الجيش أول المشاركين، انطلاق التصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية (فيديو)    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 نوفمبر    الخارجية الروسية: موسكو لن تنجر وراء استفزازات بروكسل فى قضية التأشيرات    الصين تواصل توسعها في أبحاث الفضاء بإطلاق 3 أقمار صناعية تجريبية جديدة بنجاح    4 برونزيات، حصاد البعثة المصرية في أول أيام دورة التضامن الإسلامي    حالة المرور اليوم، كثافات بالقاهرة والجيزة مع تكثيف الخدمات الميدانية لضبط الحركة    نظر محاكمة 213 متهما ب«خلية النزهة» بعد قليل    اليوم، استئناف بيع تذاكر زيارة المتحف المصري الكبير من شبابيك الحجز    الكاتب السوري سومر شحادة: السوق المصرية تمثل لي أفقًا حقيقيًا للكتابة والقراءة    العلم طريق مصر إلى المستقبل    أسعار اللحوم في أسوان اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025    مستوى قياسي.. سعر الذهب اليوم الأحد 9-11-2025 بعد ارتفاع الأعيرة محليًا وعالميًا    متى تبدأ امتحانات نصف العام و ما موعد اختبارات شهر نوفمبر 2025؟    إسرائيل تقترب من استعادة جثة جندي بعد 4117 يوما في غزة    واشنطن تهمش دور إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة    وزير التعليم العالي: فوز مصر بعضوية "اليونسكو" تتويج لرؤية الرئيس السيسي في تعزيز الحضور الدولي    حظك اليوم الأحد 9 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    مطار مرسى علم يشهد نشاطًا سياحيًا مكثفًا مع وصول رحلات أوروبية    مش هترضعه صدق ولا مصداقية.. عم ضحايا جريمة دلجا يرفض إرضاع القاتلة لطفلها بعد حكم الإعدام    البحر الأحمر تنهي استعدادتها لاستقبال 336 ألف ناخباً للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس النواب    بسبب تركيبة حليب أطفال، تسمم رضع في 10 ولايات أمريكية والسلطات تفتح تحقيقًا    طقس اليوم: مائل للحرارة نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 28    سوريا تنفذ عمليات استباقية ضد خلايا لتنظيم داعش    محمد صلاح: الزمالك قادر على حسم السوبر.. وعبد الرؤوف يسير على الطريق الصحيح    إخلاء سبيل شخص وصديقه بواقعة التحرش اللفظي بسيدة فى بولاق أبو العلا    صفاء أبو السعود: حفل «جراند بول» يدعم مرضى السرطان.. ويقام للمرة الأولى في مصر    أبرز مباريات اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025 في جميع المسابقات والقنوات الناقلة    عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأحد 9-11-2025 في مصر    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    خطوات استخراج الكارت الموحد بديل بطاقات التموين في مصر    قناة DMC تقدم تغطية حصرية لفعاليات مهرجان القاهرة السينمائى    عمرو أديب يجيب على سؤال اعتزاله: «تاريخي ورايا مش قدامي»    «إنت بتغير كلامي ليه! أنا عارف بقول إيه».. نقاش ساخن بين أحمد فتحي وخالد الغندور بسبب نجم الزمالك    عمرو الحديدي: الأهلي يفتقد لتواجد إمام عاشور.. ومباراة القمة تكتب دائمًا شهادة ميلاد العديد من النجوم    متحدث «الإنتاج الحربي»: نشارك بمنتجات عسكرية جديدة في «آيدكس 2025»    من الأرز إلى النيل.. الموارنة يجددون رسالتهم في مصر عبر أربعة قرون من العطاء    وزير النفط الكويتي يبحث قضايا بيئية