علماء النفس يتحدثون عن مرض الاضطراب الفجائى المتَقَطِّع. ونحن نعانى هذه الأيام مما أسميه الاضطراب الانفعالى المستمر. فلا نكاد نهنأ بخبر سعيد حتى يصدمنا خبر تعيس. يوم مر .. يوم حلو، كعنوان الفيلم الرائع لمخرج الواقعية الجديدة في السينما المصرية داود عبدالسيد. خذ عندك: زلزال مراكش/ طوفان درنة/ عبق انتصار أكتوبر/ مذبحة الكلية الحربية في حِمْص/ انطلاق المارد الفلسطيني من غزة/ العفو عن دفعة جديدة من السجناء/ احتشاد الدولة العميقة دعمًا للسيسى وعرقلةً لمنافسيه/ امرأة تفوز بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية/ الصراعات تدمر جمعية الاقتصاد والتشريع. وهَلُمَّ جَرًّا. وبالنسبة لى كاقتصدى، سأتوقف عند حدثين أحدهما سعيد والآخر تعيس. كاقتصادى، الخبر السعيد بالنسبة لى هو فوز السيدة كلوديا جولدين بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 2023 . أما الخبر التعيس فهو اندلاع الصراع بين أطراف متناحرة في الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع قد يفضى إلى تدمير هذا الصرح. سأركز اليوم على ما يهمنى مباشرة بحكم تخصصى كاقتصادى. ومن باب التفاؤل، أبدأ بالخبر السعيد وهو فوز السيدة الأمريكية كلوديا جولدين (77 سنة)، الأستاذة بجامعة هارفارد، بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لهذا العام 2023، تقديرًا لمساهمتها في زيادة فهمنا لمساهمة المرأة في سوق العمل. فلماذا أعتبر هذا خبرًا سعيدًا؟ أولا، لأن الفائز امرأة تتنافس كأقلية وسط أغلبية من الاقتصاديين الرجال المتنفذين. ولمن لا يعلم فإن النساء في الجامعات الأمريكية يعانون بشدة من تحيز الرجال. لدرجة أن الجمعية الاقتصادية الأمريكية تحرص على إجراء استطلاع للرأي حول "المناخ المهنى في الاقتصاد" كل عدة سنوات. ومن أهم المحاور في الاستطلاع مجموعة أسئلة تتصل بالمساواة والتنوع والسلوك المهنى كالاحتقار والتحرش وسوء الأدب. ثانيا، لأنها استحقت الجائزة عن مجمل أعمالها حول مساهمة المرأة في سوق العمل. ومعلوم أن المرأة العاملة في أمريكا تعانى من مختلف أنواع الاستغلال. وأجرها في المتوسط حوالى 75% مما يحصل عليه الرجل في نفس مجال العمل. وأخيرًا، لأنها تجمع فى تخصصها سوق العمل والتاريخ الاقتصادى. ومعلوم أن التاريخ الاقتصادى أصبح من التخصصات المهملة في حقل الدراسات العليا في الاقتصاد.
أما الخبر التعيس فهو نشوب صراع داخلى في الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع يهدد بانهيارها. إنها أقدم جمعية علمية في مصر، حيث تأسست عام 1908. وكان لمجلتها العلمية "مصر المعاصرة" مكانة مرموقة، حتى أنه كان يجرى تبادلها مع كبريات المجلات العلمية في الخارج. ووقف على منبر قاعة المحاضرات الرئيسية بها عمالقة الفكر في الاقتصاد والقانون والسياسة. فقد حاضر فيها زعيم الأمة سعد زغلول، والاقتصادية جوان روبنسون الأستاذة بجامعة كامبريدج وتلميذة كينز وغيرهما. كما دشنت الجمعية لأول مرة المؤتمر السنوي للاقتصاديين المصريين منذ حوالى نصف قرن. إن قاعة المحاضرات الرئيسية بالجمعية تحفة فنية فريدة، والجمعية نفسها جزء من قوة مصر الناعمة. كل هذا التراث يتعرض لخطر التدمير بسبب صراعات صغيرة بين ضعاف النفوس. وهذا الجو المسموم هو ما جعلنى أتردد فى إلقاء محاضرتى السنوية فيها عن جائزة نوبل في الاقتصاد، والمقرر لها السبت 14 أكتوبر. يوم حلو .. يوم مر. تلك هي سُنَّة الحياة. ولكن عندما تتسارع وتيرة التنقل بين الحلو والمر، يعيش الانسان في اضطراب انفعالى مستمر. ولكنَّ بعد العسر يسرا. هتاف اليوم: عاش كفاح الشعب الفلسطيني البطل.