فى الثامن من ديسمبر القادم، يعقد وزراء الموارد المائية لكل من مصر والسودان وإثيوبيا الجولة الثانية من الاجتماع الثلاثى لمواصلة بحث تقرير لجنة الخبراء الدولية الخاص بسد النهضة الإثيوبى الذى صدر فى 31 مايو الماضى وانتهى إلى ضرورة استكمال الطرف الاثيوبى دراسة الأثار السلبية المتوقعة له ، وكانت الجولة الأولى من هذا الاجتماع قد بدأت وانتهت فى الخرطوم فى الرابع من نوفمبر، دون التوصل إلى مشتركات ترضى أطرافه، فيما عدا تحديد موعد لعقد الاجتماع الثانى وحرص المشاركون فيه على عدم وصف نتائجه بالفشل، لكن المؤكد أن الطرف الإثيوبى رفض مطلب المفاوضين المصريين بأن يقوم خبراء دوليون محايدون بتنفيذ توصية اللجنة الدولية بإعداد دراسات حول الآثار البيئية السلبية الناجمة عن بناء سد النهضة على دولتى المصب مصر والسودان، وفى القلب منها التأثير على حصة مصر التاريخية من المياه، بما يتسبب فى حدوث جفاف مع حلول عام 2017 موعد الانتهاء من بناء السد الإثيوبي، تمسك الطرف الأثيوبى بقيام خبرائه بإعداد الدراسات التى طالبت بها اللجنة الدولية، الذى اعتبر عملها منتهيا بصدور توصياتها، وأكد التزامه بتنفيذ تلك التوصيات، وهو ما أنهى اجتماع الخرطوم بتمسك الطرفين المصرى والإثيوبى كل علي حدة بموقفه، مع بروز عامل مستجد هو الانحياز السودانى للموقف الإثيوبي، متزامنا مع نية الحكومة السودانية التوقيع على اتفاقية عانتيبى لدول الحوض، التى كانت قد تحفظت عليها مع مصر عند صدورها إذا لم تتضمن الاتفاقية المحافظة على حقوق مصر التاريخية فى المياه، وتمرير القرارات بالتوافق أو الأغلبية بشرط أن تكون مصر والسودان ضمن هذه الأغلبية، وعدم انفراد أية دولة من الدول باتخاذ إجراءات خاصة بالنهر دون مناقشة. المعلومات المتوفرة عن سد النهضة تقول إن نحو 25% من متطلباته الفنية والإدارية تم تجهيزها، وأن المرحلة الأولى منه تنتهى فى الصيف القادم، وأن أمرا واقعا بات مفروضا على الطرف المصري، فى القلب منه تغير الموقف السوداني، لأسباب نفعية متعلقة بالكهرباء التى يعد الجانب الإثيوبى منحها له لفك ارتباط موقفه مع الموقف المصرى من جهة، ومن جهة أخرى لأسباب سياسية تتعلق بنزوع الحكومة السودانية لمناوأة الأوضاع التى أسفرت عنها ثورة 30 يونيو فى مصر، وأطاحت بحكم حلفائها من جماعة الإخوان. لدى الجانب المصرى عدة عوامل لاستثمار اجتماع ديسمبر من أجل التوصل إلى حلول تقلل مخاطر بناء سد النهضة منها أن الصين توقفت عن تقديم الدعم المالى أو الفنى لبناء السد، وكذلك فعلت الدول الخليجية، والمنظمات الدولية المانحة للقروض والمعونات ومنها البنك الدولى ومن الوارد أن يبحث الاجتماع المقبل الاقتراح الإثيوبى أن تشارك مصر والسودان فى عمليات تمويل وبناء السد وإدارة مشتركة له، وهو توجه إن حدث فهو كفيل أن يفتح باب التمويل الدولى للسد بشرط، أن يقنع الطرف الإثيوبى بالالتزام بالمواصفات العالمية للسدود بألا تزيد سعة السد علي 14 مليار متر مكعب وألا يزيد ارتفاعه علي 90 مترا، وهى المواصفات التى قبلت مصر بها فى عام 2010، وعدلتها إثيوبيا، بعد ثورة 25 يناير لتصبح السعة التى تحددها للسد 74 مليار متر مكعب وارتفاعه 145 مترا. حقوق مصر التاريخية فى المياه تضمنها كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية، لكن وفود التفاوض الكفؤة الملمة بتفاصيل هذا الملف هى ضرورة حيوية لإقناع الطرف الإثيوبى بالتخلى عن تشدده الذى يحفل بأبعاد غير فنية وغير قانونية، هو خطوة أولى للحفاظ على المصلحة المصرية، بعيدا عن التجاوبات السياسية.