إذا أردنا أن نفهم الثورة المضادة التي نواجهها الآن حق الفهم فلابد ون ندرس أبرز تجلياتها في الكفاح ضد الثورة قبل الإطاحة بمبارك، أي دورها يوم جمعة الغضب 28 يناير وأربعاء موقعة الجمل 2 فبراير. فالثورة المضادة لها فكرها، وقادتها، ومؤسساتها، وأسلوبها، وتمويلها، وآلياتها، وأي خطأ في حساب مقدار قوتها -سواء قبل الإطاحة بمبارك أو بعده- سوف تكون له عواقب وخيمة في سياق المعركة الدائرة الآن علي قدم وساق بين طرفي التناقض الرئيسيين. فكر وأدبيات الثورة المضادة، مثلها مثل كل فكر الطبقات السائدة، مستورد بالكامل، حيث إن أبرز من درسه وقننه هو المخابرات المركزية الأمريكية. وقد بلوروا نظريا خطط التعامل مع وضع جماهيري ثوري من طول خبرتهم في التعامل مع تلك الأوضاع بدءا من ثورة مصدق ضد شاة إيران وحتي خبرات التعامل مع ثورات أمريكا اللاتينية. وبالطبع درس وزراء الداخلية العرب تلك الخطط وتدارسوها سويا فقد كان أنجح مثال علي تعاون الأنظمة العربية المشترك هو المؤتمرات الدورية لوزراء الداخلية العرب والتي حضرتها مصر حتي في سنوات مقاطعتها بسبب كامب دافيد. والدليل علي هذا التماثل بين خطة الثورة المضادة في تونس ومصر. وتعتمد تلك الخطط علي مواجهة الثورة بالتفريغ الأمني، وترويع المواطنين بواسطة الشرطة، أو الشرطة بملابس مدنية، أو الأجهزة السرية التابعة للشرطة، مع إطلاق يد عصابات المجرمين ورواد الجريمة المنظمة، والبلطجية من كل الأنواع، وإثارة المعارك الجانبية والفتن والقلاقل بين فئات الشعب المختلفة. والمثال الملموس في مصر هو انسحاب الشرطة في مساء الجمعة الثامن والعشرين من يناير، وتآمر الشرطة لحرق العديد من الأقسام (غير الأقسام التي حرقها المتظاهرون) وإطلاق سراح البلطجية المحتجزين بالأقسام، وفتح السجون وإجبار المساجين علي الخروج وحضهم علي ترويع الآمنين ونشر الرعب، وتنفيذ خطة التفريغ الأمني بعدم الاستجابة لاي استغاثة مع دفع عملاء للاتصال بالإعلام ونشر الشائعات للمبالغة حتي في مستوي أحداث المشاكل الأمنية المثارة. ويضاف لكل هذا دور الإعلام في تشويه الثورة والتشكيك في أهدافها وقادتها وحجمها ومستقبلها. إلا أن كل ما سبق ليس سوي التمهيد، فلابد من التخطيط لمعركة حاسمة للقضاء علي الثورة، وهو ما تحدد له يوم الأربعاء 2 فبراير بعد التمهيد له بإثارة الارتباك في صفوف الشعب نتيجة لخطاب مبارك الذي يعد بالإصلاح، وبالتالي فلا داعي لاستمرار الثورة. وفي الحقيقة إن دراسة تفاصيل الإعداد لموقعة الجمل لا تكتسب فقط أهمية من زاوية التأريخ للثورة، فالأغلبية الساحقة لتلك الآليات مازالت فاعلة ومستخدمة حتي الآن. ومن أهم تلك الآليات الدور القيادي لرموز وقيادات الحزب الوطني في مجلس الشعب المنحل.