يحاول الحزب الليبرالي المشارك في الائتلاف الحكومي البريطاني ، الاحتفاظ برؤيته السياسية ومقاومة الاندماج مع سياسات المحافظين ، الحزب المشارك الاكبر في التشكيل الحكومي الراهن. والنقطة الخلافية التي تتسع ترتبط بالعلاقة مع أوروبا في ظل تيارات محافظة تضغط علي رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لتمهيد الاجراءات القانونية والتشريعية في البرلمان لضبط ايقاع الاستفتاء المنتظر اجراؤه في عام 2017 لتحديد ، إما البقاء داخل الاتحاد الاوروبي أو الخروج منه . يقول فينسينت كيبل وزير الاعمال في الحكومة الائتلافية ، ان مجرد طرح هذا الاستفتاء والحديث عنه يؤثر علي سعي بريطانيا للحصول علي مساحات من الاستثمار وتنمية علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي وتحريك المسيرة لتحقيق المزيد من الازدهار للقارة كلها . وقد انضمت « كرواتيا » إلي الاتحاد الاوروبي الذي أصبح حجم عضويته 28 دولة . ودخول هذا الوافد الكرواتي إلي منظومة الاتحاد يعكس خطوة مهمة للغاية في استقطاب دولة من داخل البلقان الذي تعرض لاضطراب شديد ، وهي الآن تحصل علي عضوية النادي الاوروبي الموحد والانضمام إلي تنمية واستقرار تحقق خطوات مهمة . يمثل الاتحاد الاوروبي المنظومة التي استطاعت بثقة وثبات السعي نحو استقطاب دول أوروبا الشرقية وضمها لهذه المسيرة . كانت هذه الدول محتجبة خلف الستار الحديدي الذي انهار ، غير أنها عجزت عن اللحاق بقطار التنمية الذي شهدته دول اوروبا الغربية ، نتيجة انفتاح نظامها الاقتصادي وتنوع أطرها السياسية المعانقة للديمقراطية والمشجعة علي الحوار وتأكيد حريات المواطنين . نجاح الاتحاد الاوروبي في استقطاب دول أوروبا الشرقية يعكس القدرة علي النمو واستقطاب اعضاء جدد ، ويتجه الاتحاد إلي دول البلقان ويرحب بكرواتيا ، ولديه علي قوائم الانتظار« صربيا » وعدة دول بلقانية أخري مثل « ألبانيا » وما شهدته هذه المنطقة من تناحر وصراع اعاد شبح العنصرية والنازية والنيران الطائفية مرة أخري إلي الساحة الاوروبية . ألمانيا محركا دخول « كرواتيا » يؤكد أن المشروع الاوروبي ينجح في مسارات الدفع إلي الامام ، تقف خلف هذه المعادلة « ألمانيا » بكل زخم المستشارة أنجيلا ميركل التي تقود معركة انقاذ « اليورو » وواجهت العواصف الضارية التي حاولت تفكيك الاتحاد في ظل الازمة الاقتصادية والتي انهكت « اليونان » وطرحت الاسئلة الصعبة حول اسبانيا وجمهورية أيرلندا والبرتغال . لكن يمكن القول أن الاتحاد الاوروبي يتعافي والدليل دخول « كرواتيا » إليه وحصولها علي العضوية ، ومن قبل دخلت « رومانيا » مع بلغاريا وهما من الدول الاكثر فقراً ونمواً داخل المجموعة ، غير أن الاتحاد القوي يسعي لمد يد العون إليهما ويدمجهما في الاتحاد . وقد طرحت المانيا عرضا سخياً لتمويل مشروعات داخل الاتحاد الاوروبي للتعاطي مع مشكلة العاطلين عن العمل من شباب وتحريك هذا الوضع إلي ساحة افضل . وتعمل ألمانيا علي بقاء بريطانيا داخل الاتحاد ، فإذا كانت تلك المنظومة تتجه نحو دول البلقان لدعوتها للحصول علي العضوية ، فليس من المنطق السياسي ترك لندن تنزلق بعيداً عن مسيرة المجموعة نتيجة