مع مسؤولين في كوب 30    المخرج مازن المتجول في حوار ل«المصري اليوم»: احترم جميع الآراء حول حفل افتتاح المتحف الكبير.. والانتقادات 3% من ردود الأفعال    «معي في قائمة المنتخب».. حلمي طولان يفاجئ لاعب الأهلي قبل ساعات من السوبر    كورنيليا ريختر أول أسقفة في تاريخ الكنيسة الإنجيلية بالنمسا    «ليس زيزو أو بن شرقي».. أحمد جعفر يكشف أخطر لاعبي الأهلي على دفاع الزمالك    إسرائيل حذرت أمريكا وجيش لبنان من عودة حزب الله بقوة    غير صورتك الآن.. رابط موقع تحويل الصور مجانًا ب الذكاء الاصطناعي بعد ترند الزي الفرعوني    ارتفاع عدد المصابين إلى 10 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدتي الخضر وعابود ومدينة البيرة    خوفاً من فضيحة العزوف الشعبي.. هيئةالانتخابات تُخفي صور اللجان بالخارج!!    للتخلص من العفن والبكتيريا.. خطوات تنظيف الغسالة بفعالية    أرتيتا بعد التعادل مع سندرلاند: لا أريد الشكوى من أي شيء    تزوجت 5 مرات وتعاني من مرض مناعي نادر.. 17 معلومة عن الإعلامية منى عراقي    زوجة محمد محمود عبدالعزيز تعاني من نزيف داخلي.. 6 أسباب تعرض الحوامل لخطر «الولادة المتعسرة»    مقعد آل كينيدي!    تعريفات ترامب الجمركية أدوات لتحقيق أهداف سياسية    كيف يساعد عسل النحل في علاج الكحة والسعال؟    «عدد كتب الغيب 3».. خالد الجندي: الله قد يغير في اللوح المحفوظ    أمين الفتوى: صلاة المرأة بملابس البيت صحيحة بشرط    دار الإفتاء توضح ما حكم المشاركة في تجهيز ودفن الميت الذي لا مال له؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    رئيس جامعة الأزهر : من لم يعرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم فقد انتفى عنه العلم كله وصار في زمرة الجهلاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الاهالي" تعيد نشر رابطة صناع الطغاة بقلم صلاح عيسى
نشر في الأهالي يوم 05 - 11 - 2013

كتب «صلاح عيسي» هذه اليوميات في العدد 82 من «الأهالي» بتاريخ 4 مايو 1983 وكان الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك قد وصل إلي السلطة قبل أقل من عامين بعد اغتيال الرئيس الأسبق «السادات» في السادس من أكتوبر 1981 وأخذ «صلاح» يدق جرس إنذار محذرا من «الجوقة» التي أخذت تطبل وتذمر للزعيم وتحول الزعيم عندهم إلي وطن وأصبح الوطن هو الزعيم.. ثم كان ما كان. أيضا، فإن تطوع إدارتي قناتي «أون – تي – في» و«سي. بي.سي» بمنع ريم ماجد من الظهور، ومنع الحلقة الأخيرة لبرنامج «البرنامج» لباسم يوسف، يساهم في صناعة الطغاة، بقصدر ودون قصد. إقرأوا هذه اليوميات التي نعيد نشرها حتي لا يعيد التاريخ نفسه وإن في ظروف جديدة.
انزعجت بشدة من تلك الحملة المسعورة التي انطلقت ضد محمد حسنين هيكل ويوسف إدريس، وحين أتيح لي وقت أحلل فيه أسباب انزعاجي، اكتشفت أن الطاعنين علي هيكل وإدريس، يبشرون جميعا – ودون استثناء – بالدعوة لتقديس من يحكمون، وتأليه من يترأسون، وعبادة الزعماء والمتزاعمين!
ما أزعجني حقا أن «التهمة» الموجهة لهيكل وإدريس، والتي تشدو بها جوقة من «الكتاب» و«المفكرين» و«رجال الدين» هو أن الرجلين قد تطاولا علي مقام الزعامة وبذلك تطاولا علي مقام الوطن، وأنهما قد هونا من تاريخ الزعيم، فهان – بما قالا – تاريخ الوطن، فالزعيم عندهم هو الوطن، والوطن هو الزعيم!
