رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    «السلع التموينية» تتعاقد على شراء 420 ألف طن قمح روسي وروماني    السعودية تحذر من الدخول لهذه الأماكن بدون تصريح    برلمانى: التحالف الوطنى نجح فى وضع أموال التبرعات فى المكان الصحيح    نادر نسيم: مصر حاضرة في المشهد الفلسطيني بقوة وجهودها متواصلة لوقف إطلاق النار    حزب الغد: نؤيد الموقف الرسمى للدولة الفلسطينية الداعم للقضية الفلسطينية    180 ثانية تكفي الملكي| ريال مدريد إلى نهائي دوري الأبطال بريمونتادا مثيرة على البايرن    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد عيد الأضحى المبارك 1445    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    الرئيس الكازاخستاني: الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يمكنه توفير الغذاء لنحو 600 مليون شخص    رئيس«كفر الشيخ» يستقبل لجنة تعيين أعضاء تدريس الإيطالية بكلية الألسن    مواصفات سيارة تويوتا كامري ال اي ستاندر 2024    عزت إبراهيم: اقتحام إسرائيل لرفح الفلسطينية ليس بسبب استهداف معبر كرم أبو سالم    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    أيهما أفضل حج الفريضة أم رعاية الأم المريضة؟.. «الإفتاء» توضح    متحدث الصحة: لم ترد إلينا معلومات حول سحب لقاح أسترازينيكا من الأسواق العالمية    كوارث خلفتها الأمطار الغزيرة بكينيا ووفاة 238 شخصا في أسبوعين.. ماذا حدث؟    مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يكشف عن توصيات منتدى «اسمع واتكلم»    «لا نعرف شيئًا عنها».. أول رد من «تكوين» على «زجاجة البيرة» في مؤتمرها التأسيسي    سلمى الشماع: مهرجان بردية للسينما الومضة يحمل اسم عاطف الطيب    موعد وعدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024    وزير التعليم يُناقش رسالة ماجستير عن المواطنة الرقمية في جامعة الزقازيق - صور    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    عام المليار جنيه.. مكافآت كأس العالم للأندية تحفز الأهلي في 2025    «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    توت عنخ آمون يتوج ب كأس مصر للسيدات    «اسمع واتكلم».. المحاضرون بمنتدى الأزهر يحذرون الشباب من الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي    حسن الرداد يكشف عن انجازات مسيرته الفنية    «فلسطين» تثني على اعتراف جزر البهاما بها كدولة    .. ومن الحب ما قتل| يطعن خطيبته ويلقى بنفسه من الرابع فى أسيوط    محافظ أسوان: مشروع متكامل للصرف الصحي ب«عزبة الفرن» بتكلفة 30 مليون جنيه    السنباطى رئيسًا ل «القومى للطفولة» وهيام كمال نائبًا    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد مستشفى الصدر والحميات بالزقازيق    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    «تويوتا» تخفض توقعات أرباحها خلال العام المالي الحالي    كريستيانو رونالدو يأمر بضم نجم مانشستر يونايتد لصفوف النصر.. والهلال يترقب    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    المشدد 10 سنوات لطالبين بتهمة سرقة مبلغ مالي من شخص بالإكراه في القليوبية    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    عامود إنارة ينهي حياة ميكانيكي أمام ورشته بمنطقة البدرشين    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الأرصاد تعلن تفاصيل حالة الجو اليوم.. فيديو    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتيكان 2 وإصلاح الأديان التوحيدية:حتي تتگيف مع حقائق العالم الذي تعيش فيه
نشر في الأهالي يوم 25 - 12 - 2012


بالانتقال من الحاكمية الإلهية إلي الحاكمية البشرية
بقلم : العفيف الأخضر
إن مواثيق حقوق الإنسان غير قابلة للتفاوض لأن تنقيص حق واحد منها يجعل الإنسان أقل إنسانية.
