هذه المرة يبدو ان المسالة جدية. ان الخلاف بين اسرائيل والولاياتالمتحدة ليس مفتعلا وليس مجرد تمثيلية انما هو خلاف حقيقي. والسبب ان المصالح الأمريكية تختلف هذه المرة اختلافا حقيقيا عن مصالح اسرائيل. بل يبدو ان الخلاف الأمريكي-الاسرائيلي يشمل مسالتين احداهما دامت حتى الان منذ قيام دولة اسرائيل في اواخر اربعينيات القرن الماضي، اما الثانية فانها حديثة بالمقارنة بتلك، فان عمر التصادم الأمريكي-الاسرائيلي مع ايران لا يزيد علي اعوام قليلة. وربما يكون السؤال الذي يفرض نفسه الآن الى متى يستمر هذا الخلاف والى اين يصل بالعلاقات بين الحليفين؟؟ انما قبل اي محاولة للاجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة تفصيلية باسباب الخلاف الحالي غير المألوف بين أمريكا واسرائيل ولماذا سمحت الدولتان بوقوعه. تسليم دولي من الواضح ان اسرائيل تتمسك بشدة بضرورة اجبار ايران على الرضوخ لكل الشروط الاسرائيلية بشان ما تصر اسرائيل على اعتباره المشروع الايراني لامتلاك القنبلة النووية. وتبدو اسرائيل متمسكة الى اقصى حد بان معلوماتها المخابراتية تفيد ان ايران مصممة على ان تتحول الى ثاني دولة نووية في الشرق الاوسط. اي بعد اسرائيل نفسها . فالعالم كله يسلم الان بان اسرائيل دولة تملك اكثر من مائتي قنبلة نووية. وعلى الرغم من نفي قاطع من جانب ايران لهذا الزعم الاسرائيلي، وهو نفي جاء طوال عهد رئيس ايران السابق احمدي نجاد وواصله خليفته في الرئاسة الايرانية حسن حوراني، فإن اسرائيل تبدي تصميما مبالغا فيه على ان ايران توشك خلال اشهر قليلة على امتلاك القنبلة النووية. وفي هذا المجال فان اسرائيل لا تنطق بكلمة عن امتلاكها هذا العدد الكبير من القنابل النووية. وقد تطور الخلاف الأمريكي-الاسرائيلي الى حد حدوث مشادة حادة غير مباشرة بين رئيس الوزراء الاسرائيلي والمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي. نيتانياهو من جانبه انتقد التوصل الى تسوية مع ايران واصفا اياها بانها "اتفاق سييء". وردت عليه الناطقة بلسان وزارة الخارجية الأمريكية جين بساكي قائلة "الدبلوماسية افضل من الحرب". وأضافت ان الطريق الذي تقترحه اسرائيل لاخضاع ايران هو العقوبات الاقتصادية وهذا طريق "لا يؤدي الا الى نشوب الحرب وليس الى حل ممكن للمشكلة". في الوقت نفسه فان اسرائيل عبّأت كل مؤيديها في واشنطن داخل الكونجرس وفي منظمات اللوبي الاسرائيلي لشن هجمات متتالية على الموقف الأمريكي الجديد ازاء ايران. وكان الابرز بين هؤلاء هو روبرت ساتلوف الصهيوني الأمريكي البارز ورئيس مركز واشنطن لدراسات الشرق الادنى، الذي كتب في موقع هذا المركز تعليقا بعنوان "قتال اوباما مع اسرائيل: هذه المرة هو قتال حقيقي". وقال ساتلوف "ان تحولات جديدة في التعاون الأمريكي-الاسرائيلي يمكن ان تعني ان الوقت ينقضي بالنسبة لحل سلمي للمسالة النووية الايرانية". وقال "ان الازمة الراهنة هي بالفعل اكبرالانفجارات بين الولاياتالمتحدة واسرائيل على الاطلاق، وهي يمكن ان تصبح اسوأ قبل ان تتحسن. لم يحدث منذ ان رمى مناحم بيغن في القمامة بمشروع السلام الذي اعلنه رونالد ريجان في عام 82 تعرضت اسرائيل بمثل هذا النقد العلني لمبادرة دبلوماسية أمريكية. بل ان نيتانياهو – في خطبة مثيرة في القدس (المحتلة) يوم 10 نوفمبر – وصل الى حد توجيه الدعوة لزعماء اليهود الأمريكيين لكي يستخدموا نفوذهم لوقف ما أسماه صفقة ايرانية سيئة". ولم يحدث ابدا ان وزيرا للخارجية الأمريكية وصل الى حد استخدام منصة في عاصمة عربية ليعلن ايجابيات الولاء لاسرائيل ثم يحذر على وجه التحديد رئيس وزراء اسرائيل بان عليه ان يبتعد عن طريق الجهود الدبلوماسية الأمريكية وان يوفر انتقاده الى ما بعد كتابة صفقة. هذا ما فعله جون كيري في مؤتمر صحفي مرموق يوم 11 نوفمبر في ابو ظبي وهو يقف الى جوار وزير خارجية دولة الامارات العربية المتحدة". وأضاف ساتلوف انه "لم يحدث ابدا فيما تعيه الذاكرة ان متحدثا باسم رئيس