دفاع عن الوطن
ولست أريد أن أكون مضحكا، فأرد علي هذا العبث ببديهيات قيلت ألف مرة: فمصر ليست السادات أو عبدالناصر، وهي ليست النحاس أو سعد زغلول، والطعن علي هؤلاء جميعا بالحق أو بالباطل، ليس طعنا في الوطن الذي يمتد تاريخه إلي سبعين قرنا سبقتهم، وسيمتد إلي مئات القرون، سيحكم خلالها غيرهم، وهو تاريخ لم يصنعه هؤلاء، ولم يصنعه من سبقوهم، ولن يصنعه من يلحق بهم، بل صنعه عشرات الملايين من المصريين المجهولين، الذين طوعوا النهر في عصر مستنقعات ما قبل التاريخ، وبنو الأهرامات، وشيدوا المعابد، وحاربوا الحيوانات والوحوش وقاوموا الغزاة والطغاة، واقتحموا الخوف والرعب، وابتكروا اللغة واكتشفوا التحنيط، وزخرفوا الأسبلة، وذهبوا الخشب وكفتوا النحاس، وصنعوا حضارة وصفها «أرنولد توينبي» بأنها لم تولد ولم تلد، لم يسبقها مثيل، ولم يتلها شبيه، صمدت في وجه الزمن، وضحي في سبيلها ملايين التهمتهم المجاعات والطواعين، وانهارت عليهم الأتربة وهم يحفرون القنوات، وواجهوا الفيضانات والزوابع، وماتوا في مظاهرات الشوارع وهم يهتفون باسم الوطن، فلم تذكر أحدهم صحيفة، ولم يدافع عن تاريخهم قلم ممن يتشنجون اليوم، لأن «الفرد – الوطن» ناله بعض نقد.
إن أحدا يا سادة لم يشتم الوطن، وشاتموه الحقيقيون هم الذين يختصرون كل تاريخه في حكم حاكم، طال أو قصر، أحسن أو أساء، فلا يجوز لأحد أن يستهين بعقولنا، وأن يستخدم الوطن ستارا للدفاع عن سياسات منحته مناصب، أو لتبرير نفاق بذله بكرم ليرفع مرتباته ومراتبه، أو أن يفرض علينا تقديس ذكري من جاملوه بما لا يستحق فيهين الوطن، حين يصغر في نظره ليصبح هذا الحاكم أو ذاك! وليس يعنيني هنا أن أتحدث عن هيكل وكتابه، ولا يعنيني إدريس ومقالاته، لكن ما يزعجني حقا، هو رابطة صناع الطغاة، ممن يظن الناس أنهم أصحاب فكر ورأي، وهم لا يملكون إلا موهبة واحدة هي القدرة علي تحويل الزعماء والقادة من بشر يمكن مناقشتهم إلي آلهة لا يجوز التفكير في نقدهم، فهم معصومون في الخطأ، ومحصنون – أحياء وأمواتا – ضد الحساب، وما علينا نحن الذين ابتلانا الله بأحكامهم، إلا أن «نطبل» لهم وهم أحياء، ونحرق البخور لذكراهم بعد أن ينتقلوا إلي رحاب الله، وننتقل للتطبيل لخلفائهم، ليتحولوا من بشر يحكمون، إلي آلهة معصومين وبهذا نظل نحن المصريين – بل والعرب – عبيد إحسانات من يحكموننا وأسري قداسة من سقونا المر كئوسا وأباريق!
افعل التفضيل!
وليس عجبا إذن أن فضيحتنا – نحن العرب – قد أصبحت بجلاجل في أربعة أنحاء المعمورة، فنحن ننفرد – دون كل الدول المتحضرة – بتلك المبالغة التي توحي بعدم الصدق في استخدام أفعل التفضيل لوصف مناقب حكامنا، فالزعيم العربي، هو – في رأي رابطة صناع الطغاة – أذكي الناس وأعلمهم وأعدلهم وأكرمهم وأخفهم ظلا، وهو القائد والمفكر والمعلم والملهم، وهو رئيس كل شيء: القوات المسلحة والشرطة والقضاء، وهو نقيب الصحفيين ونقيب الصيادين، ورب العائلة، وحامي حمي أخلاق القرية، وهو فارس الحرب وبطل السلام ورائد التأصيل الفكري وهو الذي صنعنا من العدم و«أعاد» لنا كرامتنا، و«منحنا» العزة والكرامة، ورفع رءوسنا في الخارج، ولولاه ما احترمنا إنسان، ولا اعترفت بنا دولة، والمعني الوحيد لاجتماع كل هذه الصفات في فرد واحد، هو أن نركع ونصلي – والعياذ بالله – له!
