منذ انتخابه من الشعب التونسي رئيسا للبلاد، لم يسلم قيس سعيد من الضغوط التي يمارسها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وتركيا، وقطر. إنهم يحاصرونه لكي يرضخ لهم ولكي يتحول إلى أداة في يد حركة النهضة التونسية التي يرأسها الإخواني، الثعلب، راشد الغنوشي. منذ توليه مقاليد الدولة في أكتوبر من العام الماضي، اتخذ الرئيس سعيد خطوات مهمة يرى البعض أنها ساعدت في تقليم أظافر عدة متنفذين في الدولة ممن يدينون بالولاء للوبي التركي القطري الإخواني، وممن كانوا يعملون على دعم الجماعات الإرهابية في ليبيا انطلاقا من تونس. ردت حركة النهضة سريعا على التحديات التي تواجهها، بأن حشدت الناخبين لكي تفوز في الانتخابات النيابية، بمساعدة ودعم من المخابرات القطرية والتركية، وهو ما حدث حيث تم تنصيب رئيسها، الغنوشي، رئيسا للبرلمان في نوفمبر الماضي. لقد أصبحت هذه معضلة حقيقية أمام الرئيس سعيد. الفرق بين منهج الرئيس سعيد ومنهج الإخواني الغنوشي، يتمثل في أن سعيد يريد بناء دولة وطنية ذات سيادة دون أن تتورط في أحلاف إقليمية مشبوهة مثل الحلف التركي القطري الإخواني، وهو حلف عابر للحدود يرعى الجماعات الإرهابية بكل أنواعها وجنسياتها. أما منهج الغنوشي، فهو مثل منهج التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، حيث لا يضع أي اعتبار للدولة الوطنية، ولا يلقي بالا للحدود، ولا يتعامل مع تونس إلا باعتبارها مخزنا يحتوي على أعداد كبيرة من الشباب الذين يمكن استخدامهم في حروب هلامية بزعم استعادة الخلافة الإسلامية، بينما الحقيقة هي إلقاء هؤلاء الشباب في أتون صراعات لا تخدم إلا مصالح دول أخرى منها قطروتركيا. إن السماح بالعمل السياسي لجماعة الإخوان، في أي دولة، يشبه ترك الثعابين والعقارب تحت السرير. لقد اعتمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، راعي الإرهابيين في المنطقة، على حركة النهضة التونسية، ورئيسها الغنوشي، في ممارسة الضغوط على الرئيس قيس سعيد. يسعى الرئيس التركي لاستغلال موقع تونس الجغرافي في تسهيل غزوه لأفريقيا. فقد زار أردوغان تونس منذ نحو شهرين، وخرج منها شبه مطرود، بعد رفض الرئيس التونسي توجهاته الرامية إلى التغلغل في أفريقيا عبر تونس وليبيا. لكن الغنوشي لم يصمت، وقام بزيارة مثيرة للجدل إلى الرئيس التركي في أنقرة. وهو أمر أثار غضب العديد من النواب التونسيين. لقد كانت خطوة الغنوشي إهانة للدولة التونسية كما قال بعض النواب في جلسة البرلمان. فشل الرئيس التركي كذلك في اختراق الدولة الجزائرية، وهي دولة قررت الوقوف بحزم ضد التيارات المتطرفة التي تحمل التوجهات الإخوانية نفسها. رغم الإغراءات الاقتصادية التي قدمها لها أردوغان، إلا أن الجزائر ما زالت تقاوم الإغراءات التركية. بعد ذلك بأسابيع، من المحاولات الأردوغانية الفاشلة، أثبت الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، أنه قادر، رغم الظروف الدولية والإقليمية الصعبة، على مواجهة الغزو التركي لبلاده، وقادر على مواصلة الحرب ضد الجماعات الإرهابية بما فيها تلك التي أرسلتها قطروتركيا إلى ليبيا أخيرا. كما أثبتت القبائل الليبية أنها قادرة على تعديل دفة الصراع لصالح الدولة الوطنية، حيث نجحت تلك القبائل في وقف التدفقات المالية التي كانت تأتي من تصدير النفط إلى الخارج. فتلك الأموال وهي بمليارات الدولارات، كانت تستغلها جماعة الإخوان في الإنفاق على الإرهابيين في المنطقة، وكانت معظم هذه الأموال تذهب كذلك إلى الخزينة التركية. في الأسبوع الماضي جددت القبائل الليبية في مؤتمر عقد في بلدة ترهونة قرب طرابلس، تأكيدها على الاستمرار في وقف تصدير النفط، وعلى التصدي للأطماع التركية في ليبيا. إن الدعم التركي والقطري للإرهابيين في ليبيا ومدهم بالعتاد العسكري الضخم، لم يمكِّن الدوحة ولا أنقرة ولا جماعة الإخوان من تحقيق أهدافهم حتى الآن. لهذا بدأت تركياوقطر في ممارسة الضغوط من جديد وركزت أخيرا على دولة تونس التي تعد بوابة مهمة لدخول الأسلحة والإرهابيين إلى ليبيا. زار الأمير القطريتونس، خلال الساعات الماضية، لكي يجدد الضغط على الرئيس قيس سعيد، ولكي يستغل تونس لزرع الفتنة بين التكتل القبلي الليبي، ولكي يزيد من دعم التوجه الفوضوي لعرقلة نجاحات الجيش الوطني الليبي. ولأن حركة النهضة تعمل مع اللوبي التركي القطري، فلا ينبغي على دول الجوار الليبي أن تترك الرئيس التونسي وحده في العاصفة. وكذلك لا بد من تحرك جامعة الدولة العربية والاتحاد الأفريقي لمساندة الرئيس التونسي، وإنقاذه من الابتزاز الذي تمارسه كل من تركياوقطر والجماعات الإرهابية.