..فوز صعب لأوباما وتحديات كثيرة تنتظره في الشرق الأوسط بقلم : خالد داود كانت المعركة الحامية علي منصب الرئاسة في الولاياتالمتحدة، والتي تجاوزت نفقاتها 2 مليار دولار (12 مليار جنيه مصري)، داخلية في الأساس. فكل استطلاعات الرأي أفادت بأن السياسة الخارجية تقع في ذيل اهتمامات المواطن الأمريكي مقارنة بالوضع الاقتصادي المتدهور والبطالة ونظام التأمين الصحي والضرائب والضمان الاجتماعي، أو ما نعرفه في مصر بالتأمينات الاجتماعية ومعاشات التقاعد. ومن بين المناظرات الثلاث التي عقدها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومنافسه الخاسر الجمهوري ميت رومني، حظيت المناظرة الثالثة المتعلقة بالسياسة الخارجية علي أقل نسبة مشاهدة مقارنة بالمناظرتين السابقتين اللتين تناولت الوضع الداخلي. وربما يعكس ذلك التراجع في الاهتمام بالشأن الدولي رضا المواطن الأمريكي النسبي عن سياسة أوباما الخارجية التي قامت علي انسحاب التدخل الأمريكي الثقيل والعسكري غالبا لدي التعامل مع القضايا الخارجية، والذي ميز عهد سلفه جورج دبليو بوش. وكان أوباما، في حملته الانتخابية، يعتبر تمكنه من “إنهاء عقد من الحروب” عبر سحب القوات الأمريكية من العراق وتحديد جدول زمني للانسحاب من أفغانستان بحلول بداية العام 2014، أي بعد نحو عام من الآن، من ضمن أهم إنجازاته خلال فترة رئاسته الأولي. خسارة بوش بالطبع رومني حاول التأكيد أنه لن يكون تكرارا لبوش الابن، وأن نجاحه في الوصول للبيت الأبيض لن يعني بالضرورة شن سلسلة جديدة من الحروب. ولكن خطابه المتشدد فيما يتعلق بإيران، واتهامه المباشر للفلسطينيين بأنهم غير راغبين في السلام أو مؤهلين لذلك، وتركيزه علي أنه سيعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني إذا وصل للبيت الأبيض، ودعوته لدور أمريكي عسكري أكثر بروزا لدي التعامل مع الأزمة والمأساة السورية، وانتقاده المبطن لأوباما لتعامله الإيجابي مع جماعات الإسلام السياسي، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، رغم تاريخها العدائي في العلاقة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل، كل ذلك أوحي بأن وصول رومني للبيت الأبيض قد يفتح الباب لمرحلة اضطرابات جديدة في علاقة الولاياتالمتحدة مع العالم الخارجي. كما أن قطاعات مؤثرة من مؤيدي رومني تتبني بالفعل توجهات يمينية محافظة تري أن استعراض القوة الأمريكية وما تمتلكه من ترسانة أسلحة متطورة هو أفضل ما يحفظ لها هيبتها علي الصعيد العالمي، وليس السعي لبناء علاقات وجسور أفضل مع بقية الدول العالم. فأصحاب التوجهات اليمينية هذه، وهم غالبا من البيض الأمريكيين من الطبقات المتوسطة والأكثر ثراء، مقتنعين بأن الولاياتالمتحدة لا بد أن تردع أعداءها ومنافسيها قبل أن يفكروا حتي في الإضرار بمصالحها من قريب أو بعيد. نشاط دولي سيبقي مطلوبا من أوباما التعامل مع كل الأزمات الدولية التي قال منافسه رومني إنه سيكون أكثر حسما في مواجهتها. ولكن استمراره في البيت الأبيض لفترة ثانية سيسمح له بمواصلة نهجه الأكثر محافظة في التعامل مع مشاكل العالم الخارجي، مع الوضع في الاعتبار الأزمة الاقتصادية الأمريكية الداخلية، وتعب الأمريكيين أنفسهم من ما يزيد علي عشر سنوات من الحروب التي لم تسفر عن تحقيق أية انتصارات يمكن لهم أن يفخروا بها. ومقابل قيادة أمريكا لتحالفات زائفة ووهمية في عهد الرئيس السابق بوش لخوض مغامرات عسكرية كما كان الحال في العراق وأفغانستان، فإن النهج الذي يتبناه أوباما يقوم علي أن الولاياتالمتحدة ستواصل لعب دور نشط علي الصعيد الدولي، ولكنها لن تقوم بتلك التحركات بمفردها. وإذا كان هناك من جهد عسكري مطلوب لحل أزمة دولية متفجرة كما كان الحال في ليبيا أو سوريا، حاليا، فإن واشنطن ستتدخل كأحد أطراف التحالف الدولي المطلوب لمواجهة هذه الأزمة أو تلك، ولكنها لن تتحمل المسئولية كاملة منفردة. وفي ليبيا، صمم أوباما علي أن يلعب حلف الناتو دورا بارزا، وكذلك دول مثل فرنسا وايطاليا وبريطانيا، وأن تكون مساهمتهم حقيقية بالمعدات والرجال، وليس مجرد مساهمة رمزية بينما تقوم بلاده بدفع الفاتورة كاملة كما كان الحال في عهد بوش الإبن. ولكن هذه السياسة قد لا تبقي صامدة في مواجهة الموقف المتفجر حاليا في الشرق الأوسط، وربما تكون الأزمة السورية