الحلم ليس ممنوعا فدعني أحلم بمؤتمر إسلامي عالمي يعقده فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لينجز في الإسلام ما أنجزه فاتيكان 2 في المسيحية وليجد اقتراع أردوغان من «ضرورة مصالحة الإسلام مع الحرية والعلمانية والديموقراطية».
أعلن فاتيكان 2 أن الخلاص الروحي مضمون لجميع البشرية من آمن منهم بالله ومن لم يؤمن، تماما كما فعل كبار متصوفة الإسلام مثل الحلاج وابن عربي.
بعد قرن من انعقاد مجمع فاتيكان 1،بدعوة من البابا بيوس 9 في 1869 – 70، لتأكيد عصمة البابا،انعقد فاتيكان 2 (1962 65)، لا ليعلن موت العصمة ،وموت النرجسية الدينية وموت الحقيقة المطلقة الملازمة لهما،بل أيضا ليدشن إعادة تأسيس الديانة الكاثوليكية، وعبرها إعادة تأسيس المسيحية كلها، وتاليا إعادة تأسيس اليهودية والإسلام أيضا بالانتقال من باراديجم حاكمية العقل الإلهي، الذي ساد طوال القرون الوسطي، إلي باراديجم حاكمية العقل البشري الذي دشن نفسه مع ظهور الفلسفة الإنسانية وفلسفة الأنوار.
كلمة السر التي استخدمها البابا جان 23 هي الاجيورنمانتو «تكييف الدين مع حقائق العالم الذي يعيش فيه»،أي مع”الحرية والعلمانية والديمقراطية،”كما صاغ أوردجان هذا الأجيورنمانتو الخاص بالإسلام،عندما اقترح ذلك علي الإخوان المسلمين والنهضة، خلال زيارتيه لمصر و تونس في 2011. وللأسف،وكما كان متوقعا من قادة أقصي اليمين الإسلامي ، رفضاها !
شارك 2540 مسئولا دينيا، فضلا عن 40 ملاحظا ممثلين لجميع الكنائس غير الكاثوليكية،في المجمع الفاتيكاني الثاني.. في دورة المجمع الأولي، التي دامت أكثر من شهرين،تواجه اتجاهان اتجاه واتجاه مضاد كما في جميع الأحداث التاريخية الكبري محافظ ومجدد.انتصر هذا الأخير في الدورة المجمعية الثانية (1965).
غداة انتهاء فاتيكان 2، أعلن زعيم المحافظين الفرنسي مون سنيور لوفيفر ،تأسيس كنيسة منشقة:”كنيسة التراث”هي اليوم باتجاه التفكك وعودة غالبيتها إلي الفاتيكان.
الخلاصات التي توصل إليها فاتيكان 2 نالت استحسان ممثلي الديانة الأرثوذكسية والكنيسة الانجليكانية والديانة اليهودية.تجلي ذلك في برقيات التهاني التي تلقاها البابا بولس 6 من كبير رباني إسرائيل وبابا الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية ورئيس الكنيسة الأنجليكانية.لكن يبدو أن شيخ الأزهر كان في عداد الغائبين !.
يتضح من قرارات المجمع أن غالبية المطارنة الذين تناقشوا طوال 4 سنوات قد تشبعت بقيم الفلسفة الإنسانية وفلسفة الأنوار، التي جسدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، فأعادوا تأسيس دينهم علي هداها إلي درجة أن أحد الكرادلة وصف فاتيكان 2 بأنه “ثورة 89«في الكنيسة»”.ومعروف أن هيجل قال عن 89 بأنها”ثورة الفلسفة”أي فلسفة الأنوار العقلانية.ومعروف أيضا أن الفاتيكان حارب هذه الثورة ثم عاداها إلي تاريخ انعقاد فاتيكان 2.
