شهد العالم خلال هذا الأسبوع صراعا سياسيا من نوع جديد، قسمه إلى كتلتين، وكل كتلة فيهما تتداخل فيها عناصر من الكتلة الأخرى أى أن هناك فى هذه الكتل من تعنيه مصالحه بالدرجة الأولى من الوجود فى هذا التكتل أو ذاك أى انقسام على أساس المصالح، بمعنى أنه مع الرابحة وهذا موجود بشكل أوضح فى قمة شنغهاى للتعاون والتى عقدت فى الصين فى احتفال مبهر قامت به الحكومة الصينية ربما للتغطية على قمة مجموعة السبعة. فمنذ أن أعلن الرئيس الأمريكى عن انسحابه من الاتفاق النووى الإيرانى، حدثت هوة أو فجوة بين الولاياتالمتحدة وأقرب حلفائها فى أوروبا، ولم يكتف الرئيس الأمريكى بذلك بل زاد الطين بلة عندما قام بفرض رسوم جمركية على البضائع الواردة من أوروبا وخاصة الصلب والألومنيوم، مما أغضب الحلفاء الأوروبيين، وبعد أن كانوا يتحدثون عن تعديلات فى الاتفاق النووى مع إيران، وبدأت بعض الشركات الأوروبية تنسحب من إيران، اعتبروا أن الاتفاق هو أفضل ما يمكن التوصل إليه فى الوقت الحالى. وفيما كان الأوروبيون أو ما يسمى مجموعة الثمانية الكبار التى أصبحت 7 فقط بعد استبعاد روسيا عنها على أثر الأزمة الأوكرانية واستعادة روسيا للقرم، كانت هناك قمة موازية تعقد فى الصين وهو اجتماع منظمة شنغهاى للتعاون، والتى أكدت فيها بكين على صداقتها الأبدية لروسيا، وتم منح الرئيس الروسى بوتين أعلى وسام صينى لأول مرة يهدى لشخصية على الإطلاق. منظمة شنغهاى تضم عددا من دول وسط آسيا التى أعلنت عن شراكة استراتيجية مع الولاياتالمتحدة مثل أوزبيكستان، بل بعضها ذهب لأبعد من ذلك عندما منح واشنطن قواعد عسكرية مثل كازاخستان، حتى الصين نفسها لديها من العلاقات الاقتصادية والتجارية مع واشنطن ربما تتفوق على علاقاتها مع بعض حلفائها الأوروبيين. ورغم الخلاف الأمريكى الروسى حول عدد من القضايا الدولية، مثل الملف السورى والأوكرانى والكورى الشمالى الذى انفردت به الولاياتالمتحدة، ثم الملف الإيرانى، غير أن الرئيس ترامب قبيل مغادرته إلى قمة السبعة أعلن أنه كان من الضرورى دعوة روسيا للقمة التى تعقد فى كندا، غير أن رد الأوروبيين جاء جافاً وصريحاً، عندما أعلنت أنجيلا ميركيل أنه على روسيا أن تقدم حلا لمشكلة الدنباس بأوكرانيا أولا. لكن لا شك أن تصريح ترامب الخاص بعودة روسيا إلى مكانها وسط الثمانية الكبار قد يؤلب عليه حلفائه الأوروبيين، نفس الشيء أعلنه رئيس الوزراء الإيطالى الجديد كونتى، وهو الأمر الذى رفضه باقى اعضاء الدول السبع الكبار، وميركيل أعلنت أن العودة مرتبطة بتحقيق تقدم فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، على أى حال غادر ترامب القمة وهو على خلاف مع رئيس الوزراء الكندى واتهامات متبادلة بالكذب على خلفية الخلافات التجارية، وهو الأمر الذى سيلقى بظلاله على قمة ترامب مع الزعيم الكورى الشمالى بلا شك وستجعله يذهب إلى سنغافورة بدون حلفائه، ويعتقد بعض