علي رأس قائمة القضايا التي تتطلب تدخلا أكثر فاعلية من قبل الولاياتالمتحدة. ورغم مطالبة الرئيس أوباما علنا بضرورة رحيل نظام بشار الأسد منذ شهور، فإن استمرار عدم استقرار الأوضاع في مصر وليبيا وما يعرف بدول الربيع العربي التي تولت فيها جماعة الإخوان المسلمين الحكم قد جعل إدارة أوباما أكثر حذرا في الدفع نحو التخلص من النظام السوري. فالرئيس الأمريكي يعرف جيدا أن انهيار الوضع في سوريا من دون وجود نظام بديل يحافظ علي ما تبقي من كيان الدولة السورية، سيكون له آثاره الوخيمة علي المنطقة برمتها، وبطريقة قد تؤدي إلي وقوع حروب تمتد لسنوات. فسقوط بشار الأسد سيكون له انعكاساته المباشرة علي لبنان التي تعاني من تقسيمات طائفية أكثر تعقيدا من تلك القائمة في سوريا. وبالطبع لن تبقي إيران صامتة وهي تري الحليف العربي الوحيد لها في دمشق، وامتداده المتمثل في حزب الله في لبنان، يتعرضان للانهيار. وتبقي تركيا حتي الآن الحليف الأقرب للولايات المتحدة، وهو ما يضعها في مقدمة المرشحين لتكون نقطة الانطلاق لأي تدخل عسكري دولي في سوريا، تشارك فيه الولاياتالمتحدة، ولكن من دون أن تخوضه منفردة. انفتاح علي الإخوان كما من المتوقع أن يواصل أوباما سياسته المنفتحة في التعامل مع حكومات الإخوان المسلمين القائمة في مصر وتونس وليبيا، وإن كان سيتبني مواقف أكثر تشددا في محاسبتهم علي سياساتهم الداخلية والخارجية. وفي حالة مصر تحديدا، فسيبقي التركيز قائما علي الحفاظ علي الهدوء في العلاقات مع إسرائيل ومعاهدة السلام القائمة معها. ويرتبط بهذا الملف مواصلة الضغوط الأمريكية علي الرئيس محمد مرسي من أجل تهدئة الأوضاع في شبه جزيرة سيناء وضمان عدم تحولها إلي نقطة انطلاق لتنظيمات إسلامية متشددة تهاجم إسرائيل. كما لن تكون مهمة أوباما سهلة في التعامل مع حكومة مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين لو خرج في مصر دستورا ينتقص من حقوق أساسية، تحديدا تلك المتعلقة بحقوق الأقباط والمرأة والتعبير والمعتقد. وربما أراد أوباما أن يبعث برسالة إيجابية للرئيس مرسي بأن جعله من ضمن قائمة الرؤساء الذين قام بمكالمتهم هاتفيا لشكرهم علي تهنئتهم له بالفوز في اليوم التالي لإعلان النتيجة. ولكن الوضع الداخلي الأمريكي، والانتقادات التي واجهها أوباما بعد الهجمات التي تعرضت لها السفارات الأمريكية في مصر وليبيا، ستمثل ضغطا إضافيا عليه لكي يتبني نهجا أكثر تحفظا وتشددا في التعامل مع التجارب الديمقراطية الجديدة في العالم العربي. ودعم من عباس ورغم الترديد المتواصل من قبل محللين وخبراء لمقولة أن الرئيس الأمريكي الفائز بفترة رئاسية ثانية يكون أكثر تحررا في التعامل مع القضايا الخارجية لأنه لا يخشي خوض منافسة جديدة، فإن هذا التحليل تحديدا لا ينطبق علي تعامل الولاياتالمتحدة مع الملف الفلسطيني. فالرئيس الأمريكي ينتمي لحزب، وهو يعرف جيدا أن أداءه في الفترة الثانية، سيؤثر كثيرا علي فرص المرشح الذي سيليه في خوض المنافسة الرئاسية بعد أربع سنوات، أي في العام 2016. كما أن الدعم الأمريكي لاسرائيل يعتبر شأنا داخليا بسبب النفوذ الهائل للوبي الأمريكي اليهودي والنافذ في كل دوائر صنع القرار السياسي في أمريكا بداية بالكونجرس ومرورا بمراكز الأبحاث السياسية ووسائل الإعلام. كما تبقي حقيقة أن الاهتمام الدولي بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي عموما قد تراجع في ضوء كل ما تشهده المنطقة العربية من أزمات وثورات. وبينما تبرع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجانا بتقديم وعد في تصريحاته الأخيرة للتليفزيون الإسرائيلي بعدم السماح بقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، فإن محللين يرون أن الطريقة الوحيدة التي قد تدفع لعودة الاهتمام الدولي بالملف الفلسطيني هو امتداد ثورات الربيع العربي إلي الداخل الفلسطيني نفسه. ورغم كل ما يتم ترديده في العالم العربي عموما من أن السياسة الخارجية الأمريكية ثابتة لا تتغير، وتحكمها المصالح الاستراتيجية لها في المنطقة العربية، فإن المؤكد أن فوز أوباما بأربع سنوات اضافية في البيت الأبيض سيعني استمرار النهج المتعقل نسبيا في السياسة الخارجية الأمريكية وتجنب سياسة استعراض القوة العسكرية الغاشمة، مقارنة بمنافسه اليميني المحافظ رومني.