شارك الرئيس الأمريكي جو بايدن في القمة المشتركة بين الولاياتالمتحدة ورابطة آسيان، والتي تم خلالها رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى شراكة إستراتيجية شاملة, ورابطة آسيان هي رابطة تضم 10 دول هي إندونيسيا, ماليزيا, الفلبين, سنغافورة, تايلاند, بروناي, فييتنام, لاوس, بورما وكمبوديا. كذلك حضر بايدن قمة شرق آسيا هذا الأسبوع. لم تهتم وسائل الإعلام الغربية بتجميل أو إخفاء الهدف الإستراتيجي الأمريكي من هذه القمة, الهدف واضح وصريح، وهو التنافس على النفوذ مع الصين. علقت جريدة بوليتيكو أن بايدن "يعتزم أن يطلب من جيران الصين تحجيم نفوذ العملاق الإقليمي". كما أشارت إلى أنه "بعد إعادة فتح الأبواب بالنسبة لآسيان، يجب على بايدن وضع شيء على الطاولة للرابطة". عندما حلل موقع صوت أمريكا محاولة بايدن لمواجهة نفوذ بكين في المنطقة، أقر بأن المهمة ستكون صعبة. وهو ما يذكرنا بالقمة الخاصة بين آسيان والولاياتالمتحدة التي حدثت في مايو الماضي. في ذلك الوقت، لم يدخر الجانب الأمريكي جهدًا في استخدام كلمات خيالية لوصف الحدث، قائلًا بأنه "تاريخي"، وهي "المرة الأولى" منذ 45 عامًا التي يجتمع فيها بزعماء آسيان معًا في واشنطن العاصمة. أعلن بايدن نفسه أن الجانبين " يفتتحان حقبة جديدة من الشراكة. هذه المرة، تسلط وسائل الإعلام الضوء أيضًا على أهمية الاجتماع من خلال التأكيد على أن بايدن هو "أول زعيم أمريكي منذ 2017" يحضر الاجتماعات التي تستضيفها أسيان. بهذا الصدد, قال صن شيهوي, الباحث في المعهد الوطني للإستراتيجية الدولية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن إدارة بايدن تعمق العلاقات مع دول آسيان بهدف كسب النقاط في ملف العلاقات الدولية في إطار التنافس الانتخابي الداخلي بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. "إنها استراتيجية براجماتية، حيث تريد واشنطن مزيدًا من الترابط مع آسيان بهدف عزل الصين وموازنة نفوذها". أشار صن إلى حدٍ ما، أظهر البيان المشترك الصادر مساء السبت جهود واشنطن الدبلوماسية وإرادتها الكبيرة لبناء علاقات أقوى مع دول آسيان، ولكن مرةً أخرى، لا توجد العديد من الإنجازات الأمريكية القوية في هذا الإطار، كما قال شين يي، الأستاذ في جامعة فودان. حقبة جديدة كيف يمكننا استيعاب "الحقبة الجديدة" للعلاقات الأمريكية مع دول رابطة آسيان؟ يقول لي كايشنج, الباحث في أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعي, أن التجسيد الملموس الوحيد لهذه العلاقات هو التزام بايدن بدفع مبلغ 150 مليون دولار لقادة دول الرابطة, الذي قطعه في مايو, والذي لحقه التزام آخر في هذه القمة بالإعلان عن مبلغ 860 مليون دولار, عبر وزارة الخزانة الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ومن المفارقات أن "هذه المبالغ هي نقطة في بحر إذا ما قورنت بالدعم الأمريكي لأوكرانيا". وفقًا للبنتاجون، التزمت الولاياتالمتحدة بأكثر من 18.9 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا منذ بداية الحرب. وبخلاف ذلك, تحاول الدعاية الأمريكية أن تؤكد وجود نطاقات للتعاون بين الولاياتالمتحدة وآسيان. مثل المزيد من التعاون البحري الموجهة أساسًا في مواجهة النفوذ البحري الصيني على المستويين العسكري والتجاري. لكن لدى قادة كثير من دول رابطة آسيان عديد من الشكوك تجاه مصداقية الوعود الأمريكية. تشكيك فى النوايا والأهم من ذلك أن الولاياتالمتحدة تتعامل مع دول رابطة آسيان من خلال منظور لعبة القوة الكبرى مع الصين. يقول تشانغ تنغجون، نائب مدير قسم دراسات آسيا والمحيط الهادئ في المعهد الصيني للدراسات الدولية, أن هذا النهج جعل دول جنوب شرق آسيا تشكك في صدق الولاياتالمتحدة، الأمر الذي يعيق بدوره إحراز مزيد من التقدم في العلاقات بين الولاياتالمتحدة ورابطة آسيان. وفقا