مع القراء في ذكرى 6 أكتوبر د.جودة عبد الخالق ليس ثمة ما يسعد الكاتب أكثر من أن يسمع صدى لما يكتب. ولا يهم أن يكون هذا الصدى من منطلق الاتفاق أو الاختلاف. فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، خصوصا في مسألة وجودية مثل 6 أكتوبر. بعد نشر "لقطات" الأسبوع الماضى عن الذكرى 48 لحرب أكتوبر، أسعدنى أن تلقيت عددا من التعليقات من القراء الأعزاء. ونظرا لضيق المساحة، أختار تعليقين يمثلان جيلين مختلفين: واحد من الجيل الذى عاصر الحدث، وآخر من الأجيال الجديدة. فمن الجيل الذى عاصر الحدث، علق السفير الدكتور فاروق مبروك قائلا: "… تحياتي وسلامي …. مقالة هامة عن اليوم الخالد 6 أكتوبر، الذي لولاه لكنا نتمرغ في وحل 67 حتي الآن. ولك كل الحق في أن الجندي المتعلم كان هو الفارق الأساسي. قال موشيه دايان إن الفارق الأساسي بين 67 و 73 هو الجندي المصري … ولك كل الحق في ضرورة الاهتمام بمشكلة الأمية، والتي هي وصمة في جبين كل مصري. وأضيف كذلك الاهتمام بمشكلة الانفجار السكاني، فمصر تزيد بما يعادل دولة متوسطة الحجم كل سنة." ومن الأجيال الجديدة، تلقيت مكالمة هاتفية طويلة من آمال رضا، وهى احدى تلميذاتى. أختصر هنا أهم ما جاء فيها في نقطتين، مع بعض التصرف. الأولى، أنه يؤخذ على طريقة الاحتفال بالذكرى انها تقليدية بنفس الشكل منذ اكثر من 40 عاما، وبالتركيز على اجتياح خط بارليف. ولا يوجد أي ابتكار في احياء هذه الذكرى العظيمة. وهذا جعل البعض من الجيل الجديد يسخر من طريقة اجتياح خط بارليف بالكوميكس والنكات، مما يقلل من عظمة الحدث ومن حجم الانتصار. وربما كان التغيير الوحيد هو استحداث فكرة "الندوة التثقيفية للقوات المسلحة". إن فكرتها جديدة ومختلفة. والثانية، انه يجب تسليط الضوء أكثر على انتصارات مصر القانونية والدبلوماسية في استرجاع باقي الأرض، لأنها لا تقل أهمية عن الانتصار العسكري. فالبعض يروج لفكرة أننا لم ننتصر في 6 أكتوبر، وإنما كان تقدما لنا في معركة واحدة، أعقبه انتصار لإسرائيل في معارك كثيرة، وأن اتفاقية السلام أتت لتصحيح هذه الخسائر. كما جمعتنى جلسة حوار مثير مع عدد من الأصدقاء من أجيال مختلفة ومن مشارب متنوعة ممن قرأوا المقال ولهم وجهات نظر. ودار الحديث فيها عن هذه الذكرى. ناقش الأصدقاء إجابة سؤالى عن سبب ضعف الاهتمام الشعبى بذكرى 6 أكتوبر، رغم أن الشعب هو البطل الحقيقى. فمنهم من قال إن نقص الخيال وغياب الابداع في الاحتفال بالمناسبة هو السبب. ومنهم من فَسَّر ضعف الاهتمام الشعبى بأن أكثر من نصف سكان مصر شباب لم يعاصروا الحدث. وهناك من قال ان السبب هو فشل الاعلام في تسليط ضوءٍ كافٍ على الحدث. وعزا آخرون السبب الى أن الفن، بالذات الدراما التليفزيونية والسينمائية، لم يعط هذا الحدث الكبير ما يتناسب مع عظمته. وأشاروا في هذا السياق الى الأفلام التي ظهرت في الغرب عن الحرب العالمية الثانية، مثل فيلم دانكيرك. فمثل هذه الأعمال الدرامية تحفر الحدث في وجدان الناس، فلا ينسونه أبدا. ومن الأصدقاء من أضاف أن توقيع معاهدة السلام في مارس 1979 وإعلان أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، أزال الغطاء السياسى اللازم لإعطاء المناسبة حق قدرها. الخلاصة أن هناك دروسا كثيرة يمكن استخلاصها بهذه المناسبة. ولكنى أُشَدِّد على الدور الحاسم للإنسان. نحن نتحدث هنا عن انسان جديد. فالجندى الذى حارب في 1973 عسكرى مؤهلات، وليس أميا كالذى حارب في 1967. وما أشد حاجتنا الى استدعاء هذا الدرس في المرحلة الحالية من تاريخ وطننا. مثلا، عندما نتحدث عن تطوير الريف المصرى،لا بد لنا من خلق الانسان الجديد الذى سيعيش فيه، وإلا انتكس الوضع وعاد الريف إلى سابق عهده بمرور الوقت. ولا يمكن الحديث بجدية عن مدن الجيل الجديد أو المدن الذكية تاركين نفس الانسان القديم ليعيش في هذه المدن. ونقطة البداية في خلق الانسان الجديد هي القضاء على أمية الانسان المصرى، وتطوير تعليمه وتأهيله وتعديل قيمه. ويرتبط بذلك أن ندرك أن أكثر من نصف سكان مصر هم من الشباب. وهم يحتاجون إلى طرق جديدة ولغة جديدة للتواصل معهم، بل والاستماع إليهم. فكما قلت مرارا وتكرارا، ان الشباب هم الرقم الأصعب في معادلة مجتمعنا. وهم ثروته الحقيقية، وليس البترول أو الغاز أو العقارات، كما يتصور مسئولونا.