ابتدع الرئيس الأمريكي باراك اوباما طريقة جديدة في التخاطب مع العالم بشان المشكلات العالمية التي تهم أمريكا. قسم خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة الي قسمين متساويين تقريبا. احد القسمين يعد بسلوك أمريكي يهتم بالسلام العالمي في معالجة المشكلات. وأما القسم الثاني فانه استخدم فيه اسلوب التهديد والوعيد باستخدام قوة أمريكا الضاربة ضد من يتحداها او يقف في طريق معالجتها للمشكلات العالمية بما يتفق مع مصالحها. فعل اوباما هذا بشان مصر. فحاول تصحيح الموقف الأمريكي من وضع مصر الراهن بان قال ان محمد مرسي الرئيس المعزول انتخب ديمقراطيا، ولكن اوباما لم يلبث ان أضاف ان محمد مرسي انما فشل بعد انتخابه في ممارسة الحكم. الامر الذي ادي الي خروج الملايين من المصريين للاطاحة به وبنظامه. وأضاف ان أمريكا تنحاز لارادة المصريين وتطلعاتهم لبناء دولة ديمقراطية …لكنه لم يلبث ان اضاف ان الولاياتالمتحدة جاهزة للتدخل عسكريا لضمان مصالحها الحيوية وحماية حلفائها في المنطقة. ويعرف القاصي والداني بامور السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط انه عندما يتحدث رئيس أمريكي او اي مسئول علي اي مستوي عن حلفاء أمريكا في الشرق الاوسط فانه يعني تحديدا وحصريا اسرائيل. الفراغ .. مرة أخري لقد أعلن اوباما امام الاممالمتحدة بالذات ان الولاياتالمتحدة ملتزمة بدعم دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا لمساعدتها علي الخروج من الازمات الداخلية التي تلم بها. ولكنه اضاف محذرا من فراغ قيادي ستعانيه المنطقة الشرق اوسطية اذا امتنعت الولاياتالمتحدة عن القيام بهذا الدور. "ان مصلحة الولاياتالمتحدة في وجود شرق اوسط مزدهر وديمقراطي يسوده السلام امر لا يمكن تحقيقه بالقوة". ولكن الرئيس الأمريكي سار علي هذين الخطين المتعارضين – ولا نقول المتوازيين بشان المشكلة الايرانية قائلا ان الدبلوماسية الأمريكية ستركز في المرحلة المقبلة علي الملف النووي الايراني وعلي الصراع العربي-الاسرائيلي. وأضاف ان الادارة الأمريكية ستسعي الي انجاز المسار الدبلوماسي في حل ازمة الملف النووي الايراني، وانه وجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للعمل مع الدول الاوروبية لانجاح هذا المسار. لكن اوباما لم يلبث ان غير لهجته السلمية ليقول "نحن مصرون علي منع ايران من امتلاك سلاح نووي … ان الولاياتالمتحدة جاهزة لاستخدام كل خياراتها بما فيها القوة العسكرية لضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وحماية حلفائها". والجدير بالذكر ازاء هذه اللغة الرئاسية الأمريكية انه لا يمكن تفسير هذا الازدواج في الاتجاه ونقيضه بانه نتيجة طبيعية او مقصودة بعد انتخاب رئيس ايراني جديد هو حسن روحاني، وما أعلنه روحاني -امام الجمعية العامة ايضا – من ان ايران لا تشكل ابدا تهديدا للعالم او منطقتها وان بلاده مستعدة للتوصل الي حل سلمي تطمئن فيه الولاياتالمتحدة الي ان ايران انما تريد اكتساب القوة النووية السلمية وانها لا تسعي الي امتلاك قوة نووية عسكرية. فلقد سبق ان اعلن رئيس ايران السابق احمدي نجاد هذه المعاني بالتعبيرات نفسها مع كل مرة اتجهت فيها ايران ودول الغرب الي مائدة المفاوضات لمعالجة المشكلة. بل ان الرئيس السابق لايران ردد هذه العبارات عشرات المرات خلال السنوات التي قضاها في الرئاسة. وكان في كل مرة يواجه برفض أمريكي-اسرائيلي لا يلين. إيران القديمة – الجديدة اما الرئيس اوباما فقد أظهر استعدادا للتعامل مع ايران وكانها مستعمرة أمريكية. او علي الاقل كان يتحدث عن ايران وكانها لا تزال تحت حكم الشاه، وهذا امر مستحيل بكل المعاني ومهما كانت الظروف. ان رغبة أمريكا في التعامل مع ايران علي انها ايران القديمة التي كانت تخضع لسيطرة الولاياتالمتحدة تتضح بجلاء في كلمات اوباما ولكنها لا تعكس الواقع الحقيقي وهو ان الثورة الايرانية حكمت بلادها تحت ضغط أمريكي متواصل منذ اربعة وثلاثين عاما، ولكنها تمكنت من الحفاظ علي استقلالها وحريتها وحرية قراراتها الوطنية وبخاصة القرار المتعلق بحتمية اكتساب القدرة العلمية النووية. ان الضغط الأمريكي علي ايران لم يخمد في اي وقت منذ بداية الثورة الايرانية حتي الان. ولكن الولاياتالمتحدة لم تستطع ان تكتسب خبرة من هذا التحدي. وربما كان الاختلاف الوحيد بين خطابات روحاني وخطابات نجاد هو ان الاول حرص علي ان يدين "الهولوكوست" بينما نجاد لم يعترف بوقوعه. ومع ذلك حرصت اسرائيل – علي لسان نيتانياهو- ان تقول ان خطاب روحاني "تهكمي ومخادع". ولكن الامر المؤكد – بالاضافة الي هذا كله – ان ايران لم تضعف تحت الضغط الأمريكي. والاهم من هذا ان ايران لم تنعزل في المنطقة ولا حتي بالنسبة لبلدان الخليج التي حرصت ونجحت الي حد بعيد في كسب علاقات سوية مع ايرانوالولاياتالمتحدة في وقت واحد. ولقد حاولت الولاياتالمتحدة جهدها خلال هذه السنوات الطويلة منذ الثورة الايرانية ان تؤجج العداء من جانب بلدان الخليج العربية من ناحية وايران من الناحية الاخري. ولكن السلام ظل قائما علي الرغم من الارادة الأمريكية. وتربط بلدان الخليج علاقات تجارية بايران يمكن وصفها بانها أكثر من طبيعية لان هذه رغبة سكان الطرفين وفائدة الجميع. فاذا ما تساءلنا اذا كانت الولاياتالمتحدة ترغب فعلا في علاقات سوية بايران مع بقاء نظام الدولة الاسلامية قائما فان الاجابة عن هذا السؤال تبدو اوضح ما تكون في لهجة اسرائيل الرافضة لوجود هذا النظام من الاساس. ويبدو ان اسرائيل لا تزال غارقة في وهم امكان الحصول علي البترول الايراني باسعار مخفضة لا تحصل عليها اي دولة اخري علي النحو الذي كان سائدا ايام حكم الشاه(…) كذلك فإن الموقف الذي ستتخذه مصر من ايران ومن الازمة السورية سيكون له تأثير كبير علي تطورات المنطقة. وتشير الدلائل الي ان مصر تعي ذلك سواء في جانب حكومتها او في جانب جماهيرها.. وسيجيء الوقت الذي تثبت فيه مصر ان دورها في الشرق الاوسط لا غني عنه لمصر ولا للشرق الاوسط.