الحلم ليس ممنوعا، فدعني أحلم بمؤتمر إسلامي عالمي يعقده فضيلة شيخ الأزهر، د. أحمد الطيب، لينجز في الإسلام ما أنجزه فاتيكان 2 في المسيحية، وليجسد اقتراح أوردجان:”ضرورة مصالحة الإسلام مع الحرية و العلمانية والديمقراطية”.وأتمني أن يشكل منذ الآن لجنة من الاخصائيين، من جميع الطوائف الإسلامية، لدراسة وثائق فاتيكان 2 (2000 صفحة) للاستعانة بها في مؤتمره المأمول، وأن يدعو إليه ممثلي اليهودية و المسيحية في أرض الإسلام كمشاركين وممثلي اليهودية والمسيحية في العالم كملاحظين،.تجديدا وإعادة تأسيس في الوقت نفسه لحوار الأديان في بغداد وقرطبة الزاهرتين.فالإسلام اليوم محتاج هو أيضا إلي إعادة تأسيس تاريخية تخلصه من معجمه وسلوكه الإحفوريين. يستطيع عندئذ، بإعادة التأسيس هذه، أن يضع نهاية لحربه مع نفسه،الحرب السنية الشيعية نموذجا،وحربه مع العالم،الإرهاب الإسلامي العالمي نموذجا،.وليضع أيضا نهاية لحربه الدامية مع الحداثة:مع مؤسساتها وعلومها وقيمها التي ما فتئ يكفرها بالأصائل والبكور، ويستمطر اللعنات علي دعاتها المسلمين ويحرض علي اغتيالهم بفتاوي التكفير، التي غدت اليوم علامة تجارية مسجلة للإسلام من دون جميع الديانات التوحيدية والوثنية!
تجديد الدين
ما اهم الخلاصات التي انتهي إليها مجمع فاتيكان 2؟
جدد الدين الكاثوليكي كله، من الشعائر إلي العقائد مرورا بالمبادئ الأساسية نفسها التي قامت عليها الكنيسة طوال تاريخها.
في خطاب اختتام المجمع صرح البابا بولس 6:”دين الله الذي تجسد إنسانا«في العصور الوسطي» التقي اليوم مع دين الإنسان الذي تجسد إلها «في الحداثة»”،عبر الاعتراف له بحقوقه الطبيعية التي صادرها منه رجال الدين علي مر العصور.
تأليه الإنسان في الحداثة يعني الانتقال من ثيو سانتريزم «=مركزية اللاهوت»إلي الانثربو سانتريزم «=مركزية الناسوت».
وهذا اعتراف ولا أصرح باعتراف الفاتيكان2 بقيم الحداثة:عبر تبني الفلسفة الإنسانية، التي ألهت الإنسان وجعلته خالقا لأفعاله وأفكاره وقيمه ومؤسساته التي كانت تنسب إلي الله،وبالفلسفة العقلانية التي اعترفت بسيادة العقل علي النقل وبالفكر النقدي الذي تجسد محكمة عقلانية يدعو جميع الإدعاءات الدينية و الدنيوية إلي المثول أمامها لتبرير شرعيتها العقلانية.
مساندة العلمانية
تطبيقا لذلك، صالح المجمع الفاتيكاني الثاني كنيسة بطرس نهائيا،في السيناريو المتفائل،مع الحداثة.قرن بولس 6،ككل رجل دين نزيه يمارس ما يقول ويقول ما يمارس،القول بالفعل:فهو الذي دفع في1967الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية إلي إنهاء معارضتها لعلمانية الدولة ؛بالمثل أوصي في 1973 الكنيسة الكاثوليكية الكولومبية بقبول علمانية الدولة؛والحال أن جميع أسلافه كفروا العلمانية حتي أن الفاتيكان كفر جميع النواب الفرنسيين الكاثوليك الذين صوتوا في البرلمان علي قانون 1905 العلماني وطردهم من حظيرة المسيحية!.
تأكيدا لابتعاد الكنيسة عن التعصب الديني الذي لازمها طوال تاريخها، ومازال، واحسرتاه، ملازما للإسلام إلي اليوم،أعلن فاتيكان 2 أن:”الخلاص الروحي مضمون لجميع البشرية”من آمن منهم بالله ومن لم يؤمن.تماما كما فعل كبار متصوفة الإسلام مثل الحلاج وابن عربي.
