هل أختار محفوظ زلطة طريقه أم أن الطريق والقدر هو الذي اختاره.. وهل يستطيع «زلطة» الفكاك من الماضي أم أنه وقع في حفرة بلا نهاية؟ محفوظ زلطة هو بطل مسلسل (باب الخلق) الذي يعرض منذ بداية رمضان علي عدد كبير من الفضائيات الخاصة، والذي يقوم بدوره الفنان محمود عبد العزيز في أول عمل يقدمه للشاشة الصغيرة بعد سنوات من مسلسل (محمود المصري) الذي رأيناه عام 2006 .. وبينما كان (محمود المصري) يقدم رحلة رجل أعمال في عالم الذئاب في الداخل والخارج فإن (باب الخلق) يقدم رحلة رجل ذهب إلي خارج مصر من أجل الجهاد، وهو النموذج الذي شاع في مصر لسنوات طويلة لمن ذهبوا إلي أفغانستان وللانضمام إلي آخرين في جبالها لطرد الروسي، قبل أن يأتي الأمريكان فيتحولوا إليهم، لا يحدد المسلسل مكان جهاد بطله ولكننا نقرأ علي الشاشة اسم وتاريخ (جبال وسط آسيا 2009-2010)، وتأخذنا الكاميرات وسط فزع أحدثه موت شاب باسم الدين علي يد الأمير ابو عبد الله، وحيرة ضابط أمن الدولة الكبير (أحمد فؤاد سليم) والضابط الأكثر شبابا (أحمد فلوكس) في هوية (أبو عبد الله ) هذا، خاصة بعد أن كشفت المعلومات المسجلة أنه يوجد ثلاثة باسم ابو عبد الله منهما مصري، وسوري وأن المتظاهرين أمام نقابة المهندسين لا يعرفون هوية أي منهم برغم هتافهم الجهاد.. وهو ما يوقظ الحاسة الإعلامية لدي (سامح) و(ضحي) الصحفيين العاملين بإحدي القنوات الفضائية الخاصة لتتبع القصة والبحث عن سبق وانفراد يغلبان به بقية الزملاء من جيش العاملين في الرعلام في هذه الاجواء المملوءة بالقلق والشكوك تعلو الهواجس حين يخرج تاريخ الرجال الثلاثة المقلبين بأبو عبد الله، من ادراج الأمن، ومسئولية كل منهم عن التفجيرات في مناطق متعددة من العالم حيث يصدر المسئول الأمني أوامره للجميع بعدم ترك العمل والبقاء في حالة تأهب .. أما في ميناء الاسكندرية، فإن المشهد يأخذنا إلي مفاجئة جديدة تنهي الحلقة الأولي للمسلسل من خلال أحد الطرود الخشبية الذي ينفتح عن داخله ليخرج منه رجل ملتح ومعمم يبدو وكأنه معلب ومحفوظ من القرون الوسطي ، وبيده طفل صغير منتفخ، وعلي وجهه علامات ذعر وقلق وسرواله يذكرنا بالمخطوطات ولنكتشف أنه محفوظ زلطة.. المصري العائد من سنوات الجهاد، والذي ما أن يسير في الشوارع ويثير الفزع حتي يصل خبره للأمن فيهتفون أنهم وجدوا .. أخيرا.. أبو عبد الله المصري.. وهو ما يفنده المسلسل في الحلقات التالية، تدريجيا من خلال فعل وفعل مضاد، في دراما مختلفة ، كثيرة الاسئلة وكثيرة الايحاءات وأيضا قادرة علي كشف وفضح الكثير من الأوضاع التي اقلقتنا ولازالت تقلقنا.. ولتتوالي الاكتشافات من خلال سيناريو يعمل علي عدة محاور متوازية ما بين خارج مصر إلي داخلها وما بين رحلة الإرهابية الذين افلت منهم زلطة إلي مصر من أجل قتله، إلي رحلة الأمن للبحث عنهم وارتباك عناصره والصراع بين القيادات القديمة والجديدة، ثم رحلة الأمن للبحث عنهم وارتباك عناصره والصراع بين القيادات القديمة والجديدة، ثم رحلة زلطة مع عائلته التي تركها لمدة عشرين عاما وعاد إلي بيت الأسرة بباب الخلق ليجد أخته تحافظ عليه (عايدة رياض) مع زوجها إمام الجامع (محمود الجندي) وليجد شقيقا أصبح شبه بلطجي (محمد سليمان) والأكبر (تامر هجرس) دخل في زوارق رجال الحزب الوطني وناسبهم فاختلفت المصالح والمشاعر، يعيش محفوظ وطفله الصغير في البيت القديم ويعود لهيئته الأولي، ويكشف عن اغوائه بالسفر من أجل فرصة عمل وحياة رغدة اكتشف بعدها أنه حمل السلاح والقتال ضد من سماهم الامير هناك (محمد مفتاح الفنان المغربي) أعداء الله، وكيف زوجوه طفلة فاتنة احبها وانجب منها قبل أن تموت مع الابن في إحدي الغارات، ثم اعاد الكرة وظل يحاول الفرار حتي أتته الفرصة، لم يكن هدف السيناريو الذي كتبه عبد الملك سليمان وأخرجه عادل اديب هو سرد قصة عائد من الجهاد فقط، ولكن هدفه اضاءة وكشف تأثير هذه العودة علي العائد، وعلي الآخرين، وطرح صورة للمجتمع المصري الآن بعد عشرات السنين من تغلغل الجماعات السلفية والجهادية، المحظورة وغير المحظورة، فيه، وهل أثر تواجدها في بنية المجتمع ومحاور سلوكه وتفكيره، والحقيقة أن حركة (محفوظ زلطة) في المسلسل هي ضمن أكثر اجزائه متعة، ليس لكونه مطارد طوال الوقت من الناس، سواء الذين بهروا به أو الذين اعتبروه موضع تسلية، لكن لكونه أصبح هدفا للأمن، وهدفا للإعلام أيضا، وهدفا يمكن استخدامه أو الاستفادة منه في إطار تفكير تآمري وسلوك يفضح فساد متغلغل في كل الأوساط فقط (محفوظ وحده) الذي يضع هدفا له وفقا لما يحيطه من إضافات يسقطها الآخرون عليه، أو حين يتم خطف ابنه الطفل فيستخدم كل ما تعلمه في أيام (الجهاد) للبحث عنه.. وفي كل الأحوال، فإننا أمام شاب ذهب لعمل لم يكن يعرف هويته، وعاد لبلد أصبحت تسجل عليه أنفاسه، وفرح بوطن اكتشف أنه لم يكن ذلك الذي تركه.. ولذلك بدأ الرحلة الأشق في حياته.