السودان:حوارية الشمال والجنوب تتميز التجربة الإبداعية السودانية بالتنوع نظرا لاتساع المكان الذي يتوازي مع اتساع الرؤية وكثرة الروافد التراثية والشعبية والحداثية التي ينهل منها المبدعون. ورغم كثرة الأسماء المبدعة في شمال وجنوب السودان - وما بينهما من مناطق - لكن القارئ المصري أو العربي لا تتعدي معرفته إلا أسماء لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كالطيب صالح وجيلي عبدالرحمن وكمال الجزولي وحمد المك وإلياس فتح الرحمن والباقر العفيف وحيدر حيدر ومحمد الفيتوري وغيرهم، بينما تقف قامات إبداعية ذات تجارب مفارقة في منطقة التهميش الإعلامي، ولعل ذلك - من وجهة نظري - يرجع لسببين: الأول: الانتقائية والشللية وسيادة مفهوم النخبة الثقافية وكلها أمور تنظر إلي الأشياء بعين واحدة، تحيل الثقافة العربية إلي مرجعية ذاتية تتسم بالتعالي - ومن ثم التخلف. الثاني: يعود إلي صعوبة النشر وتوزيع الكتاب نظرا لسطوة الرقابة علي الإبداع في السودان. ومع ذلك تحاول مجموعة جادة من شباب المبدعين ومن أجيال سابقة - أيضا - الخروج من حالة الحصار هذه، إما بالهجرة إلي دول قريبة كمصر والأردن وليبيا، أو بالهجرة إلي مدن العالم الجديد كاستراليا وكندا، مما يتيح لهم فرصة طيبة للنشر وإن جاء في طبعات محدودة. ورغم ذلك ظهرت أسماء مختلفة في القصة والشعر والرواية والنقد مثل علي الكامل ومحمود مدني وأحمد ضحية وعبدالحميد البرنس وعبدالعزيز بركة ساكن وعثمان البشري وعفيف إسماعيل والتيجاني سعيد وأبكر آدم إسماعيل، وبثينة خضر مكي، وعاطف خيري وغيرها من الأسماء، ومع ذلك تبقي كثير من المناطق الشائكة والمجهولة في الأدب السوداني. بدايات السرد ونظرة سريعة إلي تاريخ السرد في السودان نجد أن القصة القصيرة بدأت في الظهور هناك علي صفحات مجلتي «النهضة» و«الفجر» في أربعينيات القرن العشرين، وقد اتسمت القصص المنشورة بالطابع الرومانسي، والبعض الآخر منها بالطابع الواقعي، وقد صورت في تلك الأثناء أول مجموعة قصصية وهي «غادة القرية» لعثمان علي نور. وقد ظهر أول صوت نسائي في الأدب السوداني عام 1947 وهي القاصة ملكة الدار محمد عبدالله والتي فازت قصتها «حكيم القرية» بالمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة التي أقامتها إذاعة «أم درمان» عام 1947، وقد تطور خطابها السردي - بعد ذلك - إلي آفاق أكثر واقعية، وقد ظهر ذلك جليا في روايتها الأولي «الفراغ العريض» عام 1952، والتي ظهرت للنور ككتاب مطبوع عام 1970، ومن كتاب هذا الجيل الرائد عثمان محمد هاشم صاحب رواية «تاجوج» 1947، وخليل عبدالله الحاج صاحب رواية «إنهم بشر» 1962، ثم ظهر علي الساحة عملاق الكتابة السردية السودانية «الطيب صالح» بروايته «موسم الهجرة إلي الشمال» والتي جسدت صدام الحضارات والعلاقة الجدلية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب في مستوياته المختلفة، ورواياته بعد ذلك مثل «بندر شاه» و«عرس الزين» وغيرها من القصص القصيرة. ثم ظهر في جيل التسعينيات مجموعة من الأسماء التي