ماذا بقي من فاتيكان 2 بعد ربع قرن؟
كل شيء:التخلي عن النرجسية الدينية إلي حوار الأديان،لذلك اعترف ومازال أن العهد الجديد لم ينسخ العهد القديم، كما كان يقول الفاتيكان قبل 1962 ؛ هذا الاعتراف يتفق مع حقائق تاريخ الأديان المقارن القائل بأن المسيحية ا لليهودية، والإسلام امتداد لهما، وهي جميعا امتداد للديانات الوثنية الميتة، وخاصة المصرية والبابلية؛والنخب الكاثوليكية النقدية التي تدرس تاريخ المسيحية ورموزها بعلوم الأديان،وتعلن دون عقد أن مسيح الإيمان ليس مسيح التاريخ.
هذا ما يطمح مشروعي الإصلاحي إلي الوصول إليه في الإسلام الذي مازال دينا عتيقا وعنيفا ومغلقا علي نرجسيته التي تكفر علوم الأديان وحقوق الإنسان والمؤسسات العلمانية والديمقراطية التي جسدتها.!ومازال الإسلام السلفي يعلن أن اليهودية والمسيحية بما هما ديانتان نسخهما الإسلام”الدين الحق” الوحيد، فأصبحتا مجرد شريعتين نسختهما الشريعة الإسلامية.المغزي لا دين علي وجه الأرض إلا “الدين الحق”ولتذهب ديانات 6 مليارات بشر إلي مزبلة التاريخ!.
لا امتلاك للحقيقة
عُمق الإصلاح الفاتيكاني،أي إعادة التأسيس،تشهد به” كنيسة التراث” المنشقة؛ فبماذا اتهم «مون سنيور لوففر» فاتيكان 2؟بالتخلي عن امتلاك الحقيقة،التي حاربت بها الكنيسة العلم والعلماء طوال قرون،أي جميع “حقائق”سفر التكوين،من خلق العالم إلي خلق آدم وحواء مرورا بطوفان نوح وغيرها من”الحقائق”؛تصالحت مع الحداثة والديمقراطية والعلمانية والجمهورية.وهكذا فروما فاتيكان 2 هي في نظر الكنيسة التراثية:”روما الجديدة والحديثة التي قطعت مع روما الخالدة،سيدة الحكمة والحقيقة”!.
لخص مون سنيور دوماليريس،الناطق باسم الكنيسة المنشقة،”جرائم”فاتيكان 2 : مصالحة الحداثة علي حساب التراث،والجمهورية الديمقراطية علي حساب الملكية المطلقة،والدولة العلمانية علي حساب الدولة الكاثوليكية، وحقوق الإنسان علي حساب حقوق الله،والعقل البشري علي حساب العقل الإلهي.أو بعبارته هو:”انتقلت الكنيسة الحداثية إلي عبادة الإنسان الذي تجسد إلها علي حساب عبادة الله الذي تجسد إنسانا”كما قال مستشهدا بخطاب البابا بطرس 6 في ختام المجمع الفاتيكاني الثاني في 8 ديسمبر 1965 ،مضيفا”وهكذا صالحت روما الحداثية عقيدة الإيمان مع الأخطاء الليبرالية”.
تأكيدا لاتهاماته لفاتيكان 2 بالتصالح مع قيم الحداثة يستشهد الناطق باسم الكنيسة التراثية:”بأن البابا الحالي اعترف، عندما كان «كردينال» في 1985 لأحد رجال الدين،بأن : “مشكلة سنوات 1960 كانت امتلاك الكنيسة لأفضل القيم التي نضجت خلال القرنين الماضيين.رغم أن هذه القيم ولدت خارج الكنيسة فبإمكانها أن تجد مكانها،بعد تطهيرها وتصحيحها، في رؤية الكنيسة للعالم”كما قال.
