وزير قطاع الأعمال أم تصفية الأعمال؟ د. جودة عبد الخالق كنت أنوي متابعة الحديث في ِشأن الحوار الوطنى. لكن إعلان هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، منذ أيام عن تصفية شركة النصر لصناعة الكوك جاء صادمًا، وإن لم يكن مفاجئًا. لذلك رأيت التصدي لهذا القرار. قال الوزير: "إن شركة النصر للكوك ستكون الشركة الرابعة التي تتم تصفيتها بسبب الخسائر الشديدة للشركة وعدم جدوى تطويرها". وتابع: "أن استمرار عمل شركة الكوك غير مُجدٍ، والحل الوحيد للإبقاء على الشركة هو أن تستورد الفحم الخام من كندا قبل أن تحوله إلى الفحم الكوك، ثم تعيد تصديره إلى الخارج. وهذه الآلية في العمل غير منطقية، فلها تكاليف باهظة لن تغطيها الأرباح الناتجة عنها- إذا تحققت أرباح من الأساس". فماذا نعرف عن شركة النصر لصناعة الكوك؟ شركة النصر لصناعة الكوك هي إحدى القلاع الصناعية، وإحدى كبرى شركات الصناعة في مصر والشرق الأوسط. تم إنشاؤها عام 1960 وبدأت إنتاجها 1964. تضم 4 مصانع وهي؛ مصنع الكوك والأقسام الكيماوية، ومصنع تقطير القطران، ومصنع النترات، والوحدة متعددة الأغراض. وبهذه المناسبة، فأنا أقترح تعديل لقب الوزير هشام توفيق. فبدلًا من "وزير قطاع الأعمال" يصبح "وزير تصفية الأعمال ووقف الحال". ففي العام الماضى قرر تصفية شركة الحديد والصلب المصرية، فأغلقت أفرانها وأطفأت أنوارها وأوصدت أبوابها في وجه ما يزيد على 7 آلاف عامل، تمهيدًا لبدء أعمال التصفية. وعندما أعلن الوزير تصفية شركة الحديد والصلب المصرية كتبت مقالًا بعنوان "تصفية شركة الحديد والصلب بين الحساب البورصجى والحساب الاستراتيجي". وانزعج الوزير جدًا من كلمة البورصجى، رغم أن كلامى دقيق. فمن يراجع السيرة الذاتية للوزير يلاحظ أنه لا علاقة له بالصناعة أو قطاع الأعمال العام. بل إن كل خبرته في مجال البورصات وأسواق المال. ومعلوم أن وزارة قطاع الأعمال العام قد استحدثت عام 2016 بموجب قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 127، لتتولى إدارة استثمارات الدولة المملوكة لشركات قطاع الأعمال العام التابعة لها والإشراف على تلك الشركات، ومتابعة وتقييم نتائج أعمالها وعرض تقارير دورية على مجلس الوزراء. وتختص الوزارة المذكورة في سبيل تحقيق أهدافها برسم السياسة العامة في إطار الأهداف المقررة لها، ووضع الخطط لتحقيق تلك الأهداف،. فمهمتها التنمية وليس التصفية. كما تقوم الوزارة بتنفيذ كل الاختصاصات والمسؤوليات المنصوص عليها في قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 ولائحته التنفيذية بشأن الشركات القابضة والشركات التابعة لها. ويبلغ عدد الشركات القابضة التي تتبع الوزارة ثماني شركات قابضة (هى الشركة القابضة للسياحة والفنادق، الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، الشركة القابضة للتشييد والتعمير، الشركة القابضة للأدوية والمستلزمات الطبية، الشركة القابضة للصناعات المعدنية، الشركة القابضة للنقل البحرى والبري، شركة مصر القابضة للتأمين). ويتبع هذه الشركات القابضة شركات تابعة عددها 121 شركة، بإجمالي عدد عاملين يبلغ 214 ألف عامل. إن اقتصاد بلادنا يعيش مرحلة كئيبة، عنوانها: "التصفية بدلًا من التنمية". فبالأمس تم إغلاق مصانع الشركة المصرية للحديد والصلب. واليوم قرار بتصفية شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية. والبقية تأتى. وبذلك يسدل الستار على حقبة مهمة من تاريخ مصر، لعبت فيها هذه الشركات دورًا مهمًا في تعزيز الأمن القومى للبلاد، سواء في أوقات السلم أو في ظروف الحرب. إن ما يفعله الوزير الهمام يتعارض مع نص المادة 28 من الدستور، التي تنص على أن "الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية مقومات أساسية للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحمايتها، وزيادة تنافسيتها، وتوفير مناخ جاذب للاستثمار، وتعمل على زيادة الإنتاج …". كما أنه يناقض القسم الذى أداه الوزير قبل بدء عمله، بأن يحترم الدستور والقانون وأن يرعى مصالح الشعب رعايةً كاملةً. عجبًا لحكومتنا السنية، التى تهدم قلاعًا صناعية لتبنى أبراجًا أسمنتية. ثم تتحدث عن التنمية المستدامة. وأتساءل، لو أن طلعت حرب خرج من مثواه، فماذا عساه يقول؟