المراقبين أن ترامب أطلق تصريحه الخاص بروسيا بعد شعوره بأنه أصبح بلا حلفاء تقريباً نتيجة ضغوطه التجارية على حلفائه التجاريين الأوروبيين، فى حين أنه يمسح على ظهر الصين ويفاوضها من خلال إرسال نائب وزير التجارة الأمريكى للتفاوض حول نفس القضية، وبعد أن خرج من الاتفاق النووى الإيرانى منفرداً دون اعتبار لهم كدول، ودون موافقتهم، حاول التعامل معهم كدول من الدرجة الثانية عندما قرر الضغط عليهم تجارياً، لو التفت ترامب إلى هذا لقام بتأجيل اللقاء مع زعيم كوريا الشمالية، خاصة أن الرئيس بوتين كان قد أعلن قبيل مغادرته إلى الصين، إن حل مشكلة شبه الجزيرة الكورية يجب أن يكون وفق الرؤية الصينية الروسية، وهو ما يعنى أن هناك اتفاقيات عقدها زعيم كوريا الشمالية مع الدولتين المجاورتين والحليفتين له، أو على الأقل وعود قدمها الرئيس الكورى الشمالى، أثناء زيارة وزير الخارجية الروسى ولقائه مع الزعيم الصينى على الحدود بين البلدين، مما جعل الرئيس بوتين واثقا من مسلك زعيم كوريا الشمالية الشاب. وعلى الرغم من أن روسياوالصين ملّتا حماقة الزعيم الكورى الشمالى بل وصار مندوبا الدولتين يمتنعان عن التصويت فى مجلس الأمن، بل أن الصين حرمت كوريا الشمالية من مبالغ مالية ليست بالقليلة عندما منعت تجار الشنطة الكوريين الشماليين من عبور الحدود معها، على أى حال هذا يتوقف على ما ستعرضه واشنطن على بيونج يانج فى مقابل تخليها عن أسلحة الدمار الشامل. كل ما يعرف عن اللقاء حتى الآن هو أن واشنطن تريد تخلى كوريا اشمالية عن ترسانتها دفعة واحدة، أو استمرار العقوبات بل وتشديدها، فى حين ترغب كوريا الشمالية فى التخلى الجزئى عن السلاح النووى مقابل رفع جزئى للعقوبات أى التخلى الجزئى عن السلاح النووى مقابل رفع جزئى للعقوبات. والنقطة الأهم فى هذه القضية أن الزعيم الكورى كيم يرغب فى ضمان أمن وسلامة ووحدة أراضيه، وهو فى هذا يرغب فى أن يكون الضمان دولى وبالتأكيد يريد ضمانات روسية وصينية، لإعطاء الدولتين دورا أولاً بحيث لا تنفرد الولاياتالمتحدة بالملف الكورى الشمالى، والأمر الثانى ضمان ألا تتلاعب الولاياتالمتحدة بالاتفاق كما حدث مع إيران. على اى حال ترامب لم يعد بالكثير أو التفاوض الطويل مع كيم، وقال إن اللقاء سيكون قصيراً وساستشف منه ما إذا كان الرئيس الكورى الشمالى على استعداد لقبول شروطنا، أم ستستمر العقوبات من جديد. فى واقع الأمر كما أن هناك خلافا فى قمة السبع الكبار، توجد كذلك خلافات فى منظمة شنغهاى فقد رفضت الهند وباكستان التوقيع على البيان الختامى. فيما أعرب الرئيس الروسى بعد سماعه لتصريح ترامب حول ضرورة وجود روسيا فى مجموعة الثمانية، إن روسيا لم تخرج وعند دعوتها ستعود، وهو الأمر الذى اعتبر بعض المراقبين، إن تصريحات ترامب ورئيس الوزراء الإيطالى كونتى هو انتصار ساحق للرئيس بوتين، على حد تعبير تيريزا ماى رئيسة الوزراء البريطانية. د. نبيل رشوان