أدي سقوط الاتحاد السوفيتي ومن ثم سقوط منظومة المعسكر الاشتراكي في أوائل تسعينيات القرن الماضي الي تحولات سياسية كبيرة شهدتها دول منطقة البلقان ،في انهيارالفيدرالية اليوغوسلافية والي انقسام صربي – صربي نتج عنه كيانين متجاورين ،لا تفصل بينهما سوي حدود شكلية (جمهورية صربيا وعاصمتها بلغراد ،وجمهورية الصرب ضمن اطار فيدرالية البوسنة والهرسك وعاصمتها باني لوكا ) . من ثم ازدادت حدة التباين السياسي بين الكيانين المذكورين في مطلع القرن الواحد والعشرين علي صعيد علاقتهما الخاصة ومن ثم علي صعيد العلاقات الأقليمية والدولية ،وبخاصة مع كل من تركيا واسرائيل الساعيتين لبسط النفوذ علي كامل دول المنطقة ،وتجلي ذلك أعقاب توتر العلاقات بينهما نتيجة الهجوم الاسرائيلي علي سفينة مرمرة التركية القاصدة لفك الحصار عن غزة عام 2011 ،ثم تصاعدت حدة التنافس السياسي من جديد بينهما بشأن مسار التوجه الفلسطيني لطلب عضوية اليونسكو والأمم المتحدة ،حيث أيدت أنقرة وسعت لحشد تأييد بلقاني ،الا أن تل أبيب نجحت في احداث اختراق تاريخي بدول المنطقة لصفها عبر الحصول علي تأييد كل من بلغاريا واليونان ورومانيا والبوسنة والهرسك .وقد أدي تفاعل وتطورات الوضع الميداني للأزمة السورية الي خفوت حدة ذلك التنافس لحد ما بتهدئة أمريكية وفق ما تتطلبه استراتيجية البيت الأبيض الجديدة للمنطقة والشرق الأوسط .!ولا يمكن في ظل ذلك اغفال نجاح مهندس السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو في حل المشاكل العالقة مع جيران أنقرة بالمنطقة البلقانية وتوظيف نتائج التاريخ العثماني المشترك للمنطقة في حشد للأقليات التركية والاسلامية ببعض دول المنطقة كبلغاريا ومقدونيا ،وأغلبياتها المتواجدة بكل من ألبانيا والبوسنة وكوسوفو والجبل الأسود ،ومن ثم زادت رقعة اتساع النفوذ التركي الذي وصفه محللون ومؤرخون من دول المنطقة بأنه يمثل :”الفتح العثماني الثاني للبلقان ” ،في هذا الاطار مثل الاختراق التركي الأهم تاريخيا في العلاقات مع صربيا ، والتي كانت تعتبر “العدو التاريخي “للاحتلال العثماني ” تزامن ذلك مع فوز الحزب الديمقراطي الصربي بالانتخابات البرلمانية في بلغراد وفوز رئيسة بوريس تاديتش بمنصب رئاسة الجمهورية عام 2008 (الساعي للغرب وللحصول علي عضوية الاتحاد الأوربي بأي ثمن ) ،وتطورت العلاقات التركية الصربية من عداء تاريخي الي تعاون اقتصادي وتجاري واستثمارات تركية في مجال البنية التحتية الصربية ،حتي لم تعد لبلغراد حساسيات تذكر تجاه أنقرة في توسيع نفوذها بمنطقة “السنجق” الواقعة في الجنوب الصربي والتي تعج بأغلبية من المسلمين. لكن ذلك الانفتاح بين أنقرة وبلغراد ،قوبل بانتقادات وسخرية من قبل الكيان الصربي المجاور في باني لوكا ،ووصف بالعثمانية الجديدة ،فلم ينس الكيان الصربي مواقف أنقرة في دعمها السياسي والمادي والعسكري للاسلامي البوسني علي عزت بوجوفيتيش في حرب البوسنة أعوام 1992 -1995 والتنكيل بالصرب واسقاط نظام سلوبدان ميلوشوفيتش وصربيا الكبري وريثة الاتحاد اليوغسلافي ،فمنذ تولي ميلوراد دوديك رئاسة جمهورية الصرب عام 2011 التي تحتل نسبة 49 % من أراضي فيدرالية البوسنة والهرسك بموجب اتفاقيات دايتون عام 1995 ،والتي يعتبرها فيدرالية مصطنعة . فقد سعي لانتهاج سياسات داخلية وخارجية اختلفت تماما عن منحي ببلغراد ،في تقرب لواشنطن وتل أبيب معتبرا أن تاثير شبكان المنظمات اليهودية العالمية في صنع القرار الدولي ومقارنا وضع كوسوفو واستقلالها عن صربيا عام 2008 باعتراف أمريكي اسرائيلي ومن عواصم غربية ،ووفقا لمنظوره السياسي من خلال التصريحات والأحاديث الاعلامية في أن جمهورية الصرب تتشابه تاريخيا قبل انشاء واعلان دولة اسرائيل مع وضع اليهود أثناء معسكرات الاعتقلال خلال الحرب العالمية الثانية ،بل ذهب للاعتقاد علي حد تعبيره :أن اسرائيل يحوط بها جيران من المسلمين المتطرفين يريدون القضاء عليها ،كما هو الحال مع جمهورية الصرب من البشناق المسلمين المحيطين بها في كل من كوسوفو والبوسنة ومقدونيا وألبانيا ..! وهو ما يفسر الزيارات والرحلات المتتالية لوزير الحارجية الاسرائيلي العام الماضي ورد دوديك في زياراته لتل أبيب ومن ثم زيارة رئيس المؤتمر اليهودي العالمي الأمريكي لباني لوكا ابريل العام الجاري ،بل زادت في السنتين الأخيرتين حجم التعاون بين تل أبيب وباني لوكا بأعداد المستشارين الاسرائيليين في مجال الزراعة ،ومن توأمة مع مدن اسرائيلية ،الي جانب النشاط الثقافي وبخاصة مع متحف الهولوكست الاسرائيلي ،لتشمل فصولا مخصصة ببرامج التعليم المدرسية في باني لوكا عن معاناة اليهود والمحارق النازية الخ .. ولينتهي أخر فصل من حلم ميلوشوفيتش في بعث القومية الصربية والدولة القومية الواحدة لصربيا الكبري.