يشير البابا الحالي إلي القرنين 18 و19 .الأول هو قرن ميلاد فلسفة الأنوار،الذي انتصرت فيه قوة الحجة علي قوة النص،والفكر النقدي علي التصديق الديني الساذج؛ وبكلمة انتصر فيه العقل علي النقل.والثاني هو قرن ميلاد الفلسفة الوضعية،الذي انتصرت فيه الحقيقة العلمية التجريبية علي الأحكام المسبقة(=السابقة عن التجربة) الميتافيزيقية.وباختصار انتصر فيه العلم علي الميتافيزيقا.وفي كليهما،انتصر الإنسان الحديث الواثق من نفسه وعقله علي إنسان القرون الوسطي المنهار واللاعقلاني الذي لا يخطو خطوة إلا وهو متوكئ علي فكرة تراثية أو نص ديني:علي فتوي غالباً غبية.مثلاً قادة أقصي اليمين الإسلامي، المقيمين في “دار الحرب”،التي لا تجوز الإقامة فيها لأكثر من 3 أيام لأن صلاة الجمعة لا يجوز أن تقام فيها،إذ أن ركن خطبة الجمعة هو الدعوة إلي الإمام القائم(=الخليفة)،يطلبون لتبرئة ضميرهم فتاوي من أمثال القرضاوي تبيح لهم الإقامة فيها مدة أطول! في كتاب مدرسي سعودي، استشهدت به كالعادة مراراً، نقرأ:”إذا اقمت في دار الكفر للتعلم أو التطبب أو التجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم”!تنفيذاً لوصية شيخ الإسلام،ابن تيمية!
يختتم مون سنيور دومايريس لائحة اتهامه قائلاً:”مافعله المجمع الفاتيكاني الثاني هو مصالحة مستحيلة.ما هي المصالحة الممكنة بين النور والظلام،بين الخير كله والشر كله.التجلي الرمزي لهذه المصالحة هو تبني “الحرية الدينية”كبديل لحقيقة المسيح وحكمه(…).وضع المجمع الفاتيكاني الشخص،وضميره وحريته كبديل لعبادة الله الذي تجسد انسانا.دين الفاتيكان الحداثي هو دين جديد لا علاقة له بالدين الكاثوليكي.ومع هذا الدين الجديد لا نريد أي حل وسط، ، “كما قال. شأن المصابين بالتطرف الديني أو الدنيوي!.النرجسية لا ترضي بأنصاف الحلول،مطلوبها إحدي الحُسنيين: الانتصار أو الانكسار!.
حاكمية العقل
يتضح مما تقدم أن فاتيكان 2 قدم مرجعية صالحة لتوحيد جميع الأديان حول قيم الحداثة وأساسيات حقوق الإنسان:الانتقال من الحاكمية الإلهية إلي حاكمية العقل البشري،التي تتعالي علي الخصوصيات الثقافية دون أن تنفيها.فقط تحصر دور حاكمية العقل البشري في ضبط وقع هذه الخصوصيات علي الذهنيات حتي لا تتصادم مع مواثيق حقوق الإنسان غير القابلة للتفاوض.لماذا؟ لأن تنقيص حق واحد منها يجعل الإنسان أقل إنسانية.
شفاء العصاب والذهان بالأدوية سيقلص التدين العصابي والذهاني المنتشر اليوم، خاصة في أرض الإسلام،علي نطاق واسع بين المؤمنين المواظبين علي أداء الفروض الدينية،وخاصة،بين الراغبين منهم في فرضها علي غيرهم.
بالمثل،انتشار دين حقوق الإنسان العلماني والعالمي قد يضع حدا للعنف الديني،بداية من العقوبات البدنية الشرعية وانتهاء بعادات همجية تعود إلي الديانات الميتة ،مثل الديانة المصرية، كختان الإناث والذكور الذي اقتبسته اليهودية منها.وهكذا تنضبط الديانات جميعا بضوابط مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق المكملة له، كمنع التمييز ضد المرأة وحماية حقوق الأقليات و حقوق الطفل،فتنحصر في حدود الخاص والفردي والمعقول.
وهذا ما سيجعل الفظاعات الدينية كالرجم بالزنا مجرد ذكري سيئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.