تحولت الأنظار بشدة إلي اليمن في أعقاب اكتشاف كمية من الطرود المفخخة، تمكن بعضها من اتخاذ طريقه نحو الأهداف المنتقاة في اليونان ودول أوروبية والولاياتالمتحدة فيما أمكن تفكيك 26 طردا في صنعاء وقبل أن تتجه نحو أهدافها عبر شركات الشحن الجوي. في أعقاب أسبوع الطرود المفخخة تم منع الطائرات اليمنية من الهبوط في عدة دول أوروبية إضافة إلي فرض حظر شامل علي تسلم أي طرود قادمة من اليمن، وتحولت شركات شحن الطرود إلي أماكن خطرة وسط عمليات تفتيش دقيقة باستخدام أحدث الأجهزة الإلكترونية في محاولات مستميتة للبحث عن أماكن إخفاء المتفجرات والشرائح الإلكترونية المجهزة للتفجير. وهو ما أحدث حالة من الذعر انتابت شركات الشحن والطيران والجهات المصدرة والمستقبلة للشحنات، وخاصة أن تنظيم القاعدة أعلن أنه وراء عمليات الطرود المتفجرة. هذا التطور يجيء بعد أيام قليلة من إعلان تأسيس جيش عدن - إبين في 11 أكتوبر الماضي، ودعا قائد الجيش قاسم الريمي انضمام الكوادر المتخصصة في الفيزياء والكيمياء والكهرباء وغيرها للقاعدة لاحتياج ساحة الجهاد إليهم، كما هدد خبير المتفجرات صالح الشاويش بعد سماعه الحكم عليه بالعمليات النوعية التي ستأتي من أبين ضد النظام اليمني واستخدام المتفجرات بجميع أشكالها سواء للعمليات الانتحارية علي شكل أحزمة ناسفة، أو لتحويل الطائرات إلي قنابل متفجرة أصبحت من أهم أشكال عمل تنظيم القاعدة، وأصبحت ساحات القتال الجهادية الممتدة من أفغانستان وباكستان والعراق وصولا إلي الشيشان وجمهوريات وأقاليم صغيرة في روسيا الاتحادية وصولا إلي اليمن والصومال وحتي نيجيريا ودول أفريقية أخري، مفتوحة أمام استخدام عمليات التفجير المختلفة في القتال ضد الأنظمة والقوي السياسية في تلك البلدان. وإذا كان من المتوقع حدوث عمليات انتحارية وعمليات تفجير جماعية في أفغانستان والعراق حيث تتواجد قوات أمريكية وقوات حليفة لها قامت بغزو البلدين، مما أدي إلي ظهور جماعات جهادية، وهو ما كان يحدث سابقا علي يد حركات فلسطينية مثل حماس والجهاد قبل أن تتركنا للحكم والسيطرة علي غزة، فإن ما يحدث في اليمن له أسباب أخري، فلا يوجد احتلال ولا غزة ولكن هناك بيئة ملائمة من جميع الجهات لنمو الجماعات الجهادية المقاتلة، سواء لضعف قدرات الدولة العسكرية والأمنية وعدم كفايتها للسيطرة علي أرجاء اليمن الذي يتمتع بطبيعة جبلية بالغة الصعوبة في مناطق كثيرة، مثل محافظة «أبين» علاوة علي استمرار سيطرة القبائل المسلحة علي الأوضاع في معظم المحافظات اليمنية، وبحيث لا تسيطر الحكومة المركزية إلا علي الأوضاع في صنعاء وعدن وبعض المدن الكبري. والتواجد التقليدي للقوي السلفية والمحافظة أدي إلي تواجد للقوي الجهادية فيما بعد، مع تواجد تاريخي لأجهزة مخابرات غربية بالذات لعبت دورا تاريخيا في اتخاذ اليمن قاعدة أساسية لتجنيد مجاهدين في اليمن من جنسيات مختلفة للجهاد ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. والمثير أن المخابرات السعودية ساهمت ومولت عمليات التجنيد تلك بالمشاركة مع المخابرات الأمريكية 2010 وأجهزة مخابرات أخري، حيث تم توجيه الجهد الرئيسي للجماعات المتطرفة نحو جنة الجهاد الكبري في أفغانستان. وبعد عدة عقود فإن السحر انقلب علي الساحر، وقامت جماعات جهادية عينية بعمليات استهدفت المملكة السعودية وقادتها وآخرها أو أخطرها محاولة عبدالله عسيري الإرهابي اغتيال الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز