بقلم: عبدالستار حتيتة تعمل معظم الدول المحسوبة على محور الاعتدال في المنطقة العربية بوتيرة تبدو بطيئة، إذا ما قورنت بالطريقة التي يسير عليها محور الشر الموالي للإرهاب والفوضى. يتكون محور الإرهاب والفوضى هذا من تركياوقطر وبعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تحرص على عدم الظهور في الصورة. تركيا تثير الآن الضجيج في شمال أفريقيا بعد أن وقَّعت اتفاقا مع أطراف ليبية منزوعة الصلاحية بشأن التعاون في البحر المتوسط وفي الدفاع والأمن. وبينما يبدو العالم منشغلا بالبلطجة التركية في ليبيا وسوريا وغيرهما.. وبينما يبدو منشغلا كذلك بمحاولة تلطيف الأجواء بين الأشقاء العرب المتخاصمين، قفزت قطر خطوة لافتة خلال اليومين الماضيين لتعزيز مراكز محور الشر في القارة السمراء بالتعاون مع تركيا وأطراف أخرى. معروف أن العالم من الشرق والغرب يهتم منذ سنوات طويلة بالاستثمار في القارة الأفريقية.. فعلى حواف الغابات والصحارى الأفريقية الشاسعة يمكن أن ترى أنشطة اقتصادية ضخمة تقوم بها الصين وكوريا والهند وغيرها. وفي الأعوام الأخيرة دخلت قطروتركيا على الخط، لكن من أجل أهداف تخريبية تسعى لحيازة أراض من أجل تحويلها إلى مراكز للإرهاب والتهديد والابتزاز ضد الدول الكبيرة في القارة، وعلى رأسها مصر. دع ليبيا جانبا، لأن النشاط القطري التركي فيها معروف منذ سقوط نظام معمر القذافي حتى اليوم.. والق نظرة على الزيارات الأخيرة التي يقوم بها رجال مخابرات من قطروتركيا إلى قلب القارة الأفريقية.. هل تتذكرون الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، وكيف كان يستقبل قادة محور الشر.. من السيدة موزة، الآمرة الناهية في قطر ورعايتها للإرهاب، إلى أردوغان المتحكم في تنظيمات التفخيخ والقتل.. يتحرك ضباط المخابرات القطرية والتركية وتحت يد كل منهم خطط لاستهداف مصر، من مياه النيل إلى مسارات الطرق البحرية، إلى آخره.. رغم الإمكانيات المالية الضخمة التي يتم إنفاقها من القطريين والأتراك، إلا أن مصر استطاعت – منفردة في معظم الوقت – من طرد هؤلاء الأشرار، وتنظيف المواقع التي مروا بها.. لكن المحور القطري التركي لا يتوقف.. وهو محور يستغل التناقضات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ويستغل كذلك الثغرات الموجودة في الجسم العربي المحسوب على محور الاعتدال.. قبل يومين قفز حاكم قطر، إلى دولة رواندا، وهي دولة ذات تلال مرتفعة تقع بالقرب من بحيرة فيكتوريا، المغذي الرئيسي لنهر النيل. وضرب يده في جيبه، وأخرج نحو مليار دولار كدفعة أولى، من أجل الاستثمار في هذا البلد الفقير.. بدأ التحرك القطري التركي الكبير في القارة الأفريقية منذ مطلع عام 2017، وذلك بعد اجتماع عقد في الدوحة بين كل من المسؤولين القطريين والأتراك. وكان ملف الدخول إلى رواندا من الملفات المطروحة على الطاولة. حدث هذا بينما كانت معظم دول الاعتدال العربي مشغولة بمعارك صغيرة لكنها مدمرة، ومشغولة بمعالجة أخطاء بعض حكامها الصغار. وكانت مصر تشعر أنها تعمل بمفردها في مواجهة ألاعيب محور الشر. وطوال العامين الأخيرين قام المسؤولون القطريون، بأموالهم الضخمة، بتهيئة الأجواء في القارة الأفريقية لأعداء العرب وهم الأتراك. ومن الصدف الغريبة أن دولة مثل إيران، كانت تراقب ما يحدث، فأوعزت للقطريين والأتراك بأنها يمكن أن تعضد وجودهم في أفريقيا بشرط أن يساهموا في تسهيل فتح مراكز شيعية في كثير من بلاد القارة السمراء. على كل حال شملت جولات القطريين في أفريقيا، في أقل من 24 شهرا، أثيوبيا وجنوب أفريقيا، وكينيا، ومن بين القضايا التي تم التطرق إليها مع تلك الدول ملف حوض النيل، وملف الأمن في القرن الأفريقي، وملف الصراع العربي الإسرائيلي. هل تتخيل أن دويلة قطر التي لا يزيد عدد سكانها عن ضاحية في القاهرة مثل ضاحية إمبابة، تفعل كل هذا؟ إنها الأموال، والمساندة التركية، والأطماع الإيرانية، وما شابه ذلك.. في الشهور الأولى من هذه السنة، بدأ محور الشر القطري-التركي في فتح موضوع إقامة قاعدة عسكرية على الأراضي الرواندية. وجاء هذا المقترح بعد أن فشلت تركيا في إيجاد موضع قدم عسكري لها في شرق أفريقيا. ماذا يحدث الآن.. الأمر معقد بالطبع، لكن يمكن فهمه. يقوم محور الشر بتصدير قضايا تبدو مربكة، مثل قضية ترسيم الحدود البحرية مع فايز السراج في ليبيا.. ويقوم في رواندا بتصدير موضوع مثير لاهتمام رجال الدين السُّنة الذين يتقاسمون القرار السياسي في بعض الدول العربية المحسوبة على تيار الاعتدال.. مثلا.. وبينما يجري التفاوض مجددا على إقامة قاعدة عسكرية قطرية تركية في شرق أفريقيا، يفتح هذا المحور الباب لإيران – كأنه يقدم لها خدمة بالمرة – من أجل تقنين وضع المنظمة الشيعية الوحيدة في رواندا. طبعا الهدف استفزاز الكتل السُّنية المتحكمة في القرارات داخل بعض حكومات دول الاعتدال، في محاولة لصرف نظرها عن الخطط الأساسية، وتركها تلوك في قضية النشاط الإيراني في المنطقة. في وسط هذه الخطط الإقليمية الشريرة تقف مصر لإبعاد الخطر عن نفسها وعن الجسم العربي، لكن ينبغي على الجانب العربي أيضا أن يفهم ما يحدث، وأن يكون على قدر المسؤولية، وأن يتحرك بخطوات أسرع حفاظا على الأمن القومي العربي، قبل فوات الأوان.