وقد كنت – ومازلت – أدهش، لذلك الركام الهائل من المقالات والخطب والأشعار والسياسات الإعلامية، التي وضعها أصحابها، بهدف واحد هو تأليه حكامنا، وإجبارنا، بالإلحاح السمح والمرذول، علي عبادتهم، وتحذيرنا من نقدهم أو التطاول علي مقامهم، وكأننا عبيد أولاد إماء، ورثنا هؤلاء الحكام عن خلفائهم أو عن آبائهم، ولا حق لنا تجاههم، إلا حق تقبيل الأقدام، وتمريغ الوجوه في العتبات! والغريب أن سياساتنا الإعلامية تلك، ككثير من قوانينا الديمقراطية(!!) مقتبسة من أنظمة أدانها التاريخ، وأذكر أنني قرأت مرة لمسئول إعلامي عربي كبير، في رسالة دكتوراة قدمها للجامعة، مدحا شديدا لسياسة جوبلز – وزير الدعاية النازي الشهير – لأنه نجح في أن يقحم الزعيم في حياة كل فرد من أفراد شعبه، بإجبار المواطنين علي رؤية صورة زعيمهم في كل مكان، منذ أن يفتحوا أعينهم في الصباح، إلي أن يغلقوها قبل النوم، فهم يرونها في الصحيفة وفي الشارع وفي الترام وفي المكتب وفي السينما وفي المقهي، وهم يرونها في وضع في الصورة يتناسب مع الظرف السياسي، فحين تكون هناك قلاقل أو اضطرابات تكون صورة الزعيم قاسية الملامح، زاجرة النظرات، توحي بالقوة والبطش، وحين يكون الأمر هزيمة، فهو منكسر النظرات، حنون اللفتات، يدعو للتعاطف والرثاء، وبهذا يتسلل الزعيم إلي دم المواطن، ويصبح جزءا من نسيجه النفسي الداخلي، لا يفكر الإنسان في انتقاده أو الخروج عليه، ولو بينه وبين نفسه!
طينة البشر
وما أظن أن بلدا متحضرا في العالم قد ألف في زعمائه، كل ذلك الكم الهائل من الأغنيات التي تتغزل في صفاتهم النبيلة، التي تجعلهم يبدون وكأنهم خلقوا من طينة أخري غير طينة البشر، والغريب أن كلمات أغنيات الغزل نفسها كلها متشابهة، فإذا رفعت اسم هذا الزعيم أو ذاك، من مطلع الأغنية، وجدت نفس المعاني، بل ربما نفس الكلمات، فالزعيم شجاع وحكيم وبار وابن لشعبه، وصانع للتاريخ، والشعب بدونه لا يستطيع شيئا، فهو – الشعب رهن إشارته، لو أمره أن يخبط رأسه في الحائط لخبطها ولو سار لمشي خلفه إلي الجحيم، وهي أغنيات تذاع بإلحاح سمج، يدفع الناس عادة لإغلاق الراديو ليرحموا أنفسهم من صوت المطرب المنافق، أو إغلاق التليفزيون ليرحموا أنفسهم من وجه الزعيم البهي!
وهذه السياسة الإعلامية المبتذلة، هي المسئولة عن عدم اهتمام العرب عموما بالبرامج الإخبارية في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية، فهذه البرامج لا تقدم – عادة – للناس أنباء الوطن وأخبار الدنيا، ولكن تقدم لهم الزعماء الآلهة، فكل ما يفعله الزعيم – تافها كان أو ذا قيمة – مقدم علي غيره من الأنباء مهما كانت أهميتها، وغالبا ما تلتهم مقابلات الزعيم وخطبه وتصريحاته، كل الوقت المخصص لأخبار الدنيا، فكل خطب الزعيم مهمة، وكل أحاديثه خطيرة، وكل أقواله تاريخية، وحين يتحدث تتوقف الدنيا لسماعه، فمادام أمامه ميكروفون إذاعة فمن حقه أن يقول: العالم كله سامعني دلوقتي حتي نصف الكرة الغربي النائم، وسكان خط الاستواء الذين لا يعنيهم الأمر، وسكان مالطة الذين ضرب المثل بالآذان فيهم، لأنهم ليسوا مسلمين ليهمهم الأذان، وليسوا عربا ليفهموا معناه! وهذا ما تقوله عادة وتكرره صحف اليوم التي تنشر تصريحات كاملة، أما الإذاعة والتليفزيون فيحرصان علي التنكيد علي المواطنين بتكرار إذاعة الخطاب، الذي لا يتضمن في الأغلب الأعم شيئا جديدا، وتفرضه علي الناس فتذيعه علي كل القنوات، فلا تترك لهم خيارا إلا سماعه أو إغلاق الإذاعة!
