شهدت استوديوهات السينما في السبعينيات حالة غير مسبوقة من النشاط لنجم جديد على الساحة, وكلت إليه جميع الأعمال الرومانسية إلا فيما ندر, ليصبح مع مرور سنوات قليلة مستحوذا علي المشهد التمثيلي في حضرة نجوم من الكبار والصغار, حيث أحدثت طلته دويًا كبيرًا جعل عيون صناع السينما تتجه إليه وتقذف عليه تلالا من السيناريوهات ليدشن مرحلة جديدة ارتبطت باسمه وأعماله, ويفسر هذا الأمر أنه صاحب أكبر رصيد من الأعمال بين أبناء جيله (257), ومن ثم تحلقت الجماهير حوله مستبشرة خيرا ومنسجمة مع كل ما كان يقدمه, أن محمود يس (2 يونيو 1941 – 14 أكتوبر 2020) الممثل الاستثنائي كان حالة استثنائية وفريدة أطعمت كادرات السينما بمشاهد خالدة. ففي مسرحية "عودة الغائب" كان أوديب المهموم بالحكم والنسب يقدم مونولوجه الخالد الملئ بالانفعالات, المشحون بردود الأفعال المتباينة والصادمة.. مونولوج تمثيلي يؤكد أن المكانة لا تكتبها الافيشات, بل تخلق في الأساس علي خشبة المسرح, وكان بارعا بدرجات مذهلة, تجعل منه وبحق رقما صحيحا في عبارة مليئة بالشجن والشغف واجترار كل ما هو ملهم. في أسرة بورسعيدية نشأ محمود يس, كان ترتيبه السادس في عائلة تتكون من 13 فردا, الأب والأم و11 اخا واختا, جميعهم تلقوا تعليمهم, الأم ست بيت, والأب كان يعمل في هيئة قناة السويس, تفتح وعيه الفني في مرحلة الاعدادية ومن خلال الانضمام الى فرقة الكشافة التي كانت تقدم فقرات فنية متنوعة في صحبة زملاء الصبا سمير العصفوري والسيد طليب وعباس احمد, ثم التحق بعد ذلك بفرقة نادي العمال والتي قدم بها أعمالا مسرحية مع أقرانه الهواة, ولقي حفاوة المحيطين ومباركة والده التي كانت حافزا للاستمرار, وفي مكتبة أخيه الأكبر (فاروق) التهم كنوز الكتب والتي مثلت الرافد المعرفي والنافذة التي أطل منها علي الثقافة والآدب في المناحي كافة, وقبل أن ينتهي من المرحلة الثانوية, مما دفعه مع أصدقائه لتكوين فرقة مسرحية باسم (الطليعة). وعندما جاء إلى القاهرة كانت رغبته فى الالتحاق بمعهد التمثيل, لكن والده عزز التحاقه بكلية الحقوق وامتثل للامر, ومن أول يوم بدأ يبحث عن مسرح الكلية, الذي سبقته شهرته إليه من خلال بلدياته سمير العصفوري, وفي مسرح الكلية كان يأتي إليهم عبدالرحيم الزرقاني ليخرج لهم أعمال مسرحيات وتعلم منه الكثير, وتطور الأمر وبدأ محمود يس يخرج أعمالا مسرحية للكلية ومن ثم للجامعة, من خلال نصوص محلية وعالمية, وامتد الأمر حتي لما بعد التخرج سواء في الكلية وفي أماكن أخري أكسبته خبرات, وعندما قرر المسرح القومي قبول دفعة جديدة من خريجي الجامعات تقدم للامتحان, لكن ظهور مسارح التليفزيون كان أسرع في إجراء مسابقة أخري تقدم لها وحصل علي المركز الأول, ولم يحالفه الحظ في الحصول علي دور في أي عمل مسرحي, ثم قرر المسرح القومي إجراء مسابقته لاختيار وجوه جديدة