اعتمدت علي الكتابة التجريبية مثل عبدالعزيز بركة ساكن صاحب رواية «الطواحين ورماد الماد»، وأبكر آدم في «الطريق إلي المدن المستحيلة»، وأحمد ضحية في «لانجور.. مناخات التحفز»، وعبدالحميد البرنس في مجموعتيه القصصيتين «تداعيات في بلاد بعيدة». وفي جنوب السودان ظهرت مجموعة من الأدباء اهتموا بقضايا اجتماعية وسياسية، وإن جاء خطابهم السردي محملا بالموروث الشعبي للجنوب ومن هؤلاء جاكوبجل أكول في مجموعته «عودة العاصفة»، و«أغيس لوكودو» في مجموعته «الربيبة»، و«ألينوردنيق» في كتبه «نهاية القحط» و«حفيد كاهن المطر»، و«الشجرة العرجاء، وأتيم آياك، في مجموعته «حياتان»، وفرانشيس فيليب في مجموعته «من أجل محبة إياي»، وفرانسيس دنيق في «طائر الشئوم وبذرة الخلاص»، وثريا فرح يعقوب. الحركة المسرحية أما المسرح السوداني فقد ارتبط في طور نشأته بالحركة المسرحية المصرية وإن تأخر ظهور العروض المكتملة إلي منتصف العشرينيات من القرن الماضي بظهور «جماعة الخريجين» والتي قدمت مجموعة من المسرحيات التي عبرت عن الواقع السوداني في ظل الاحتلال، كما ظهر في تلك الفترة الناقد عرفات محمد عبدالله والذي دعا إلي قيام «مسرح سوداني»، وقد التقط منه الفنان «أبوالروس» هذا التوجه، والذي كتب في مقدمة إحدي مسرحياته قائلا: «عندما كان المسرح يقدم الروايات الأجنبية مثل: «تاجر البندقية» و«الفارس الأسود» و«صلاح الدين» دار بخلدي أن أصنع «رواية» سودانية لحما ودما، ولم يطل بي التفكير حتي استهديت بقصة«تاجوج والمحلق». ومنذ تلك اللحظة عرفت السودان تكوين الفرق المسرحية المختلفة وظهرت المرأة السودانية علي خشبة المسرح في عام 1946 حيث قام الفنان «مسيرة السراج» بتكوين فرقة تمثيلية تحت شعار «اعطني قرشا أعطك مسرحا» حتي ظهر - بعد ذلك - جيلا كاملا من المسرحيين تبلورت أفكارهم من خلال نبض الشارع السوداني خاصة بعد الثورة الشعبية، فظهرت أنماط مسرحية جديدة، مثل المسرح الجامعي ومسرح الطفل والذي ازدهر - بشكل لافت - في منتصف السبعينيات، خاصة بعد إنشاء أول مسرح سوداني يقام علي أحدث الوسائل والتقنيات الفنية وهو مسرح «الصداقة السودانية الصينية». وقد ظهر خلال تلك الفترة مجموعة من الأسماء التي أسست لمفاهيم مغايرة في بنية العمل المسرحي في السودان أمثال الفاضل سعيد الذي اعتمد مسرحه علي فكرة «التأليف الجماعي» من خلال ورش فنية، علي أن يتم استكماله عن طريق الارتجال. ومع منتصف الثمانينيات ظهر توجه جديد في المسرح السوداني ينحو منحي «التمسرح» بالعودة إلي تقديم عروض تنتمي إلي الشارع باللجوء إلي حيل فنية تتذرع بالتراث واستعادة فنون الارتجال كالأراجوز والحكواتي، وظل هذا التوجه مستمرا إلي أن ظهرت فرقة «جماعة كوتو المسرحية» والتي أسسها عام 1994 كل من ديريه ألفريد والسماني لوال واستيفين أوشيلا.. بمدينة الخرطوم، فعلي مستوي النص تعتمد الفرقة علي ما يمكن أن يسمي ب «النص المفتوح» المرتبط بالقاموس الشعبي، ومن ثم يأتي العرض معتمدا علي التنفيذ الجماعي من خلال البطولة الجماعية، وهو مسرح غنائي بامتياز.