فيما عدا مجموعة صغيرة موجودة حاليا في طرابلس، يقف غالبية نواب ليبيا ضد نشاط “محور الإرهاب” الإقليمي في بلادهم. وهو محور يهيمن عليه قطروتركيا. ومن جانبها لم تتوقف مصر عن إجراء المحاولات لمساعدة الدولة الليبية على استعادة نفسها بعد أحداث 2011. فليبيا دولة جارة، وأمنها من أمن مصر، لكن العراقيل تبدو كبيرة، وهي عراقيل تضعها دول تريد أن تحول ليبيا إلى قاعدة للإرهاب. آخر المحاولات المصرية كانت في استضافتها، عن طريق البرلمان المصري، للنواب الليبيين يومي الجمعة والسبت الماضيين، لكن عدد من حضروا إلى القاهرة لم يزد على 90 نائبا ليبيا، من إجمالي عدد أعضاء مجلس النواب الليبي الذي يبلع 200 عضو. لا يمكن القول أن غالبية نواب ليبيا يقفون ضد الجهود المصرية. فهذا غير حقيقي. فالبعض ممن غابوا عن اجتماع القاهرة، لم يتمكن من الحضور لأسباب تتعلق بصعوبة السفر وتوقيته، والبعض الآخر يتعلق بحسابات تخص مدنا ليبية يوجد فيها متشددون جهويون يمكن التواصل معهم لحلول وسط فيما بعد. الثغرة الموجودة في البرلمان الليبي والتي تحاول بعض الدول الإقليمية المعادية لمصر، أن تستغلها لضرب جهود القاهرة لتوحيد الليبيين، تتركز داخل مجموعة تتكون من حوالي 20 نائبا ليبيا معظمهم من التيارات المتطرفة، خاصة من جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة. لقد ارتمى هؤلاء النواب العشرون في أحضان مهندسي الفوضى في ليبيا، وعلى رأسهم تركياوقطر. وأوعزت هاتان الدولتان لمجموعة النواب هذه، بالانشقاق عن مجلس النواب الليبي الذي يعقد جلساته في طبرق، وأقنعتهم بتكوين مجلس نواب مواز في طرابلس، يتبنى وجهة نظر الجماعات الإرهابية، وتهيئة الأرض في ليبيا لاستقبال جيوش من الإرهابيين من سوريا. وهذا ما حدث منذ مايو الماضي. حيث نشط لوبي النواب المتطرفين لإغراء بعض النواب الجهويين بالانضمام إليهم، بتشجيع من الحلف المناوئ للجيش الوطني الليبي والرافض للاستقرار في ليبيا. ورغم الإمكانيات الكبيرة لمجموعة مجلس نواب طرابلس، إلا أنها لم تزد على كونها بوقا للتيار الإرهابي. وتحاول هذه المجموعة أن توحي للرأي العام أنها كبيرة، وأن عددها أصبح يزيد على خمسين عضوا. وللأسف الشديد تردد بعض وسائل الإعلام هذه المزاعم دون تمحيص. يسير محور الإرهاب والتطرف الإقليمي في ليبيا في طريقه، بينما تبذل مصر الجهود للحفاظ على الدولة الليبية. واختتم اجتماع النواب الليبيين في القاهرة بإصدار بيان دعا فيه إلى “إقامة ملتقى وطني موسع للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية لإعادة اللحمة والسلام والوئام بين جميع مكونات المجتمع الليبي”. ودعا كذلك إلى “العمل على حشد أكبر توافق وطني حول رؤية موحدة للحل وصولاً لإجراء انتخابات في أقرب وقت”. ويمكن تلخيص مجريات الحياة النيابية في ليبيا بعد رحيل نظام القذافي. فقد انتخب الليبيون البرلمان في يوليو 2012. وهيمن عليه النواب المستقلون ب120 مقعدا، إلا أن تيار الإسلام السياسي ومتشددين جهويين، برعاية من أنقرة والدوحة، تمكنوا من السيطرة على قرارات البرلمان، وأصدروا تشريعات تهدف إلى ملاحقة أنصار النظام السابق. كان من بين القرارات التي اتخذها البرلمان السابق، وأثارت اللغط في عموم البلاد، القرار رقم 7 في سبتمبر عام 2012، بإطلاق حملة مسلحة ضد مدينة بني وليد باعتبار أنها توفر ملاذا آمنا لقيادات من النظام السابق. وكذلك قانون العزل السياسي في مايو 2013 الذي كان يهدف إلى منع أنصار النظام السابق من تولي أي مناصب في البلاد. عقب انتخاب البرلمان في 2014، قامت جماعات مسلحة في طرابلس بطرد النواب، ما دفعهم إلى العمل انطلاقا من طبرق. وظهر تكتل كان يتكون من أقل من 30 نائبا من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي وعلى التيار الجهوي المتشدد، وأطلق على نفسه اسم “النواب المقاطعون”، أغلبهم من مدينتي مصراتة وطرابلس. اتخذ البرلمان الجديد من مقر عمله في طبرق قرارات تصب في صالح أنصار النظام السابق، ما أغضب فريق “النواب المقاطعين”، منها إلغاء قانون العزل السياسي في فبراير 2015، وإصدار قانون العفو العام في يوليو من تلك السنة أيضا. لكن أكثر القرارات التي أدت إلى تفاقم العلاقة مع “النواب المقاطعين” كان تأييد مجلس النواب لعمليات الجيش الوطني بقيادة حفتر، ضد من يحملون السلاح خارج القانون، سواء من الميليشيات المسلحة أو الجماعات المتهمة بالإرهاب. لقد أغضب هذا القرار رعاة الإرهاب الإقليميين في ليبيا. وفي المقابل أسعد القرار عامة الشعب الليبي الذي أنهكته حروب الميليشيات. تمكن الجيش الوطني من طرد المسلحين من مدن الشرق الليبي بحلول عام 2017. لكنه ما زال يواجه مقاومة عنيفة من مسلحين مدعومين من قطروتركيا، وتعتمد عليهم حكومة الوفاق في العاصمة. ويحاول الجيش، منذ أبريل الماضي، السيطرة على طرابلس وإنهاء مظاهر الفوضى فيها. لقد تطرق بيان أعضاء مجلس النواب الليبي في لقاء السبت بالقاهرة – وهو ثاني اجتماع من نوعه بعد اجتماع مماثل في يوليو الماضي – إلى أن هذا اللقاء يأتي “في ظروف جعلت من الصعب على مجلس النواب العمل بشكل طبيعي، خصوصاً مع تزايد الضغوط التي تمارس للسيطرة على إرادته، ومحاولات تقسيمه لإفشاله”. أبدى اجتماع النواب الليبيين في القاهرة إصرارا على ضرورة هزيمة الإرهاب، وعلى العمل لاستعادة الدولة الليبيين من باقي الميليشيات في العاصمة، وهو أمر يزعج مجموعة النواب في طرابلس وحلفائهم الإقليميين.