعلامية تقول بعد استمرار الاحتجاجات، بوجود مؤامرة حقيقية مسلحة تقود المتظاهرين وتقتل أفراد الجيش والأمن، مما أجبر السلطة (حسب زعمها) علي إدخال الجيش إلي المدن والبلدات ودخول قوي الأمن (والشبيحة أي البلطجية) إليها، فدمروا وسرقوا ثم قتلوا وهدموا وانتهكوا، وأن ذلك كله كان مبرراً ووسيلة وحيدة لمواجهة المؤامرة، لأنه لا يمكن مواجهة المؤامرة المسلحة إلا بالعنف والمواجهة المسلحة. يقول السوريون إنه: إذا كان هناك وجود لمتسللين ومندسين وسلفيين ومتآمرين، دخلوا من الخارج ودعمهم الخارج وسلحهم، وظهروا كالفطر في جميع المدن السورية وفي كل مكان، إذا كان الأمر كذلك، فأين كانت أجهزة الأمن التي يتجاوز عدد أجهزتها الإثني عشر جهازاً، وماذا كانت تعمل طوال عشرات السنين، وهل كان عملها يقتصر علي سجن القوي الوطنية والتقدمية والابتزاز والبحث عن الامتيازات والقمع والاعتقال والهيمنة علي الدولة وإداراتها وعلي الشعب ومقدراته ونهب المال العام، والتدخل في كل صغيرة وكبيرة مما سمح لهؤلاء (المتآمرين) أن يتآمروا، ويري السوريون أنه إذا كان الأمر كذلك (وجود مؤامرة كبري ومسلحين وسلاح) دون إثارة اهتمام أجهزة الأمن، فليحل النظام أجهزة الأمن إذن حيث لا فائدة منها سوي التسلط والاستبداد والفساد وتخصيص المليارات من موازنة سورية لصالحها. أما الأمر الثاني، الذي يثير دهشة السوريين فهو أنه بعد خمسين عاماً تقريباً من حكم حزب البعث سورية كان يقول فيها ويؤكد أنه حزب علماني، اشتراكي، تقدمي ووحدوي، من المفروض أنه يناضل لبناء دولة حديثة بكامل مفاهيمها المعاصرة، بعد هذه السنوات الطوال، تبين أن ثقافة السوريين (حسب أقوال النظام وصحفه ووسائل إعلامه) ترسمها السلفية والمتخلفون والجهلة، وأن (2.5) مليون بعثي ليس لهم أي تأثير علي هذه الثقافة، بل أن رئيس الجمهورية اضطر لاستقبال وفود تضم خطباء مساجد ورجال دين، وأن يعتبرهم مرجعية شعبية يحسب حسابها، فإذا كان الأمر كذلك، وأمام هذا الفشل الذريع لحزب البعث، فلماذا لا يحل الحزب نفسه، ويخلّص الشعب السوري منه ومن امتيازاته وسلطاته و من المرجعية والخيمة التي يستظل بها الحاكمون دون حق؟. الأمر البنيوي سياسياً هو وقوع سياسة النظام السوري في تناقض فضائحي وفي مفارقة هي أن هذا النظام الذي يؤكد ليل نهار وجود مؤامرة خارجية وأن ما يجري في سورية هو نتاج هذه المؤامرة، يتحدث في الوقت نفسه عن (الحوار والتحاور) ورغم أنه غير جاد بعقد أي حوار، إلا أنه يقع في تناقض سياسي كبير وهو أنه إذا كان هناك مؤامرة، فعلوم السياسة جميعها، تؤكد ضرورة مواجهتها بالعنف أي (بقوي الجيش والأمن)، كما تؤكد رفض الحوار مع المتآمرين، فكيف بالنظام إذن يؤكد وجود مؤامرة يواجهها بعنف ويقترح الحوار معها في الوقت نفسه، يبدو أن أساطين السياسة السورية لم ينتبهوا لمثل هذا التناقض لأنهم لا يدركون ماذا يقولون وماذا يفعلون.