بقلم: عبد الستار حتيتة دخل الجيش الوطني الليبي، الذي يقاتل الميليشيات الإرهابية، إلى مدينة سرت يوم الاثنين الماضي. فماذا يعني هذا التحرك المفاجئ. وما هي تداعياته؟. تعد سرت عاصمة سياسية روحية لليبيين على مدار سنوات طويلة. وهي مسقط رأس معمر القذافي، وهي المدينة نفسها التي فارق فيها الحياة تحت ضربات حلف الناتو في أكتوبر 2011. تقع سرت في الشمال الأوسط من ليبيا. وتعد بمثابة صُرة الدولة. فهي تربط الشرق بالغرب وتربط الشمال بالجنوب. ومن يسيطر على سرت يكون قد سيطر على عموم ليبيا. تؤثر سرت على الوضع العسكري الراهن من جوانب عدة. فالجيش الوطني الذي تتمركز قياداته في بنغازي في شرق ليبيا، اختصر، بعد سيطرته على سرت، أكثر من 500 كيلومتر من مسافة التحرك من الشرق إلى طرابلس في الغرب. لم يعد في حاجة إلى الالتفاف في الصحراء الجنوبية للتواصل مع قواته طرابلس. هذا الاختصار يسهم في سرعة نقل العتاد والجنود من المناطق الليبية المختلفة. كما أن سيطرة الجيش على مدينة سرت يمكنه من استغلال مرافقها الرئيسية مثل الميناء البحري والميناء الجوي، في أمرين على الأقل.. الأول تيسير العمليات العسكرية، والثاني، قطع الطريق على القوات التركية، من الدخول إلى المدينة أو اتخاذها مركزا لتهديد الجيش الوطني في عموم ليبيا. ذاق سكان سرت البالغ عددهم نحو 150 ألف نسمة، الأمرين من الحروب التي كانت تقع في هذه المدينة المهمة بين وقت وآخر منذ عام 2011. فقد قامت الميليشيات المسلحة بنهب المدينة في السنوات التي تلت سقوط نظام القذافي. ثم دخل تنظيم داعش على الخط في 2015، واستولى على المدينة، وحولها إلى مركز له. وبهذا تواصلت الاعتداءات على السكان، وتم نهب البيوت والقتل في الشوارع. وفي 2016 تمكنت الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق وبدعم دولي، من طرد داعش من سرت، لكن هذه الميليشيات نفسها لم تتورع كذلك عن القيام بالتصرفات الداعشية، من نهب وسلب وسفك للدماء. أخطر الميليشيات المسلحة في ليبيا هي تلك التي تنتمي إلى مدينة مصراتة التي تقع بين سرت وطرابلس. وتتعدد أشكال الميليشيات المصراتية ما بين ميليشيات إرهابية لا تختلف كثيرا عن تنظيم داعش، مثل كتيبة الفاروق، وميليشيات جهوية متشددة لمدينتها، ومنها تحالف ما يسمى ب”قوات البنيان المرصوص”. وتعد الميليشيات المصراتية بكل أنواعها، حتى الآن، المعرقل الرئيسي لدخول الجيش الوطني إلى طرابلس، بسبب انتشارها في العاصمة وتلقيها للدعم التركي مع ميليشيات إرهابية أخرى في العاصمة وما حولها. وكان جانب من تلك الميليشيات يتمركز في سرت أيضا، لأن وجودها في المدينة يصعِّب على الجيش الحركة بين شرق البلاد وغربها. وحين تمكن الجيش من دخول سرت يوم الاثنين، أصيبت الميليشيات التي تقاتل الجيش الوطني في طرابلس بحالة من الارتباك، خاصة في أوساط الميليشيات المصراتية. شعرت الميليشيات المتشددة المنتمية إلى مصراتة، بالخطر، فبدأت منذ يوم الثلاثاء في سحب قواتها من طرابلس، إلى مصراتة، وتحريك هذه القوات في مناطق في شرق مدينتها، من أجل التصدي لأي محاولة من الجيش الوطني بالتحرك ناحية مصراتة نفسها. وهذا الارتباك في صفوف قوات مصراتة مفيد لتمركزات الجيش في طرابلس. ويمكن أن يؤدي إلى “خلخلة” كل المؤامرات التي تحاك ضد الدولة الليبية، محليا وخارجيا. على الصعيد المحلي، ارتفعت معنويات الليبيين المؤيدين للجيش الوطني، من جنود وضباط وقوى اجتماعية، خاصة أنه يوجد في سرت خليط من القبائل التي تمثل غالبية مناطق ليبيا. وعلى الصعيد المحلي أيضا، تؤدي سيطرة الجيش على سرت إلى إضعاف طرق الإمدادات الإرهابية التي كانت تقدمها قوات مصراتة إلى باقي الميليشيات المتطرفة في مدينة طرابلس، ومدينة الزاوية المجاورة للعاصمة من ناحية الغرب. أما على الصعيد الخارجي، فإنه يكفي ضرب هذا المثل الذي يتردد بين قيادات المتشددين في مصراتة بعد هروبهم من سرت. يقول إن قوات مصراتة في سرت كانت تنتظر إنزال عسكري تركي في ميناء سرت لمؤازرتها، كما وعد الرئيس التركي أردوغان، إلا أنهم فوجئوا بإنزال عسكري تابع لقوات الجيش الوطني الليبي. أدت سيطرة الجيش على سرت إلى ضربة قوية في قلب الخطط والمؤامرات الخارجية التي تحاك ضد ليبيا. فقد تمكن الجيش الوطني من إبعاد خطر أي دخول تركي للتمركز في سرت، خاصة أن أردوغان كان يريد أن يسيطر على الميناء البحري والميناء الجوي في المدينة، لإرسال مزيد من الإرهابيين، ولاستهداف الجيش الوطني في مراكزه الرئيسية في الشرق، وتهديد دول الجوار. ما يقوم به جنود الجيش الوطني كفيل بإعادة رسم الخريطة الليبية بما يتوافق مع إرادة الشعب الليبي الذي سأم الفوضى ومل من حكم الميليشيات والجماعات الإرهابية. ويعد دخول الجيش أخيرا إلى سرت، تحول مهم في المعادلة، وصفعة قوية على وجه محور الشر، وعلى رأسه أردوغان، راعي الإرهاب في المنطقة.