عبر الناطق باسم البيت الأبيض روبرت جيبس قبل أيام، إضافة إلي أوساط وزارة الخارجية الأمريكية عن قلق الإدارة الأمريكية عما زعمته عن نقل صواريخ (سكود) إلي حزب الله في لبنان، كما وجهت الأوساط الإسرائيلية ما يشبه التهديد إلي سورية، علي لسان المندوبة الإسرائيلية لدي الأممالمتحدة حيث زعمت أن سورية قامت بنقل هذه الصواريخ. تري الإدارة الأمريكية أن تزويد حزب الله بصواريخ سكود (خطوة تهدد بتغيير ميزان القوي في الشرق الأوسط) وأن وقفها يعزز (السلام والاستقرار) باعتبار أن هذه الصواريخ قادرة علي الوصول لأي مدينة إسرائيلية، وتري الأوساط الإسرائيلية ووسائل إعلامها أن امتلاك حزب الله هذه الأسلحة يعتبر (كاسراً للتوازن) ويهدد (الاستقرار الهش في الشرق الأوسط) وقد أعد (سلاح الجو الإسرائيلي خطة خاصة لمواجهة نقل الأسلحة إلا أنه قرر عدم إخراجها إلي حيز التنفيذ)، كما وجهت الولاياتالمتحدة تحذيراً مماثلاً للبنان، وكان واضح التنسيق الكامل بين السياستين الإسرائيلية والأمريكية كما هو شأنهما دائماً سواء في مضمون الرسائل والتحذيرات، أو في تزامن توقيتها. لا تغيير في الميزان يستنتج من التصريحات المعبرة عن (القلق) الأمريكي والإسرائيلي، ومن التهديدات الأمريكية والإسرائيلية للطرفين السوري واللبناني، ومن الأسباب والمبررات التي دعتهما للتعبير عن القلق وإطلاق التهديدات أن الإدارة الأمريكية ترفض (تغيير ميزان القوي) الحالي بين العرب والإسرائيليين، وتصر علي المحافظة علي القوة العسكرية الطاغية لحكومة نتنياهو وجيشها، واستطراداً إطلاق يد إسرائيل ومباركة احتلالها وتأييد خطواتها سواء بالتهديد أو الاستيطان أو برفض الانسحاب والتسوية والإمعان في التطرف وتجاهل الشرعية الدولية والقانون الدولي والحقوق العربية، فماذا تعني المحافظة علي ميزان القوي بنظر السياسة الأمريكية بين خيارين أحدهما إسرائيلي مسلح قوي متطرف صلف يمعن في التهويد والاستيطان وقضم الأرض ويرفض التفاوض، والآخر عربي ضعيف يلجأ للشرعية الدولية والقانون الدولي ويطلق المبادرة إثر المبادرة دون جدوي، ويذكرنا كل يوم بأن السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد ومن البدهي أن ميزان القوي الحالي لن يوصل إلا إلي طرق مسدودة، فعدم (كسره) كما يقول الإسرائيليون، وعدم (تغييره) كما يقول الأمريكان، إنما يعني فرض الواقع القائم حالياً إلي الأبد، ودعم الهيمنة الإسرائيلية علي المنطقة، وتجاهل الحقوق العربية، وإرجاء التسوية إلي أمد غير محدد أو حتي يمكن فرض تسوية إذعان علي العرب. عدوان علي سوريا إن خطة سلاح الجو الإسرائيلي التي أعدها لمنع تزويد سورية حزب الله بالصواريخ والتي قرر عدم إخراجها لحيز التنفيذ هي في الواقع مشروع عدوان علي سورية ولبنان وقصف قواعد عسكرية سورية، وإن أمكن قواعد عسكرية لحزب الله في لبنان، وإشعال حرب جديدة، ولعل خشية الإدارة الأمريكية من نتائجها هي التي أوقفت تنفيذها. من المؤكد أن سورية (والعرب عامة) لن يقبلوا باستمرار الحال القائم إلي أمد غير محدود، ولابد أن ترغمهم السياسة الإسرائيلية العدوانية والتأييد الأمريكي المطلق لها، والإذلال اليومي الذي يواجهونه، وتجاهل مبادرتهم ومقترحاتهم وتهالكهم من أجل السلام، لابد أن يرغمهم هذا كله علي العمل لتغيير ميزان القوي القائم وهو ما تخشي منه إسرائيل والإدارة الأمريكية، ولعل تزويد سورية حزب الله بالصواريخ هو رسالة في هذا الاتجاه. تري بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية السورية أنه لوكانت إدارة الرئيس أوباما جادة في نواياها للوصول إلي تسوية لما(قلقت) لتغيير ميزان القوي، وهي تعلم علم اليقين أن العرب هم في موقف دفاعي، وأنهم سيبقون كذلك إلي أمد غير قصير، وأن خيارهم هو الوصول إلي تسوية، فتغيير ميزان القوي المزعوم سيخفف غلواء إسرائيل فقط، وسيقود إلي مثل هذه التسوية، فلماذا القلق إذن؟ يبدو أنه عندما صرح وزير الخارجية السوري قبل شهرين بأن أي عدوان إسرائيلي سيشعل حرباً، كان يعني أن سورية تعمل لتغيير ميزان القوي بعد أن يئست من الوعود الأمريكية والأوروبية، وبعد أن فشلت كل السبل والمبادرات التي تبناها العرب للوصول إلي تسوية، والتراجعات التي قبلوها، والتي تثبت الأيام أكثر فأكثر عدم جدواها. ويري بعض المطلعين علي السياسة السورية، أن هذه السياسة تطالب الإدارة الأمريكية بالعمل الجاد للوصول إلي تسوية والتراجع عن الدعم المطلق للمعتدي الإسرائيلي، ويبدو أن سورية علي وشك العمل للوصول إلي ميزان قوي آخر، حتي لو كان في ذلك بعض المغامرة، خاصة أن الضربات الصاروخية التي يمكن أن توجه إلي إسرائيل من سورية ولبنان لن تكون أقل دماراً وإيلاماً من القصف الإسرائيلي المحتمل للبلدين، أو العدوان المحتمل عليهما. وبالتالي فإن الواقع العسكري القائم يضطر إسرائيل لأخذ حسابات جديدة في اعتبارها إذا أرادت أن تعتدي علي سورية أولبنان. والظاهر أن سورية ليست خائفة لا من قلق الأمريكيين ولا من تهديدات الإسرائيليين، سواء كانت قد نقلت الصواريخ إلي حزب الله أم لا.