فى وداع رجاء الجداوى.. من أين جاء كل هذا الحب؟ محمود دوير انفطرت أفئدة ملايين المصريين بالدموع وهى تودع الفنانة "رجاء الجداوى " ولم تتوقف قلوبهم عن الدعاء لها طوال 43 يوما هى مدة الحجر الصحى التى قضتها الفنانة الراحلة فى مستشفى خليفة للعزل الصحى بمسقط رأسها بمحافظة الإسماعيلية. ولكن السؤال المُلح منذ أن اصيبت "رجاء" فيروس الكورونا – كوفيد 19 – وهو محاولة تفسير كل هذا الحب الذى أحاط به المصريون "رجاء الجدواى". هى حالة لا تحدث كثيرا ربما عرفناها خلال مرض "عبد الحليم حافظ " وأحمد زكى والموت المفجع للسندريلا سعاد حسنى. الفنانة رجاء الجداوي حالات نادرة جدا فى مسيرة الفن المصرى حين تجتمع قلوب المصريين معلقة بفنان تتمنى شفاءه بكل هذه المحبه وتبكيه حزنا بكل هذه الحرقة.. حدث هذا مع "رجاء الجداوى " فأى شىء بينك وبين الله يا رجاء كي يزرع فى قلوب الناس حبا غامرا هادرا لا مثيل له.. هكذا قال المحبون.. لكن الإجابة على سؤال كهذا تستدعى العودة بالزمن 82 عاما هى عمر الراحلة حيث ولدت فى السادس من سبتمبر 1938 بمدينة الإسماعيلية ولدت " نجاة على سيد الجداوى" كان والدها من أعيان المدينة ووالدتها هى شقيقة الفنانة الكبيرة "تحية كاريوكا " وفى الرابعة من عمرها طلق والدها أمها فانتقلت مع شقيقها الأكبر فاروق إلى القاهرة مع خالتها تحية كاريوكا التي اهتمت برجاء اهتماما خاصا، والحقتها بمدارس الفرنسيسكان الأجنبية والتى اتقنت بها اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية وكانت المدرسة – داخلى – تقيم بها رجاء اقامة كاملة. كانت رجاء تقيم إقامة داخلية تابعة للفرنسيسكان، واستمرت بهذه المدارس أحد عشر عاما كاملة، وهى فتاة صغيرة ذهبت مع جدتها إلى حديقة الأندلس وفى اليوم نفسه كانت الحديثة تنظم مسابقة بعنوان "سمراء النيل " بين رواد الحديقة ويدفعها الجمهور لأن تشارك وبالفعل يحدث وتفوز "رجاء "بلقب "سمراء النيل ملكه جمال القطن المصرى والذى كان من بين أعضاء لجنة التحكيم كل من صلاح جاهين ومصطفى أمين بينما كان المخرج الكبير "هنرى بركات " متواجدا بحثا عن وجوه جديدة لعمله القادم. وأصبحت رجاء عارضة الأزياء الأولي في مصر، بعد أن رآها مصمم أزياء إيطالي شهير في مسابقة ملكة جمال القطن المصري تلقت رجاء الجداوي تدريبات كثيرة على فنون عروض الأزياء في بيت أزياء "صالحة أفلاطون" وأصبحت عارضة الأزياء الأولى في مصر، ومثلت مصر في مهرجانات دولية كثيرة، وغابت عن الفن سبع سنوات كاملة ثم عادت مرة أخرى إلى التمثيل لتشارك في أعمال كثيرة وفى عام 1986 قررت اعتزال عروض الأزياء والتفرغ تماما للفن. بداية فنية قوية فى عام 1958 قدمت أولى اعمالها مع المخرج أحمد بدرخان الفنانة نجاة الصغيرة فى فيلم "غريبة " وشهد نفس العام انطلاقة مهمة جدا لها عندما وقفت أمام سيدة الشاشة فاتن حمامة مع المخرج "هنرى بركات" فى فيلم "دعاء الكروان". وبعدها انطلقت رجاء لتمثل في عدد من الأفلام دفعة واحدة وهي نور الليل والضوء الخافت والفرسان الثلاثة واشاعة حب الذي شاركت فيه كل من النجمة سعاد حسنى والنجم عمر الشريف والقدير يوسف وهبى، وبذلك كانت "رجاء "محظوظة فى العمل مع فاتن حمامة وسعاد حسنى فى بداية مشوارها الفنى. وتعددت أعمال "رجاء " مما أثار غضب خالتها الست "تحية " التى كانت ترفض بشدة عمل ابنة أختها فى الفن وكانت تشفق عليها من متاعب تلك المهنة ومشاكلها وتعقيداتها وحدثت القطيعة بينهما لمدة ست سنوات، وعندما تأكدت خالتها من موهبة "رجاء " واصرارها " عادت الأمور وحدث الصلح وظلت "رجاء تدين لخالتها بالفضل الكبير فى حياتها الشخصية والفنية. وبعد الصلح شاركت رجاء مع "تحية" في عدد من المسرحيات التي كانت تقدمها كاريوكا مثل قهوة النوتة وروبابيكيا والتعلب فات وأثناء عرض مسرحية "روبابيكيا " فى السودان كان المنتخب القومي المصري يشارك في بطولة الامم الإفريقية التي أقيمت بالسودان، والتقت أسرة المسرحية بلاعبي المنتخب، وتعرفت "رجاء " على حارس مرمى المنتخب والنادى الإسماعيلى "حسن مختار" وتم الزواج سريعا في الثاني والعشرين من نوفمبر عام 1970 لينجبا ابنتها الوحيدة "أميرة حسن مختار". قدمت عددا كبيرا من الأعمال مع عادل امام كانت بدايتها فيلم «أزواج طائشون» عام 1976 وفي عام 1990 تقدم فيلم حنفي الأبهة وقامت بدور ضيفة شرف في في أمير الظلام والتجربة الدانماركية. كما شاركته مسلسل «أحلام الفتى الطائر» الذي عرض عام 1978 وفى المسرح عملت معه مسرحية الواد سيد الشغال ومسرحية الزعيم. يمثل رصيد "رجاء "الفنى أكثر من 300 عمل فى السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة وشاركت فى تقديم عدد من البرامج من اشهرها مشاركتها الاعلامى "عمرو أديب "فقرة "اسالوا رجاء ". كل هذا الحب بعد كل هذا نعود للسؤال الذى شغل الجميع.. من أين يأتى كل هذا الحب لرجاء وكل هذا الحزن على وداعها.. ببساطه كانت الراحلة نموذج متفرد للنقاء والإيثار لم تكن "نجمة شباك " بلغة السينما ولم تكن فتاة أحلام الشباب رغم أناقتها وشياكتها المعروفة لكنها كانت دوما انسانة قريبة منك تشعر كأنها فرد من العائلة أو زميلة عزيزة أو صديقة وفيه. هى وجه تقدره وتحترمه وتثق فيه تماما ويقدم صورة ناصعة للفنان تخلو من أى رتوش أو شوائب تعكر صفو العلاقة الوثيقة بين النجم وجمهوره . أظن أن مصدر تلك المحبة الجارفة لرجاء فى قلوب الملايين ولدى كل زملاء مهنتها كان نتيجة ما تتمتع به من الشفافيه والوضوح وتلك الروح الراضية المتصالحه مع نفسها وقدر كبير وغير عادى من التوازن النفسى الذى أسسته على الرضا والقناعة وحب الناس فكان رد الناس بمزيد من الحب.. فهى "الهانم" البسيطة بلا تكلف والأنيقة بلا مبالغة والشفافة دوما بلا شوائب.