وحصل علي المركز الأول في أدب المسرح والتمثيل بالعامية والفصحي. عندما حصل علي الليسانس تم تعيينه مفتش تحقيقات في محكمة بورسعيد, لكنه لم يستلم الوظيفة وظل بالمسرح القومي, وبعد فترة شارك في مسرحية "الندم" وبعض الأدوار الصغيرة, حتي تم تعيينه في المسرح القومي عام 1967, إلا أنه صوته كان فاتحة خير في ترشيح المخرجين له في أعمال مسرحية مثل (الحلم- حلاوة زمان- وطني عكا), وفي مسرحية (الزير سالم), نال استحسان المتابعين له, لكن المسرحية الفاصلة في بزوغه وظهور نجمه كانت "ليلة مصرع جيفارا" والتي لقت حفاوة إعلامية كبيرة, وبسببها رشحه صلاح أبوسيف لدور البطولة في فيلم (القضية 68), كما عمل في التليفزيون في (الرجل الغامض) و(الرقم المجهول), اختاره يوسف شاهين في دور البطولة لفيلم "الاختيار" وبالفعل وقع العقد, واشترط عليه التفرغ التام, حتي جاءته فرصة الوقوف أمام شادية في "نحن لا نزرع الشوك" ونظرا لتأخر البدء في تصوير "الاختيار" وافق علي عرض حسين كمال, ووقع معه رمسيس نجيب عقد احتكار لفيلمي (اختي – الخيط الرفيع), وبدأت مسيرته الفنية تأخذ شكل الاحتراف. قبل حقبة السبعينيات قدم محمود يس 5 أفلام هي (الرجل الذى فقد ظله 1968 – 3 قصص 1968 – القضية 68- شيء من الخوف 1969- حكاية من بلدنا 1969), وجميع الأعمال لم تكشف بعد عن قدرات محمود يس التمثيلية لكنها كانت تحمل دلالات عن ممثل جيد يمتلك أدوات تمثيلية عالية, في عام 1970 انتجت السينما حوالي 47 فيلما, كان لمحمود يس فيلم واحد وهو (نحن لا نزرع الشوك) للمخرج حسين كمال وأمام شادية في دور محوري وأساسي واستطاع من خلاله أن يلفت إليه الأنظار, في عام 1971 قدم أيضا فيلمين (أختي) أمام نجلاء فتحي, و(الخيط الرفيع) أمام فاتن حمامة, وهي خطوة كان لها تأثير ايجابي من بعد وقوفه أمام شادية ليجمع بين هذين الهرمين الكبيرين, ويبدأ في الانطلاق بقوة حيث بدأت النجمات الكبيرات توافق على العمل معه وهو مازال يتحسس خطاه. في عام 1972 يحدث انقلابا بتقديم 10 أفلام, وهو أمر ليس هينا كونه بطلا منها: (أنا وابنتي والحب- أغنية علي الممر- الشيطان امرأة- أنف وثلاث عيون- حكاية بنت اسمها مرمر- صور ممنوعة- شباب يحترق- حب وكبرياء- العاطفة والجسد- الزائرة). وفي 1973 قدم 3 أفلام هي (امرأة سيئة السمعة- الحب الذي كان – ليل وقضبان), وفي 1974 يضرب ضربته الثانية ب 10 أفلام منها ثلاثة أفلام عن حرب أكتوبر, وهي (الوفاء العظيم, نجلاء فتحي– الرصاصة لا تزال في جيبي) ثم (امرأة للحب – أين عقلي- قاع المدينة – الساعة تدق العاشرة – غابة من السيقان – العذاب فوق شفاه تبتسم, – حبيبتي) وهو فيلمه الثاني أمام سيدة الشاشة, وهو الوحيد من جيله الذي قدم معها ثلاثة أعمال, لازال محمود يس يحتل الصدارة سواء من ناحية القيمة الفنية أو الانتشار الكبير الذي جعله يجسد العديد من روايات كبار