لتشانغ، فإن تعاون آسيان مع الصينوالولاياتالمتحدة يختلف في طبيعته. تميل واشنطن إلى التورط في المنطقة عبر أجندات سياسية وأمنية وأيديولوجية، في حين تركز الصين على القضايا البراجماتية، مثل تطوير البنية التحتية، ورفع مستويات المعيشة، وهي القضايا الملحة لتلك البلدان. شراء صداقة بينما تحاول الولاياتالمتحدة شراء صداقة دول أخرى من خلال التعهد بإنفاق مبالغ معينة من المال، تسعى الصين إلى مسار تعاوني نحو التنمية المشتركة. عند التعاون مع الصين، المال يولد المال والمشروعات التنموية لا تتوقف، في إطار مشروع إستراتيجي صيني طموح لأبعد الحدود. الصين ودول آسيان هما أكبر شريك تجاري لبعضهما البعض. ومع ذلك، فإن تعاونهم يتجاوز التجارة, حيث يعد خط سكة حديد جاكرتا-باندونغ عالي السرعة، المتوقع تشغيله في يونيو 2023، مشروعًا رائدًا للتعاون بين الصين وإندونيسيا في إطار مبادرة الحزام والطريق. عند اكتماله بالكامل، سيكون أول خط سكة حديد عالي السرعة في إندونيسيا وجنوب شرق آسيا بأكمله. وهذا الشهر، تجاوزت الكمية الإجمالية للبضائع المنقولة بواسطة سكة حديد الصين-لاوس 10 ملايين طن، حيث بلغت قيمة نقل البضائع عبر الحدود 1.7 مليار دولار. تنافس مع الصين إذا أراد بايدن التنافس مع الصين في المنطقة, ماذا يمكن أن يقدم? واشنطن بعيدة كل البعد عن أن تكون قادرة على تقديم حوافز مطابقة تمامًا لما تقدمه الصين لدول آسيان, وفي نفس الوقت تطلب من هذه الدول التنسيق مع التحركات الأمريكية المناهضة للصين، مما يعرض مصالحها في العمل مع الصين للخطر. في النهاية، كل ما يمكن للولايات المتحدة القيام به هو تقديم نداءات أخلاقية وتكديس الضغط السياسي، بهذا الصدد قال تشين, أن آسيان لن تدخل صراعًا مع الصين من أجل المبادئ, لكن دول الرابطة ستحافظ على علاقاتها مع الولاياتالمتحدة رغم ذلك لتحافظ على ثقلها الدبلوماسي والجيو سياسي. ولهذا السبب حتى لو كانت آسيان سعيدة برؤية علاقات وثيقة مع الولاياتالمتحدة، فإنها ستظل حذرة تجاه واشنطن. "إن الحكومات والقادة الحاليين لدول الآسيان الرئيسية براجماتية نسبيًا. قد تحصل الولاياتالمتحدة على عكس ما تتمناه – قد تزيد الآسيان من تعزيز موقفها من عدم الانحياز ومركزية الرابطة واستقلالها الاستراتيجي". ملاحقة استراتيجية لاحظ مراقبون أن النهج الإستراتيجي الأمريكي أصبح سهل التتبع: الولاياتالمتحدة تلاحق الصين إستراتيجيًا.فهي لا تحاول استمالة دول آسيان فقط, بل كثير من دول المحيط الهادئ وأفريقيا, وهي تشرع في ذلك بعد أن تصل علاقات هذه الدول إلى أعلى درجاتها مع الصين. إلى أى مدى ستذهب الولاياتالمتحدة صوب إفساد علاقات الصين مع بقية العالم؟ ما هي الإمكانيات المتوفرة للولايات المتحدة لكي تتبع سياسة العصا والجزرة مع شركاء الصين الكثر حول العالم؟ لا أحد يعلم إلى مدى سيضحي الأمريكيون لمواجهة الصين التي أصبحت أمرًا واقعًا. الصين والرابطة بالنسبة لدول رابطة آسيان على الأقل, تعد الصين بمساعدة هذه الدول بالأتي, حسب كلمة رئيس وزراء الصين الذي حضر القمة, 1- أن تساهم في تقوية سلاسل الإمداد بين هذه الدول, 2- دعم التنمية الصناعية وبالأخص في الدول المتأخرة في هذا المجال. 3-تقوية الاقتصاديات لتكون منيعة ضد الصدمات الخارجية عبر شبكات الدعم المالي وأنظمة تخزين السلع واستدامة الخدمات 4- العمل على تحقيق مزيد من التناغم الثقافي بين دول المنطقة 5- وكل ذلك يأتي كمقدمة لتحقيق الهدف الأكبر وهو الحفاظ على مشروع طويل الأمد للتنمية المستدامة في المنطقة على ضوء التقسيم العادل للفوائض بين الدول الأطراف. لم تذكر الصين مبالغ مالية معينة عبر رئيس وزرائها, لكن حصيلة الاستثمارات المشتركة بين الصين ودول آسيان يتجاوز 60 مليار دولار في العامين الماضيين فقط, مما يجعل المقارنة, أو بالأحرى المفاضلة, بين الصينوالولاياتالمتحدة أمرًا غير وارد.