وصحفنا العربية – دون كل صحف العالم – هي الصحف الوحيدة التي تنشر صور حكامنا بكل تلك الغزارة، وبشكل شبه يومي، وسواء كان الخبر مهما أو تافها، يخص الزعيم أو يخص أسرته وحاشيته وحواشيه، يتعلق بمصالح الناس، أو يتعلق فقط بذلك التسابق المخيف بين الصحف والصحفيين العرب، لإثبات ولائهم، وأحقيتهم بكراسيهم، بإغراقنا بصور الزعماء العرب، وهم ليسوا بالضرورة، نموذجا للجمال.
رابطة صناع الطغاة
والمسئولية عن هذا العبث كله ليست مسئولية الحاكم وحده ولكنها مسئولية رابطة صناع الطغاة، وهي رابطة أثبت التاريخ أن المنضمين إليها لا يخلصون لشيء، ولا يهمهم إلا التقرب من الزعيم والتزلف إليه والحصول علي مكاسب من هذا وذاك لكن صرخاتهم المنافقة لا تذهب في واد وطبولهم المتزلفة لا تضيع في فلوات فما أصعب أن يقاوم الحاكم مهما كان متواضعا ومتجردا ومدركا لأهداف المنافقين – مدح الذين يمدحونه وهكذا ينتهي الأمر بأن يصدق فعلا أنه زعيم منزه عن الخطأ، وأنه حكيم ومثقف وذكي ومخلص. ولا يجوز لأحد أن يلومه إذا ما اتخذ أخطر القرارات دون أن يستشير أحدا، يكفي أنه اتخذ القرار علي مسئوليته التاريخية، لأنه ليس مسئولا أمامنا نحن الشعب، بل أمام التاريخ، وحين يقارن تطبيل المطبلين بنقد الحاقدين ينحاز تلقائيا لمن مدحوه، ويعتبر الآخرين شرذمة من الحاقدين، ويظل حماسه للمطبلين يتصاعد، وضيقه بالناقدين يستحكم، حتي يجد نفسه وحيدا علي القمة، أسير وهم الذين أوهموه بقداسته، وحرضوه علي ألا يستمع لرأي آخر، أو يقبل ما هو دون التقديس!
بشر وقياصرة
ورابطة صناع الطغاة، هي المسئولة عن تحول كثير من الحكام من بشر متواضعين إلي قياصرة متجبرين، فالذين عرفوا أنور السادات قبل أن يصبح رئيسا، يقولون إنه كان إنسانا متواضعا، بسيطا في تعامله مع الآخرين، قابلا للحوار وللخلاف، وأحيانا للعدول عن بعض آرائه.
ولا شك أن ظروفا معقدة، ساهمت في تحويل هذا الرجل البسيط إلي الصورة المخيفة التي شهدناها في أواخر حكمه، كان علي رأسها إنجازات الكهنة من صناع الطغاة، ولقد ذهلت فعلا حين قال لي بعض من عرفوه في تلك المرحلة، إنه كان يصدق أن 99% من الناس معه، وأن استفتاءات «النبوي» ليست مزورة، وأن العبد والرب وريجان وبيجين راضون عنه.
وليس غريبا إذن، أن رابطة صناع الطغاة، هي الرابطة القومية الوحيدة التي تدل الآن علي أننا أمة عربية واحدة فالعرب الآن لا يجمعهم شيء، إلا أن في كل بلد من بلادهم جوقة من المطبلين والمزمرين وشعراء السلاطين، مهمتهم هي تحريض الحكام علي أن يحكمونا بالجلادين وبالسياط وبقطع الألسنة وقطع الأرزاق، والاستئساد علينا، والجري كالأرانب أمام أعدائنا.. وأخطر ما يفعله المروجون لفكرة تقديس الزعامة، هو أن تلك القداسة ما تلبث أن تتجاوز الزعيم، لتشمل أعوانه، وأعضاء الحلقة الضيقة التي تشاركه الحكم، ثم تنتقل من هؤلاء إلي أتباعهم ومديري مكاتبهم وحاشيتهم وحواشيهم فيتحول كل مسئول مهما قلت مرتبته في سلك المسئولين إلي ديكتاتور صغير، يرفض أن يناقشه أحد، ويتعالي علي أن ينقده ناقد، ويغضب علي الذين لا يطبلون لعبقريته، وبهذا يقرب الأسافل ويرفع الأراذل، ويضيع في زحام المنافقين، المخلصون حقا للوطن، والحريصون علي مصالحه، والمهمومون بهمومه!
