بريطانيا أمام عواصف تفكيك الاتحاد القوميون يراهنون علي الفوز باستفتاء الاستقلال لندن: يسري حسين افتتح ألستر دارلنج وزير المالية السابق في حكومة العمال ، الحملة المدافعة عن بقاء الاتحاد البريطاني وإن استمراره لصالح اسكتلندا قوية وقادرة بالتعبير عن نفسها ومصالحها من خلال برلمانها المنتخب في إدنبره . واستخدم دارلنج لغة عاطفية تحرض علي رفض الانفصال والكفاح للابقاء علي الاتحاد فاعل وقادر علي تلبية طموحات المواطنين وتجسيدها . قال وزير المالية السابق إن اسكتلندا قوية طالما إنها في قلب الاتحاد البريطاني وغير منفصلة عنه ، لأن الخروج عن الصيغة الراهنة معناه الضعف وليست القوة علي الاطلاق. تدشن حملة دارلنج التفاف السياسيين من مختلف الاحزاب للدفاع عن الاتحاد لمواجهة حملة الحزب القومي الاسكتلندي المحرضة علي الانفصال والخروج منه واعلان الاستقلال الكامل بعد معرفة نتائج الاستفتاء الذي سيعقد بعد عامين من الآن . وقد بدأت الحملة من جميع الاطراف لتهيئة الناخبين لدخول هذه المنافسة بين «لا للاستقلال» و«نعم لإعلانه وتفكيك الاتحاد الذي ظل يعمل لأكثر من ثلاثة قرون ويضم بجانب انجلترا اسكتلندا مع ويلز بالإضافة إلي أيرلندا الشمالية . انفصاليون انتعشت الآمال القومية الاسكتلندية التي يغذيها الحزب القومي هناك بزعامة أليكس سامون الذي أصبح الوزير الأول ويسيطر علي نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان . وبينما كان ألستر دارلنج يخطب في جامعة «إدنبره» للمحافظة علي الاتحاد البريطاني ، كان أنصار الانفصال يهتفون ضد سيطرة «لندن» ويعلنون عزمهم علي بناء دولة مستقلة بعيداً عن نفوذ الإنجليز والعرش . الحملة القوية للانفصال تستقطب نسبة كبيرة من الاسكتلنديين ويتبرع لها أثرياء ومشاهير مثل الممثل المعروف شون كونري الذي أدي أدوار جيمس بوند . وإذا كان «كونري» الممثل قام بدور الجاسوس المدافع عن ملكة البلاد والعرش ، فإنه متحمسا للغاية لانفصال اسكتلندا ، علي الرغم انه يقيم في جزر الباهاما ويعيش علي أرضها . وقد تبرع كونري لحملة الانفصال وتأييد التيار القومي الداعي للاستقلال . وقد اشار دارلنج في خطابه إلي أن حملته لن تستقبل تبرعات من شخصيات ثرية تقيم خارج البلاد ، مما يعني الهجوم علي الممثل المعروف الذي منحته ملكة بريطانيا لقب «سير» لتكريمه لأدواره الرائعة علي شاشة السينما . حفاظا علي الاتحاد إذا كان شون كونري يؤيد الانفصال فإن شخصيات اسكتلندية مرموقة مع الاتحاد واستمراره وتدافع عنه . وقد تجمع العشرات من ألوان الطيف السياسي والحزبي في «إدنبره» لتدشين الحملة مبكراً وتهيئة الرأي العام وحثه علي البقاء مع الانجليز وغيرهم من قوميات أخري للمحافظة علي المملكة المتحدة وتأكيد أن ذلك في صالح اسكتلندا . وعلي الرغم من حملة دارلنج غير أن المشاعر القومية الاسكتلندية انتعشت خلال السنوات الماضية . وأدي تكوين البرلمان المنتخب هناك لزيادة الشعور بالشخصية القومية وإن من مصلحتها الخروج من الاتحاد والانضمام إلي المجموعة الأوروبية وتبني عملتها الموحدة لتحقيق ازدهار يتحدث عنه القوميون إذا خرجت اسكتلندا من قبضة السلطة القائمة في لندن . وقد وصل اسكتلندي إلي رئاسة وزراء بريطانيا هو جوردون براون ، بالإضافة إلي عشرات الوزراء في قلب الحكومة الحالية والأخري السابقة ، مع انتعاش الحياة في اسكتلندا نتيجة حوافز اقتصادية وحصولها علي منح من الاتحاد الأوروبي وارتفاع معدل السياحة إليها من دول القارة . هناك قناعة لدي التيار القومي بأن الخروج من الاتحاد سيمكن اسكتلندا من السيطرة علي ثروتها النفطية الموجودة في بحر الشمال . وهذا فقط يمول طموحات التنمية والانتقال إلي واقع جديد بعد سنوات طويلة