عن النموذج التركي وأشياء أخري كنت واحدة من الكفار والخارجين عن الشريعة الذين قالوا لا في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية طبقا لأوصاف الاسلاميين المتشددين من السلفيين والجهاديين الذين انتشروا بكثافة أمام اللجان يدعون بالتصويت بنعم من أجل الدين والاسلام، ويرمون بالكفر، من يري غير ذلك، في مشهد استقطابي ذميم، يشعل نيران الفتن الطائفية، بخطاب ديني غير مسئول. واكتفي المتعاطفون مع التيار الاسلامي - الذي يصور نتائج الاستفتاء باعتبارها نصرا له ولخطابه - بوصف الذين صوتوا ب «لا» بأنهم خائفون من الديقراطية، وما ستسفر عنه انتخابات قادمة يجري الإعداد كي تكون حرة ونزيهة، ويبشرنا البعض الآخر منهم بأنه ليس هناك ما يدعو الي القلق لأن مصر مقبلة، وهي ترسم خريطة لمستقبلها السياسي، علي النموذج التركي ، ويعلم كل هؤلاء، أن الديمقراطية ليست انتخابات حرة ونزيهة فقط وليست حكم الأغلبية فقط، بل احترام الاغلبية لكل حقوق الأقلية، والقبول بالقواعد الديمقراطية لتداول السلطة. لقد كانت الانتخابات في عهد الرئيس عبد الناصر تجري بنزاهة، ولم يحدث فيها أي تدخل إداري، ومع ذلك لم تكن ديمقراطية، لأنها كانت تدور بين أفراد وليس بين جماعات سياسية، وتجري انطلاقا من افتراض أن هؤلاء الأفراد، ينتمون الي تنظيم سياسي واحد، وعلي قاعدة ان مهمة المجالس التشريعية هي ان تخدم لا ان تحكم، وأنها وسيط بين السلطة التفيذية وبين الشعب، وليست سلطة تشريع ورقابة، كما يقضي بذلك المنطق الدستوري السليم. والذين يروجون لمقولة الخائفين من الديمقراطية، هم في الواقع من يدفعون الامور دفعا، نحو تمكين تيارات يتعاطفون معها من الاسلام السياسي، من استغلال القدر الكبير من التشويش، الذي يزحم الساحة السياسية الآن، لاقتناص المساحة الاكبر من أصوات الناخبين، بأفكار لا صلة لها، بأهداف تلك التيارات الحقيقية، كما أنها لا تعبر عن ثقلها الحقيقي في المجتمع، لتمهد الارض لها لكي تحول النظام السلطوي المدني الذي كان قائما، إلي نظام سلطوي يشهر سلاح الدين. ليست هناك ديمقراطية، حين يكون الإصرار هو خلط ما هو ديني بما هو سياسي، لأهداف سياسية لا علاقة لها بالدين، ومن يبشروننا بالنموذج التركي لتمرير هذا الاصرار، الذي يعادي كل القيم الديمقراطية، والذي يجعل تيار الاسلام السياسي ، هو اكبر التيارات الرابحة من ثورة 25 يناير، يتجاهلون عن عمد ان الدستور التركي ينص صراحة علي ان المبدأ الأهم للجمهورية التركية هو العلمانية التي تفصل بين الدين والسياسة، وليس بين الدين والمجتمع، وان الجيش التركي يلعب دورا اساسيا في الحفاظ علي علمانية الدولة، وان حزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم ينص برنامجه علي انه حزب علماني، وأن تركيا تحظي بتاريخ نضالي ديمقراطي عريق، لم ينشئه حزب العدالة بل هو استثمره لصالحه، وأن تركيا تختلف ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية اختلافا جذريا عما يحدث في مصر، كما ان القوي الإسلامية التركية تمتلك فهما أكثر وضوحا وتطورا لمفاهيم الدولة المدنية والعلمانية، وموقفا أكثر تقدما لدور الدين في المجتمع.. ان التلاعب بالألفاظ لإعادة رسم المستقبل السياسي لمصر كدولة دينية، هو تنصل من تراث مصري عريق قدم فيه الشعب المصري تضحيات جسام، من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.