بعد مرور حوالي ساعة ونصف الساعة علي اجتياز المتظاهرين حول القصر الرئاسي للحاجز الأسمنتي والأسلاك الشائكة مساء «الجمعة» الماضية، فوجئت حشود المواطنين المجتمعين أمام البوابة الرئيسية للقصر بشاب يقفز برشاقة ويعتلي قمة أحد أكشاك الحراسة مرتديا الزي الفرعوني كاملا من الرأس حتي القدم. يقف الشاب منتشيا مزهوا بجذور الحضارة المصرية وانتماء المصريين جميعا للأصول الفرعونية، وسط إطلاق الألعاب النارية التي أضاءت السماء بروح الثورة المصرية، وانطلاق الهتافات التي تندد بالإخوان المسلمين وبحكم المرشد والرئيس. إنها «جمعة» الكارت الأحمر للرئيس ولجماعة الإخوان احتجاجا علي الإعلان غير الدستوري وسلق الدستور والاعتداء الغاشم علي السلطة القضائية، مئات الآلاف احتشدوا في شارع المرغني أمام الحواجز الخرسانية ومئات من المتظاهرين وقفوا فوق الحواجز في مواجهة مئات من قوات الحرس الجمهوري علي الجانب الآخر، الشباب المتحمسون يراودهم الأمل في اختراق صفوف الحرس الجمهوري التي تقف علي بعد أقل من 300 متر من أسوار القصر، يندفع بعض الشباب بفعل التدافع ليسقط أفراد فوق خوذات الجنود المتلاصقين بجوار الحواجز الخرسانية، يحمل الجنود من سقط فوق رءوسهم من الشباب لإعادتهم للجموع الواقفة فوق الحواجز، تكرر المشهد عدة مرات ليصل إلي حد افتعال المتظاهرين للسقوط فوق الجنود بعدما لاحظوا تعامل قوات الحرس الجمهوري معهم برفق وهدوء واحترام وذلك أملا في إيجاد ثغرة للوصول لأسوار القصر، بعد حوالي نصف الساعة وأمام الحشود الهائلة والرغبة المحمومة لاجتياز المتظاهرين لقوات الحرس الجمهوري والهتافات الحماسية تراجع الجنود بسرعة للخلف لينطلق طوفان من البشر قفزا من فوق الحواجز في حوالي الساعة السادسة والنصف مساء، تجمع الجنود فوق وحول الدبابات واندفع المتظاهرون ليصعدوا مع الجنود فوق الدبابات لالتقاط الصور وسط حفاوة بالغة بأبناء مصر من رجال القوات المسلحة. بل إن مجموعة من الجنود كانت تقف بالخلف فيما يبدو كاحتياطي للتأمين فوجئت باندفاع آلاف المتظاهرين الذين أحاطوا بهم من كل جانب فاتجهت «المجموعة» بقائدها للدخول إلي القصر وسط هتافات المتظاهرين المؤيدة للجيش، ولأن ارتفاع الحاجز الخرساني أكثر من متر فقد اعتلاه عشرات من الشباب يمدون أيديهم الفتية لمساعدة المتجمعين علي الصعود والقفز باتجاه القصر، فور اجتياز الحواجز أسرع بعض الشباب بلهفة نحو أسوار القصر لكتابة عبارات التنديد والإدانة والمطالبة بسقوط النظام، بينما الهتافات تتصاعد تمكنت إحدي الفتيات تدعي ماجدة علي من الاتصال التليفوني بأقاربها الذين أبلغوها بتجمع مؤيدي الرئيس أمام مسجد رابعة العدوية استعدادا للانقضاض علي المتظاهرين أمام القصر. ورغم حالة الفزع والخوف من هجوم التتار إلا أن «ماجدة» أصرت علي البقاء، بل إن بعض الأسر التي استمعت إلي تهديد أحد قيادات الإخوان «محمد البلتاجي» بالهجوم وتحديد توقيت ساعة الصفر إذا حدث اقتحام للقصر، أسرعوا بالنزول من منازلهم والانضمام للمتظاهرين، أنها قوة وصلابة الشعب المصري والتي تجلت في سيدة تدعي «نرمين» تقف وسط أسرتها أمام أبواب القصر تنتقد بعنف الإخوان والرئيس والمرشد يحاول زوجها تهدئة انفعالها إلا أنها تؤكد عدم استطاعة أي قوة المساس بحقوقها وحريتها حتي لو تم إقرار دستور الإخوان. سيدة أخري ذات ملامح أرستقراطية جلست علي الرصيف أمام نادي هليوبوليس التي هي عضوة فيه لتشارك المتظاهرين في الاحتجاجات وترديد الهتافات بصوت رقيق يذوب مع الأصوات المرتفعة من حناجر الشباب القادمين في مسيرات من شبرا والمطرية، في المطعم المواجه للقصر من ناحية شارع الأهرام دخل أحد ضباط الحرس الجمهوري للحصول علي وجبة ساخنة ليتجمع حوله عدد من المواطنين يتساءلون عن موقف الجيش ليشير الضابط بيده نحو الدبابة الرابضة أمام القصر قائلا: «دي هنا علشان تحميكم»، إنه الشعب المصري بكل أطيافه وانتماءاته ينصهر في بوتقة الوطنية تظهر ملامح حضارته ونقاء أصوله وسمو أخلاقه في أصعب وأقسي اللحظات عندما رفضت حشود المتظاهرين اقتحام القصر الرئاسي مخيبة ظنون تتار العصر الجديد، وعندما حمي المتظاهرون في المسيرة القادمة من ميدان الحجاز سيدة منتقبة كادت تصيب بعض المتظاهرين بسبب اندفاع سيارتها باتجاه المسيرة.