الكتاب مثل أمين يوسف غراب وإحسان عبد القدوس. في عام 1975 أصبح محمود يس الورقة الرابحة للمنتجين والمخرجين ليواصل تميزه واحتلاله القمة بتقديم 10 أفلام متنوعة ومميزة وهي (على من نطلق الرصاص-حب أحلى من الحب- على ورق سيلوفان- لا تتركني وحدي- وانتهى الحب- الظلال في الجانب الآخر- سيدتي الجميلة- الكداب-سؤال في الحب – جفت الدموع), في 1976 يتربع محمود يس علي القمة بسبعة أفلام وهي (دقة قلب- عندما يسقط الجسد- صانع النجوم – مولد يا دنيا- لا يا من كنت حبيبي- ليتني ما عرفت الحب- العش الهادئ) وفي الأخير يقف أمام برلنتي عبد الحميد، وكأن اسمه الوحيد المطروح للوقوف أمام الكبيرات. في عام 1977 مع ازدحام القمة بالأسماء تقلصت بعض الشيء أفلامه, لكن ظلت القيمة الفنية غالبة علي اختياراته ويقدم 4 أفلام هي (همسات الليل- العذاب امرأة- أفواه وارانب- أين المفر), وفي 1978 يقدم 4 أفلام وهي (الصعود إلى الهاوية- رحلة النسيان- أذكريني- قاهر الظلام) شكلت علامات مهمة في تاريخه السينمائي, وأصبح الاختيار الأول في الادوار التراجيدية والقاتمة حيث ابلي بها بلاء حسنا. ويقدم أيضا ثلاثة مسلسلات (كفر نعمت- بعد الضياع- القرين), كما قدم أيضا مسرحية "عودة الغائب" أمام عايدة عبد العزيز, وكانت حدثا مسرحيا فريدا. وفي 1979 يقدم فيلمين (ولايزال التحقيق مستمرا -الشك يا حبيبي) وإن كان ذلك لا يخفي تراجعا في عدد الافلأم والذي سيتضح في الأعوام اللاحقة. في 1980 يقدم محمود يس 6 أفلام وهي (وقيدت ضد مجهول – الشريدة- الباطنية – الأقوياء – اللصوص- الأخرس) باستثناء الباطنية لازال يحتفظ بكتابة اسمه رقم واحد علي الأفيش. ويساهم في الدراما بعملين الأول مسرحية (أوبريت ميلاد أمة) والثاني مسلسل (الابلة), وفي 1981يقدم 7 أفلام (مع تحياتي لأستاذي العزيز- مين يجنن مين؟ – دندش- علاقة خطرة- مرسى فوق ومرسى تحت- الوحش داخل الإنسان- رجل بمعني الكلمة) الفيلم الأول هو باكورة إنتاجه السينمائي أمام نيللي. ويقدم ثلاث مسلسلات (ميراث الغضب- بعثة الشهداء- البرئ), وفي 1982 يقدم 5 أفلام (رحلة الشقاء والحب- وكالة البلح-المحاكمة- أشياء ضد القانون- الثأر) مازال محمود يس يكتب اسمه أولا باستثناء نادية الجندي التي تسبقه, ثم يقدم أوبريت (حمام القدس), ومسلسلين (ابن سينا- كل هذا الحب), وفي 1983 يقدم 8 أفلام (وداد الغازية- إن ربك لبالمرصاد- سجن بلا قضبان- أسوار المدابغ – العربجي- عالم وعالمة – السادة المرتشون- حادث النصف متر), تبدو القمة مستقرة بعض الشيء ودون تغييرات جوهرية, كما يشارك شويكار مسرحية (الزيارة انتهت). وفي 1984يقدم 3 أفلام في تراجع ملحوظ في نوعية الأفلام (الشيطان يغنى- النشالة – الطائرة المفقودة), ويقدم مسرحية (وا قدساه) و5 مسلسلات (جمال الدين الأفغاني- غدا تتفتح الزهور- محمد رسول الله ج4- الزير سالم- أخو البنات). في