ضغط أجنحة محافظة تعمل علي طرح رؤيتها وابعاد لندن عن هذا الاتحاد . وتركيا لاحقا وقد اشار داني ألكسندر وزير شئون الخزانة وهو سياسي محافظ إلي ضرورة بقاء بلاده ضمن الاتحاد الاوروبي حيث إن عضويتها داخل المنظومة تسمح للاقتصاد بالنمو والقوة والتأثير . وطبيعي أن تبقي بريطانيا في ظل هذا التوسع الذي يتجه نحو « البلقان » وقد يضم « تركيا » في المستقبل . وليس من الطبيعي في ظل هذه الظروف وفقاً لآراء محافظين معتدلين ترك هذه المنظمة والبقاء خارجها نتيجة لأسباب داخلية محضة وللضغوط التي تطرحها الساحة السياسية لصعود حزب الاستقلال . اشار داني ألكسندر أن حزب الاستقلال وصعوده القوي في الانتخابات المحلية الاخيرة ، هو الذي دفع بمطلب الاستفتاء ، الذي تبناه ديفيد كاميرون في محاولة لامتصاص الغضب داخل حزبه . وتجري الآن محاولات في البرلمان لترتيب الساحة القانونية والتشريعية للدعوة إلي هذا الاستفتاء في عام 2017 . لكن لا يوجد الحماس لدي انصار الحزب الليبرالي الديمقراطي المشارك في الائتلاف ، كما أن حزب العمال المعارض لا يسعي بدوره لدفع هذا التشريع ، بينما طلب ديفيد كاميرون خلال زيارته لباكستان وأفغانستان من الحزب الليبرالي الاتفاق والتوافق علي مساندة هذا الاستفتاء . مقاومة للانسحاب وقد اشار نيك كليج زعيم الحزب الليبرالي أن الائتلاف يعمل وان كانت هناك خلافات يمكن التحاور بشانها ، لكن قواعد الحزب الليبرالي مصممة علي البقاء في أوروبا ومواجهة الضغوط للخروج من هذا الاتحاد ، لأن تلك الخطوة إذا تمت تضر بالاقتصاد البريطاني نفسه وبمكانة بريطانيا ودورها الفعال في قلب الاتحاد الاوروبي وهي ليست معزولة عنه . وقد خف الضغط نسبياً علي ملف أوروبا ، مع بداية تحسن اقتصادي بريطاني وانحسار أزمات الاتحاد الاوروبي مع ظهور علامات تعافي واضحة تشكل بداية جديدة داخل منظومة حيوية تتحرك وتنمو . ظلت بريطانيا تخوض الحروب مع أوروبا ومن أجلها ، وكان الانتصار في الحرب الباردة وتفكك الكتلة الشرقية بداية عودة الالتئام بعد انهيار الكتلة المنافسة ، وفي ظل توحد المانياالشرقية مع الاخري الغربية وتلاشي حائط برلين الذي كان يقسم أوروبا بين شرق اشتراكي وغرب رأسمالي. وقد لعبت « ألمانيا » دوراً في عودة الالتئام ، وهي الدولة التي قادت من قبل الانقسام والحروب خلال الحربين العالميتين الاولي والثانية . وتؤكد « برلين » الآن انها عمق وحيوية الاتحاد الاوروبي وتبذل جهداً في اقناع البريطانيين بالبقاء داخل الاتحاد وازاحة الافكار التي تدعو للخروج منه . كان طرح الاستفتاء لتحديد موقف بريطانيا من الاتحاد الاوروبي خطوة رد فعل نتيجة صعود حزب الاستقلال خلال الانتخابات المحلية الاخيرة ونمو نفوذه . وهذا الحزب يدعو إلي خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي تماماً . وقد بدأت نسبياً انحسار هذه الموجة وعاد البريطانيون للنظر بواقعية في حسابات المكسب والخسارة . والآن تخرج من داخل حزب المحافظين نفسه دعوات للابقاء علي لندن قوية وفاعلة داخل أوروبا وفي قلب اتحادها ، لان ذلك يحقق مصلحة وطنية ، بعكس التيار الاخر الذي يطالب بانفصال وطلاق وخروج من بيت الزواج الاوروبي.