مثقفون ولكن
الشيء المفجع في هذا كله، إن رابطة صناع الطغاة، تضم بين صفوفها، أحيانا، مفكرين وأصحاب رأي وأصحاب مواقف، لا أحد يدري الظروف التي تقودهم إلي تلك المواقف التي تزري بهم وبتاريخهم، وأي ضعف بشري يهبط بهم إلي مستنقع الدعوة لتقديس ما لا يقدس، فيتحول الشعب والوطن والتاريخ إلي شخص، مهما كان ما أنجزه، فهو ليس أكثر من إنسان يخطئ، ويصيب، لم يتول أمورنا بتفويض من الله عز وجل، لكي يكون معصوما من الخطأ ومن الحساب ولكنه تولاها – من الناحية الشكلية علي الأقل – بإرادة الشعب، فهو مسئول أمام كل فرد فيه، ومن حق كل فرد فيه أن يسائله، وليس من حق حارقي البخور، ودقاقي الطبول أن يفرضوا علينا الصمت علي ما فعل!
ربما كان السبب في هذا، هو أن معظم المثقفين في وطننا العربي ينتمون اجتماعيا، لنفس الفئات التي تحكم وتتحكم ويعيشون في كواليسها أكثر مما يعيشون مع الشعب وللشعب ويثرون من عطاياهم، ويتشربون مع الزمن رؤاها، ويجدون المبرر الفكري الذي يغطون به أنفسهم أمام أنفسهم وأمام الناس، بسهولة وربما لهذا، صرخ الشاعر نجيب سرور، قبل أن يموت بقليل في وجه المثقفين العرب: أيها المثقفون كفوا عن هذا الضعف الذي يكاد يكون انثويا تجاه السلطة.. كل سلطة.. وصرخ نزار قباني في وجه السادات: أنا لا أريد لشعري أن يكون طبلة في مواكب السلاطين!
الجانب الآخر
جانب آخر من المأساة، يضعه الكهنة من صناع الطغاة، فهم لا يفسدون الحكام فقط، بل يفسدون الناس أنفسهم بما يروجونه من أفكار، فما أكثر الذين يروننا حمقي لأننا نعارض، وما أكثر الذين ينصحوننا أن نؤيد فهذا أريح لأشخاصنا، وما أكثر الذين لا يصدقوننا، لأنهم تشربوا دون أن يدروا صورة الزعيم الإله، وما أكثر الذين يتأسون بحكامنا ويقتدون بهم، فيرفضون أي نقد ويضيقون بأي اختلاف ويتحولون إلي طغاة صغار، يزحمون البيوت والمكاتب والدكاكين!
ما يدهشني حقا، حين أراجع هذا الركام من الأغاني والمقالات والأشعار والكتب التي تقدس زعامات الأمة، وتنسب إليها كل ما هو شجاعة وحكمة وفكر وفلسفة وإخلاص، هو: أين أثر هؤلاء الزعماء المقدسين، والأمة كلها، في حال من التدهور لم يسبق له مثيل؟، وكيف كان حالنا سيكون، إذا لم يهبنا الله هؤلاء العباقرة الذين هم منبع العلوم والفضائل والحكمة والشجاعة، ومثال الوطنية والعدل والتجرد، الديمقراطيون أبناء الديمقراطيين من سلالة الخواجة ديمقراط، الذين لا يريد لنا البعض أن نمسهم بكلمة، أو أن نتعرض لتاريخهم بنقد؟
فهل ترفع رابطة صناع الطغاة أقلامها عنا؟، هل تتواري خجلا مما صنعه الطغاة بالأمة، ومما شجعوهم علي صنعه بها؟ هل تتعامل معنا باعتبارنا بشرا من حقهم أن يختاروا حكامهم وأن يسائلوهم، أم تظل تبشر بالحاكم المعصوم، رب السيف والقلم ومنبع الحكمة والفضائل ومؤسس الوطن ومبتكر الأفكار ومبدع الفلسفات.. فلا يبقي لنا من كهانتهم سوي أن ننحني فنقبل أقدام «الرسل» الذين يحكمون الأمة؟!، اعترافا بجميلهم عليها، وتقديره للهوان الذي قادونا إليه؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.