داخل القيود التي كانت تفرضها حكومات سابقة لصالح «لندن» مما أضر بنمو جلاسجو وإدنبره . وقد تضرر الاسكتلنديون خلال حكم ماجريت تاتشر إذ انهارت الصناعات التقليدية الثقيلة وتلاشت صناعة السفن في موانئ البلاد وعم الكساد الذي أفرز الأمراض الاجتماعية الخطيرة من إدمان وغيره . عانت اسكتلندا لسنوات طويلة ، حتي بدأت مرحلة جديدة انتهت بإعلان البرلمان الذي استرد بعض السلطات لإدارة البلاد وشؤونها الداخلية . وقد انتعش التيار القومي بتأكيده علي تاريخ مميز وثقافة تخص السكان تمنحهم هوية وخصوصية واضحة تعبر عن اختلافهم عن جيرانهم الانجليز والقوميات الأخري . وقد سمح النظام البريطاني في تطوره واصلاحه لتحقيق هذا الانفراج في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية ، ضمن حملة مهمة لتقوية الاتحاد بالاعتراف بالقوميات الاخري وتشجيع استخدام لغتها وتنمية ثقافاتها . لا يرضي القوميون بما تحقق لأن هدفهم هو الاستقلال ورفع راية اسكتلندا المستقلة علي مؤسسات الدولة الجديدة التي يحلمون بها وانهاء الارتباط التاريخي مع «لندن» التي تعمل لصالحها فقط وذلك خلال عقود طويلة بينما تراجعت التنمية وفرص العمل داخل اسكتلندا في عقود سابقة ، مما شجع علي هجرات إلي الخارج خصوصاً الولاياتالمتحدةالأمريكية . شبه استقلال استطاع النظام البريطاني ادخال اصلاحات متتالية خصوصاً مع تولي حزب العمال السلطة في عام 1997 والافكار التي حملها ومنحت اسكتلندا برلمانها الخاص في العاصمة ادنبره . كذلك حصلت ويلز علي مجلسها النيابي مع اعطاء أيرلندا الشمالية حق تكوين البرلمان الذي أدي لانهاء الحرب التي اشتعلت لمدة 30 عاماً واسقطت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل . الاصلاح السياسي الذي قاده حزب العمال بزعامة توني بلير في هذا الوقت ، عبر عن موجة جديدة اعترفت بالحاجة إلي التجديد وتطويق الخلافات السياسية في أيرلندا الشمالية بالذات بالإطار السياسي الذي يسمح بقبول المتمردين الحاملين للسلاح وينهي استخدامهم للعنف بفتح النوافذ السياسية أمامهم . خطر التفكيك وقد منح البرلمان في استكلندا قوة دفع هائلة يريد القوميون استغلالها لقيادة البلاد نحو الاستقلال وترك الاتحاد البريطاني بالكامل . والنخبة الاسكتلندية التي قادت التغيير عندما كانت علي رأس حزب العمال ، تدرك أن تفكيك الاتحاد خطر وإنه يمكن تحقيق المطالب الأخري عبر نضال سياسي داخل البرلمان الاسكتلندي نفسه للحصول علي المزيد من الصلاحيات الاضافية التي يحتاجها لتأكيد هيمنته وشرعيته . يقف رئيس الوزراء السابق جوردون براون مع ألستر دارلنج ومجموعة من أبناء النخبة السياسية الاسكتلندية علي رأس تيار المحافظة علي الاتحاد لأنه يمكن من خلال تحقيق المزيد للإبقاء علي اسكتلندا قوية في داخل هذه المنظومة لصالح كل الاطراف . غير أن القوميين يحلمون بالاستقلال عن بريطانيا فقد اشتاقوا لعودة اسم «اسكتلندا» واقامة هذا الكيان المستقل بعد اختفاء طويل لأكثر من ثلاثة قرون داخل أحضان هيمنة القومية الانجليزية . أصحاب هذا الحلم القومي لا ينظرون إلي الواقع حيث إن الاتحاد استطاع تطوير نفسه ليستوعب هذه الطموحات ويجعلها تعبر عن ذاتها . كان ممنوعاً في السابق استخدام اللغة القومية ، أما الآن فلدي «ويلز» محطة تليفزيونية تتحدث بلغة البلاد القديمة . وعندما كان الستر دارلنج يخطب في جامعة «إدنبره» كان معارضون يكتبون بلغة اسكتلندية عتيقة شعارات ترفض هيمنة «لندن» . الجدل بين الفريقين حاد وساخن والحملة بدأت والمعركة طويلة وكل طرف يحلم بتحقيق أهدافه عبر صندوق الانتخاب ، إما بالانفصال عن بريطانيا أو البقاء بين وحدتها وتحت سيادة العرش الذي تجلس عليه الملكة إليزابيث الثانية .