الولاياتالمتحدة -وهويعرف ان اسرائيل والكثيرين من اصدقائها الأمريكيين انتقدوا سياسة الادارة الأمريكية بشأن ايران – اتهم هؤلاء بانهم يقودون مسيرة نحو الحرب، مفتتحا بذلك صندوقا سحريا من التجريم البغيض الذي سيكون من الصعب اغلاقه". إلغاء العقوبات في الوقت نفسه كان مسئول أمريكي كبير يعلن انه من الممكن التوصل الى اتفاق مع ايران حول ملفها النووي، بل ان مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي – المعروف بتأييده المطلق لاسرائيل – وافقت على الامتناع عن زيادة العقوبات على ايران ما دامت المفاوضات جارية معها للتوصل الى اتفاق. وكان هذا استجابة لطلب من الرئيس الأمريكي باراك اوباما من الكونجرس بعدم فرض عقوبات جديدة على ايران مؤكدا ان فرض مثل هذه العقوبات الجديدة لن تدفع ايران الى الاستسلام والتخلي عن برنامجها النووي، بل انها على العكس من ذلك ستقودها الى مزيد من التصلب. وقد وصفت وكالات الانباء الأمريكية وكذلك الصحف الأمريكية جلسة الكونجرس التي تحدث فيها وزير الخارجية الأمريكي طالبا ان لا يقدم الكونجرس على فرض عقوبات جديدة على ايران لعدة اسابيع او على الاقل طالما كانت المفاوضات جارية مع طهران، بانها جلسة عاصفة. وان المواجهة التي جرت بين وزير الخارجية كيري واعضاء الكونجرس الموالين لاسرائيل بانها كانت مواجهة حادة. فقد ابدى اعضاء من الكونجرس من الحزبين الديمقراطي – حزب الرئيس اوباما – معارضة شديدة لطلب الادارة الأمريكية منح فرصة للمفاوضات مع ايران لكي تنجح وتحقق النتيجة المرجوة منها وهي التوصل الى اتفاق أمريكي- ايراني تعطي فيه ايران ضمانات تكتفي بها أمريكا بعدم السعي لامتلاك السلاح النووي وتقرر واشنطن بالمقابل ان تلغي العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران والتي ارهقت الاقتصاد الايراني في السنوات الاخيرة. سيطرة الجيش والجدير بالملاحظة ان سياسة اسرائيل في هذا الصدد لم تؤجج الخلاف مع أمريكا فحسب بل انها اثارت التيار المعتدل في الصحافة الاسرائيلية نفسها. وعلى سبيل المثال فان الكاتب السياسي الاسرائيلي تسفي برئيل كتب في صحيفة "هاآريتس"بلهجة ساخرة" اذا كنا غير قادرين على قصف ايران فلنقصف أمريكا. هذه هي الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة ضد التهديد الايراني. لقد بدأت اسرائيل – مثل العديد من دول المنطقة في تصوير واشنطن كعدو حقيقي مثل مصر التي تهاجم الادارة الأمريكية بسبب العقوبات التي فرضتها عليها بعد سيطرة الجيش على السلطة، والسعودية التي اعلنت نيتها تغيير سياستها تجاه الولاياتالمتحدة بسبب ما تعتبره تقربا استراتيجيا من ايران. وهاهي اسرائيل ايضا تتبنى سياسة مجنونة وتتحول فجأة الى شريك في الحلف المعادي للولايات المتحدة". ترى من يمكن ان يفوز في النهاية بهذه المواجهة الخطرة بعد ان اصبحت الولاياتالمتحدة واسرائيل تخوضان معركة اعلامية ضارية، بل ومعركة برلمانية ضارية داخل الكونجرس الأمريكي؟ بعض – وليس كل – الصحافة الأمريكية يجيب عن هذا السؤال بان اسرائيل هي التي ستخرج فائزة من هذه المواجهة. وقد نتصور ان الذين ينطقون بهذه الاجابة في المجال السياسي الأمريكي والاسرائيلي او في الصحافة الأمريكية والاسرائيلية هم المتشددون انصار اسرائيل. ولكن الحقيقة هي انه حتى الصحافة الأمريكية التي تتخذ موقفا نقديا لاذعا من السياسة الأمريكية تجاه اسرائيل، وكذلك الصحافة الاسرائيلية المعتدلة التي لا تريد ان تضيع فرصة التواؤم مع ايران، تتخذ موقف الاعتقاد بان اسرائيل ستفوز في المعركة "الايرانية" الراهنة. وسبب ذلك انها لا تتوقع ان تتمسك الادارة الأمريكية بموقف يخالف الموقف الاسرائيلي، سواء بحكم العادة ام بحكم تحكّم اللوبي الصهيوني بمقدرات السياسة الأمريكية. معنى هذا ان ادارة الرئيس الأمريكي اوباما وضعت نفسها في اختبار امام اسرائيل، وان غالبية الأمريكيين يتوقعون ان تستسلم هذه الادارة لموقف موال لاسرائيل ايا كانت نتيجة المفاوضات مع ايران.