ماجدة موريس علي كاڤيتريا سمارة في بور سعيد كان اللقاء، وعلي منضدة صغيرة في ممر طويل جلس البدري فرغلي يرد علي أسئلة محمود سعد الذي ذهب إليه لحوار في برنامجه «باب الخلق»، وانطلق ابن بورسعيد الأصيل يحكي عن «سمارة» الكاڤيتريا التي كانت خندقا للشعب كله في فترة حظر التجول قبل 30 يونيه، «كانوا يلعبون فيها وقت الحظر الطاولة والدومينو ويغنون علي السمسمية، وينامون حين ينتهي الحظر» هكذا بدأ الرجل حديثه مرتديا نظارة سوداء، ومعلقا علي سؤال سعد له بأنه لم يجد معلومات كافية عنه قبل الحوار قائلا «حياتي كانت صعبة»، ونعرف أنه كان من عمال الشحن والتفريغ في الميناء منذ عام 1956 ولم يترك هذا العمل إلا عام 1990 اي 34 عاما قبل أن يترك عمله ليصبح نائبا في مجلس الشعب «طلعت م المينا ورحت لمجلس الشعب، وقعدت أربع دورات، أصل أنا مش منحاز للناس، «انا واحد منهم»، وحين يسأله عن كيفية ذهابه لمجلس الشعب يرد بجملة قصيرة، مش بأيدي!. مشكلتي انني من بورسعيد في البرنامج الذي عرض في يوليو 2018 تحدث البدري فرغلي عن محبته لبلده هكذا «مشكلتي أني من بورسعيد»، والسبب في رأيه أنها بلد متطرفة وطنيا، ومتطرفة في الحرية، وحكي عن أماكن إقامة الأجانب، اليونان والطليان وغيرهم، في بورسعيد زمان، وعن أماكن إقامة المصريين، وأشار الي الكاڤيتيريا وما حولها مؤكدا انها كانت أماكن الأجانب وكان محظور علي أمثاله من قاطني حي العرب الحضور اليها، كان الهوي بكل ماهو مصري مسيطرا وقتها«حتي النادي الرياضي اسمه النادي المصري»، مؤكدا ان ما مر به البورسعيديون من أحداث جعلهم متطرفون وطنيا، وجعل كل شاب منهم جاهزا بسلاحه، وفي حروب 56، وما بعدها شهدت أحياء المدينة احتشاد أبنائها للدفاع عنها، مع احترامهم لحريات الاجانب. قرأت وتعلمت أثناء عمله في الميناء، استطاع أن يحصل علي ثقة زملائه، وحصل علي عضوية مجلس محلي مدينته، وساهم في تهدئة أحوال أبنائها أثناء فترات القلق واشتباكات الشوارع فطلبوا منه الترشح لعضوية البرلمان، ولم يدفع مليما واحدا للدعاية لنفسه، ولكن أبناء المدينة تكفلوا بهذا، فقد كان تاريخه يسبقه حتي قبل العمل في الميناء، حين انضم مبكرا للمقاومة الشعبية ضد الإسرائيليين بعد نكسة 67، وساهم مع زملائه في إعادة ترميم ممرات مطار «شاوة» من ألغام زرعتها القوات الإسرائيلية في حرب اكتوبر73، وقبلها كان قد تقدم لعضوية منظمة الشباب الاشتراكي في مطلع الستينات وعمره 17 سنة ليتعلم منها الكثير ثقافيا وليقرأ لكبار الكتاب في الأدب مثل مكسيم جوركي وديستو فسكي وليركز علي الجانب الاجتماعي ويدرك أهمية العدالة وتعلم مبكرا ان يقف مع مطالب غيره، الي جانب ما تعلمه سياسيا وحين بدأ العمل الحزبي في عهد السادات انضم الي حزب التجمع، وعرف الطريق الي المعتقلات بسبب انحيازاته، «في البرنامج سمي سجن طرة بأنه منتجع طرة»، وبرغم كل هذا، وبرغم مسؤولياته العائلية «ستة أبناء وأحفاد كثيرون»، إلا ان البدري فرغلي كان يجد سعادته في الدفاع عن الناس الذي يجد نفسه واحدا منهم، برغم تعرضه لضغوط، وإغراءات كثيرة «وتهديدات أيضا» طوال فترة حكم مبارك التي قدم خلالها اكبر عدد من الاستجوابات قدمه نائب في مجلس الشعب، وحكي عن احد وزراء الإسكان وقتها والذي انتقد قراراته، فطلبه ليقول له أنه مستعد لنقله من عامل الي رجل اعمال، وبالطبع رفض، فما كان من الوزير إلا ان اتهمه بأنه «غاوي فقر»، فرد عليه قائلا بأنه- أي الفقر- صديق له، ملازمه منذ ولادته، فكيف يتركه؟!، وهكذا استمر الرجل يدافع عن حقوق كل المصريين، وبعد أن ترك المجلس، دخل في معركة أخرى، كبري، هي حقوق اصحاب المعاشات قائلا «دول اكتر من تسعة ملايين منتشرين في كل ربوع الوطن فكيف اتركهم» ولسنوات استمر يناضل من اجل استرجاع حقوقهم حتي حصل علي حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا باستعادة هذه الحقوق، وبأثر رجعي أنه أشبه بأبطال الملاحم التراچيدية التي نقرأ عنها، لكنه إنسان مثلنا يمتلك كل ملامح البطولة، ومنها كلماته الأخيرة في البرنامج حين سأله صاحبه «لك أكثر من خمسين عاما تكافح.. ما زهقتش؟؟» فرد عليه بهدوء «لا من المهد إلي اللحد، ولحد آخر نفس أنا بخاف جدا من ربنا». رحم الله البدري الذي يستحق ان نضع قصته في المناهج الدراسية الجديدة.