«الجهاد هو بذل كل جهد ممكن لاقتلاع جذور الطغيان والفساد فى الأرض، ولن يقدر الإنسان علي اقتلاع الطغيان والفساد من حوله، إذا كان الطغيان والفساد يعيشان داخل نفسه، ومن هنا أمر المسلم أن يبدأ بجهاد النوازع في نفسه، ثم يثني بمجاهدة الطغيان والفساد فى مجتمعه، ثم ينتهي إلى مجاهدة الطغيان والفساد فى العالم كله، والمسلم لم يؤمر بمطلق جهاد يلقي به التبعة عن كاهله، وإنما أمر بالجهاد فى الله حق الجهاد، والجهاد فى الله حق الجهاد يقتضي من المسلم أن يكون دائما على أهبة العمل والبذل فإن طلب دينه منه الجهد بذله، أو المال أنفقه، أو النفس قدمها مطمئنا. المسلم جندي للحق، مجهز النفس دائما إن لم يكن مجهز اليد. وهو إن يعش فى الجهاد عملا وتنفيذاً عاش الجهاد نية وقصداً. والذي يعيش لنفسه ولدنياه بعيداً عن الجهاد- عملا ونية- إنما هو المنافق الذي آمن لسانه ولم يؤمن قلبه، ليس بمسلم صادق الإسلام ذلك الذي يثاقل إلى الأرض، ويخلد إلى الراحة والدعة ويؤثر سلامة دنياه علي سلامة دينه». أما الشيخ البنا فهو يوجه حديثه إلى أتباعه قائلاً: «أيها الإخوان المسلمون، لقد قام هذا الدين بجهاد أسلافكم علي دعائم قوية من الإيمان بالله، والزهادة في متعة الحياة الفانية وإيثار دار الخلود، والتضحية بالدم والروح والمال في سبيل مناصرة الحق وحب الموت في سبيل الله». ويقول في رسالته «نحو النور»: «وتحتاج كذلك الأمم الناهضة إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية ولا سيما فى هذه العصور التي لا يضمن فيها السلم إلا بالاستعداد للحرب، والتي صار شعار أبنائها جميعاً القوة أضمن طريق لإحقاق الحق. والإسلام لم يغفل هذه الناحية، بل جعلها فريضة محكمة من فرائضه، ولم يفرق بينها وبين الصلاة والصوم في شىء. وليس في الدنيا كلها نظام عني بهذه الناحية، لا فى القديم ولا في الحديث كما عني بذلك الإسلام في القرآن وفي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسيرته». ويستند الشيخ البنا في دعوته إلى «الجهاد» بالمفهوم الذي وضعه موضع التنفيذ، إلى فهم نصي ومغلوط لعدد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة مثل : «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم». وقوله تعالي «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم». والآية الكريمة «فليقاتل في سبيل الله الذين يشترون الحياة الدنيا بالآخرة». والحديث الشريف والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل» رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة أن رسول الله قال : «من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمه» رواه الترمذي وابن ماجة. وحدث شريف آخر «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» رواه مسلم. لكن الدعاة إلى صحيح الدين وإلى فهمه فهما يستند إلى أسباب النزول للآيات المحددة، وليس إلى المفهوم النصي للكلمات والحروف، وهو الفهم الأمثل الذي أخذ به أغلب الفقهاء الثقاة، وأغلب الصحابة والذي عبر عنه علي بن أبي طالب عندما قال «القرآن لا ينطق وهو مكتوب وإنما ينطق به البشر وهو حمال أوجه». لديهم هم أيضا رصيدهم، وهم يذكرونه دوماً بأنه يستخدم العنف ضد مسلمين لا يقلل اختلافهم فى الرأي معه ومع جماعته من درجة إسلامهم. ويردون على حجج الشيخ بالآية الكريمة «فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر». وبالآية الكريمة «وليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء». والحديث موجه إلى رسول الله، وله أيضاً وجهت الآية الكريمة «أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين». وله أيضا «إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين». ويقول الله تعالي معلماً المسلمين «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن». وحتي مع الطغاة والكفار «اذهبا إلى فرعون إنه طغي، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي». وأحاديث شريفة كثيرة «لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم». وحديث شريف آخر «من أخاف مؤمناً كان علي الله ألا يؤمنه من إفزاع يوم القيامة». وحديث شريف ثالث «لا يشر أحدكم إلى أخيه بسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع فى حفرة من النار». ويقول الفخر الرازي في تفسيره، أن مسلمي مكة استأذنوا الرسول (صلي الله عليه وسلم) فى أن يغتالوا سراً عدداً من المشركين الذين أمعنوا في إيقاع الأذي بالإسلام والمسلمين فنهاهم الرسول قائلاً «الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن» ثم نزلت الآية الكريمة مصدقة لهذا الموقف «إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور» (الحج- 38). ومن هنا فإن الآية الكريمة والحديث الشريف يشكلان موقفاً شرعياً واضحاً ومتكاملاً يرفض الاغتيال وكل أشكال القتل غيلة للخصوم، مهما كانت خصومتهم مع المسلمين «ويتماشي هذا الموقف مع قيم الفروسية التي ترسخت لزمن طويل منذ الجاهلية وحتي الإسلام، والتي تتمسك بالقتال وجها لوجه، ولا تقر ملاحقة الهارب، وكان الفارس الجاهلي إذا قابل خصماً صاح به قبل أن يهاجمه : خذ حذرك إني قاتلك». وآيات كريمة عديدة وأحاديث شريفة كثيرة، وتفسيرات ومواقف فقهية تبرئ الإسلام من تهمة الإرهاب والاغتيالات والفتك بالخصوم، ومع ذلك يأبي الأستاذ البنا إلا أن يمضي في طريق الإرهاب السياسي سائراً فوق الشوك هو وجماعته. ويختتم البنا «رسالة الجهاد» موجها حديثه إلى أتباعه «أيها الإخوان إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة والنعيم الخالد فى الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، وأعلموا أن الموت لابد منه وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الأخرة، فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة. رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله». وبعد.. فهذه هي نظرية الشيخ في الجهاد فكيف كان مساره؟ وإلام انتهي؟