تقرير عبد الستار حتيتة: نكشف قصة الاقتتال الجاري هذه الأيام، بعيدا عن الأضواء، بين قوات مدينة مصراتة المعادية للجيش الوطني الليبي، مع مرتزقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من الدواعش، وسط العاصمة طرابلس، وأسبابه.. تقع مدينة مصراتة على بعد نحو مائتي كيلومتر إلى الشرق من طرابلس. وتمتلك قوات ذات تسليح جيد، ومعروفة بعدائها لقائد الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، وللبرلمان برئاسة عقيلة صالح. كانت قيادات في مصراتة تريد أن تقف ضد حكومة فايز السراج، منذ قدوم هذه الحكومة لساحل طرابلس، تحت جنح الظلام، في مطلع 2016. لكنها لم تتمكن من ذلك، لأن القوات المعروفة باسم “القوات السلفية الطرابلسية”، سارعت بتقديم الولاء والحماية للسراج. هذا الفصيل السلفي الطرابلسي، الذي يعمل في العاصمة على “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، كان على عداء واحتراب مع قوات مصراتة. كما أن مصراتة، من جانبها، كانت تشعر بالخطر، وقتذاك، بسبب توطن تنظيم داعش في مدينة سرت، على بعد حوالي مائتي كيلومتر (جنوب شرق). شعرت قوات مصراتة، مع وصول حكومة السراج قبل أربع سنوات، بأنها يمكن أن تتحول إلى جهة مهمشة، ومعزولة من جانب المجتمع الدولي، فأرادت أن تبرهن على ولائها للسراج، وللقرارات الأممية التي أتت به إلى السلطة. ماذا فعل بعض قادة مصراتة المتهورين؟ شمروا عن سواعدهم، وشكلوا ما أطلقوا عليه “قوات البنيان المرصوص” لمحاربة داعش في سرت، تحت قيادة السراج، وبمساعدة قوات أجنبية منها الإيطالية والأمريكية وغيرهما. كما كان قادة من مصراتة يرفضون أي تعاون مع الجيش الوطني.. كانوا يسعون إلى إحراج الجيش، بهذه الخطوة، أي من خلال أخذ السبق في محاربة داعش، حتى لو كلفهم الأمر سقوط الآلاف من أبناء مصراتة بين قتيل ومعاق. بل قام بعض أولئك القادة من مصراتة بوضع العراقيل لمنع الجيش من التقدم من بنغازي لطرد الدواعش من سرت وقتذاك. سقط من أبناء مصراتة حوالي سبعمائة قتيل، ونحو أربعة آلاف مصاب. كان هذا ثمنًا فادحًا لإظهار الولاء للسراج. وفي المقابل لم تكن هناك أي أعداد تذكر لجثث القيادات والعناصر الداعشية التي كانت في سرت. فأين اختفوا؟. نعم.. كانت “قوات البنيان المرصوص” قد تمكنت من القبض على بضعة عشرات من دواعش سرت، واحتجزتهم في سجني “السكت” و”القاعدة الجوية”. كما أن “القوات السلفية الطرابلسية” اصطادت عشرات آخرين من الدواعش الذين فروا من سرت إلى طرابلس، وأودعتهم في سجن “قاعدة إمعيتيقة”. إلا أن الغالبية العظمى من دواعش سرت تمكنوا من الفرار، بداية من عام 2017، وهذا ينطبق على نوعين منهم.. النوع الأول الذين خرجوا من سرت، هربا من قوات مصراتة، ووجدوا ملاذاً آمنا في تركيا.. والنوع الثاني الذين فروا من سجون مصراتة وطرابلس، في الشهور الماضية. بعد توقيع السراج لاتفاقيات “الحدود البحرية” و”الأمنية” و”العسكرية”، مع أردوغان، أواخر نوفمبر الماضي، بدأت تركيا في إرسال الدواعش إلى ليبيا. يا لها من مفاجأة.. فقد اكتشف قادة بمصراتة أن من بين جلبهم السراج، زعماء وعناصر من الدواعش الذين كانوا يقاتلون قواتهم في سرت. وهم من جنسيات مختلفة؛ سوريون، ومصريون، وتونسيون، وأفغان، وباكستانيون، وأفارقة، وغيرهم.. “الحيص بيص” الذي وقعت فيه مصراتة اليوم، اكتشافها أن “القوات السلفية الطرابلسية”، بقيادة خصمها، عبد الرؤوف كارا، فتحت أبوابها في العاصمة لمرتزقة أردوغان بمن فيهم الدواعش. لم ينسَ تنظيم داعش أن قوات مصراتة هي من تسببت في طرده من سرت في 2016، فبدأ منذ أيام في عمليات الانتقام من القوات المصراتية الموجودة في بعض مراكزها في طرابلس. ففي يوم الأحد الماضي أقدمت مجموعة من الدواعش على قتل قياديين من أبناء مدينة مصراتة داخل العاصمة، من بينهم قيادي يعرف باسم “القداري”. وردت عناصر مصراتة سريعا، وقامت بقتل أربعة من الدواعش من الجنسية السورية في طرابلس. كما تم العثور على جثة قيادي داعشي آخر، سوري الجنسية، يدعى “الصالحي”. وفي اليوم التالي، وفي طريق المطار، من جهة وسط العاصمة، تبادلت القوات المصراتية والمجموعات الداعشية، إطلاق النار على بعضها البعض. ولم يعرف عدد القتلى والمصابين حتى الآن. وفي ضاحية تاجوراء في شرق العاصمة، شن الدواعش هجوما على القوات المصراتية والقوات المتعاطفة معها، وألقوا القبض على حوالي عشرة من الشباب، من بينهم عنصر من “كتيبة باب تاجوراء”، بالإضافة إلى احتجاز آمر دوريات في طرابلس. يعيش أهل طرابلس في رعب منذ سنوات بسبب سطوة حكم الميليشيات والإرهابيين. وهذه الأيام أصبح الرعب مضاعفا، وهم يسمعون أصوات الرصاص عبر الأزقة، ويبصرون الجثث في الشوارع، مع استمرار حرب الانتقام الخفية بين تنظيم داعش، والقوات المصراتية، في ضواحي العاصمة.