في سبتمبر الماضي، من خلال استخدام جهاز محمول حينما دعا الأمير محمد بن نايف للتحدث مع عدد من المطلوبين هرب بعضهم إلي داخل اليمن، وانفجر المحمول في شحنة متفجرة بمجرد إجراء الاتصال الهاتفي. ومرة أخري فإن الأنظار اتجهت إلي اليمن عندما تم إفشال محاولة المواطن الكيني الأصل عمر عبدالمطلب تفجير طائرة أمريكية في ديترويت، عبر إخفاء شحنات متفجرة في كعب حذائه! وشهدت سواحل عدن محاولة تفجير مدمرة أمريكية من خلال هجوم بزورق مسلح مليء بشحنات متفجرة، علي خلفية الغزو الأمريكي للعراق، وتوظيف المشاعر المناهضة لهذا الغزو، وتوجيه الرأي العام للقيام بعمليات جهادية ضد المحتل الأمريكي. الحرب مع الحوثيين وساهمت الحرب مع التنظيم المتطرف ذي الأصول الشيعية «الحوثيين» نسبة إلي زعيمه عبدالله الحوثي إلي زيادة أجواء العنف في اليمن، مع اتساع ساحة الحرب والمواجهة التي امتدت إلي داخل الأراضي السعودية مما دعا القوات الجوية السعودية إلي استخدام طائراتها المقاتلة لضرب قواعد الحوثيين. والأهم أن الدور الأمريكي لم يعد سريا، إذ تدخلت الولاياتالمتحدة بقوة علي الساحة اليمنية لمنع سقوطها في يد «الحوثيين» و«القاعدة»، فضربت طائرات بدون طيار أهداف للحوثيين والقاعدة وزادت الولاياتالمتحدة مساعدتها العسكرية والمخابراتية لليمن لمساعدته في مواجهة تحديات إرهابية أكبر من قدرات هذا البلد. ويزيد من صعوبة الأوضاع أن القرن الأفريقي أصبح ساحة مفتوحة أمام المنظمات الإرهابية للعمل دون عوائق، وأصبحت سواحل الصومال مباحة أمام القراصنة الباحثين عن الأموال وتنظيم القاعدة الذي نجح جناح «جماعة الشباب» في السيطرة علي أجزاء كبيرة من الصومال. ومع قرب المسافة بين الصومال واليمن فإن انتقال الأفراد والأسلحة أصبح بالغ السهولة، وهو ما جعل اليمن ساحة مستهدفة لتنظيم القاعدة للعمل سواء باتجاه المملكة العربية السعودية الهدف الأول، أو باتجاه دول أوروبية والولاياتالمتحدة عبر تطوير عمليات القاعدة الإرهابية مؤخرا باستخدام الطرود وتحويلها إلي متفجرات. وعلي الرغم من حصول اليمن علي ملايين الدولارات مساعدات عسكرية من الولاياتالمتحدة ودول أوروبية، فإن الأوضاع الأمنية في هذا البلد لاتزال غير مستقرة حيث يخوض نظام الحكم فيه حربا مع عدو لا يراه، يعمل في بيئة محافظة وملائمة جدا للأنشطة الجهادية، وهو ما سيجعل اليمن مرشحا لمزيد من تصدير العمليات الإرهابية إلي الخارج. ولعل عملية القاعدة في بغداد باحتجاز الرهائن في كنيسة سيدة النجاة السيريانية في بغداد، وانتهاء هذه العملية بمقتل 58 من الرهائن المسيحيين وقوات الأمن والمسلمين، في نفس أسبوع الطرود الناسفة ما يشير إلي خطة القاعدة في توسعة مجال الحرب مع الولاياتالمتحدة وحلفائها، وابتكار أساليب جديدة في تلك الحرب واستخدام الأقليات لنسف الاستقرار في الدول كما يحدث في التهديدات ضد كنائس مصر، وذلك كله في وقت تستعد فيه الولاياتالمتحدة لمغادرة نهائية من العراق، وهي مغادرة لن تكون سهلة والأهم أنها لن تكون مغادرة مكللة بالانتصار، أن تهدف عمليات القاعدة في التأكيد علي أنها لم تهزم وأنها قادرة علي ملاحقة الولاياتالمتحدة والأنظمة التابعة لها وبوسائل جديدة ومبتكرة، وبتوسعة ساحة الصراع إلي أقصي حد ممكن، فإذا هدأت الأمور في غزة ولبنان تشتعل في الصومال واليمن، وإذا هدأت في الشيشان فإن العمليات مستمرة في أفغانستان وباكستان، وإذا تم تفتيش الطائرات فالموت قادم في الطرود الناسفة.