عام 1988ينتقل محمود يس لطبيعة أدوار مختلفة بمرحلة سنية متقدمة نوعا ما من خلال 5 أفلام وهي (رجل ضد القانون- الأب الشرعي- نواعم -أيام الرعب- الطعم والسنارة)، وتشاركه بوسي بطولة مسلسل (اللقاء الثاني), وفي 1989 يقدم مسلسل "بنات زينب", ولم تشهد الساحة له أفلام, لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما, لكنه كان مشغول بتقديم عرض "أهلا يا بكوات" والتي لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا, وفي 1990 يقدم محمود يس الذي ابتعد عن جماهيرية الشباك فيلمين (ليل وخونة- عودة الهارب)، لكنه يتواجد في الدراما التليفزيونية بقوة من خلال 4 مسلسلات (نقطة تحول- مذكرات زوج- كنوز لا تطبع- اليقين). وفي 1990 يعافر بفيلم (تصريح بالقتل)، ومسلسل واحد (الحكم مؤجل), وفي 1992 يستسلم في الاختيارات من خلال 3 افلام (الفضيحة – الستات- الشجعان)، وفي 1993 فيلمين (امرأة تدفع الثمن- طعمية بالشطة)، كما يقدم ثلاث مسلسلات (سور مجري العيون- السحت- اهل الطريق) ومسرحية (الخديوي). وفي 1994يقدم (ثلاثة علي مائدة الدم- ليه يا دنيا) في فترة عمرية كانت الاعمال الدرامية ملاذا ومنفذ أخير للنجومية السينمائية التي لم تبقي غير أدوار عادية لا تستوعب القدرات التمثيلية العميقة التي اكتسبت عبر سنوات طويلة، لكن يجد مكانا متسعا في الدراما ويقدم (الطوفان- اهل المنيرة). في منتصف التسعينيات ظهرت علي السطح شركات انتاج جديدة مقتحمة السوق بعد تراجع الشركات الكبيرة، ويحمل كثير من نجوم متاعهم الي استوديوهات الدراما، ربما هذا ما دفعه لإنتاج فيلم (قشر البندق) وقام بالتمثيل في عملين اخرين (ايام الشر- اغتيال فاتن توفيق)، وفي 1996 يمضي بلا أفلام لكنه يقدم 3مسلسلات (عزبة المنيسي- ضد التيار- السلام ختام), وفي 1997 مسلسل (الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان) وفي 1998 يعود لسينما من خلال فيلم (حائط البطولات) ومسلسلين (هزمتني امرأة- رياح الشرق), وفي 1999 يقدم (كوكب الشرق) امام فردوس عبد الحميد, و(فتاة من اسرائيل), وثلاث مسلسلات (خلف الابواب المغلقة- حلم آخر الليل- العشق الالهي), وفي عام 2000 يقدم فيلم (الاخطبوط) ومسلسل (حديقة الشر) واوبريت (القدس), وفي 2001 مسلسله الأشهر (سوق العصر), وفي 2002 مسلسلين (اللؤلؤ المنثور- العصيان ج1) وفي 2003 (العصيان ج2), وفي 2004 مسلسل (حكاوي طرح البحر), وفي 2005 مسلسلات (سلالة عابد المنشاوي- بابا من تانية رابع- التوبة), وفي 2006 مسرحية (أصوات قلبت العالم), وفي 2007 يعود للسينما مع أحمد السقا في (الجزيرة), وفي 2009 يقدم فيلم (عزبة آدم) ومسلسل (وعد ومش مكتوب), وفي 2010 مسلسل (ماما في القسم), وفي 2012 اخر ظهور سينمائي مع بشري في (جدو حبيبي), ثم المسلسل الاذاعي (نقطة نور) في 2013, وآخر الأعمال كانت مسرحية في 2014 (مصر فوق المحن).