تميزت تجربة الفنان الراحل محمود عبد العزيز، بالتنوع الفني، عبر أداء تمثيلي اتسم بالسلاسة وخفة الدم والقدرة على تقمص الشخصيات، مع دقة فى اختيار الأدوار التي يؤديها بداية من أفلامه الأولي وحتي عمله الدرامي الأخير "رأس الغول".. جاء ظهوره الأول مع مجموعة من أبناء جيله الذين أسهموا فى تطوير الدراما المصرية مثل نور الشريف ومحمود ياسين وميرفت أمين ونجلاء فتحي وسهير رمزي وعادل إمام وأحمد زكي ومديحة كامل. كان فيلم "الحفيد" والذي شارك فى بطولته مع ميرفت أمين ونور الشريف ومني جبر بداية لانطلاقته الفنية فى بداية السبعينيات من القرن الماضي، ثم توالت أعماله التي قام فيها بأدوار البطولة السينمائية مثل "البنات عايزة أيه" مع سهير رمزي وسمير غانم، وكانت هذه الفترة امتدادًا للافلام الرومانسية، المغلفة بمسحة كوميدية وفى فترة الثمانينيات بدأت تترسخ تجربته من خلال اختياره لموضوعات تناقش قضايا اجتماعية من صميم الشارع المصري، كما جاء فى فيلم "الشقة من حق الزوجة" مع معالي زايد وعبدالله فرغلي. ويعد هذا الفيلم من أهم الأفلام التي انتجت فى فترة الثمانينيات، ومن أكثرها مشاهدة، وقد تميز أداء محمود عبد العزيز فى هذا الفيلم، وهو من الأفلام التى تمثل حجر الزاوية فى تجربته حيث اتسم بالطابع الكوميدي القائم على المفارقة الدرامية. ثم كان فيلمه المهم "إعدام ميت" وهو فيلم سياسي من الدرجة الأولي، حيث قام فيه بدور شخصيتين إحداها لجاسوس للمخابرات الإسرائيلية، والثانية لرجل المخابرات المصرية يشبهه تمامًا، والفيلم ملىء بالمواقف الدامية التي أظهر فيها "محمود عبد العزيز" مقدرة فائقة فى تقمص الشخصيات، فى مباراة فنية من الدرجة الأولي. أما فيلم "جري الوحوش" مع نور الشريف وحسين فهمي ونورا فجسد فيه شخصية المواطن البسيط الذي يعمل "منجدًا" لكنه يبيع جزءًا من مخه مقابل المال، وينتهي به الحال بالجنون. ويعد هذا الفيلم أحد العلامات الفنية المهمة فى تجربة محمود عبد العزيز لأنه أظهر فيه مناطق جديدة فى أدائه التمثيلي، رغم أن العمل امتلأ بالنجوم. أما فيلمه "يا عزيزي كلنال لصوص" فجاء محاكمة لعصر الانفتاح عبر نماذج متنوعة للرأسمالية الطفيلية، جمعت الثروة من مصادر مشبوهة، وجاء الفيلم فى إطار كوميدي خفيف. ثم كان فيلم "العار" وهو أحد الروائع السينمائية المصرية فى فترة الثمانينيات، ويمثل مباراة فى التمثيل بين الثلاثي محمود عبد العزيز ونور الشريف وحسين فهمي، وتبقي مشاهده حاضرة فى ذاكرة السينما، بما فيها من حبكة درامية وجودة فى الأداء التمثيلي. أما فيلم "الكيف" فيعد أحد أهم التجارب الفنية التي أجاد فيها الفنان الراحل، فلم يتوقف الأمر عند التمثيل، بل تعداه إلى الأداء الغنائي لبعض الاسكتشات الغنائية، لنماذج ما يسمي بأغاني الميكروباص. نماذج مركبة وقد تعاون الفنان الراحل مع المخرج الراحل عاطف الطيب فى عدد من الأفلام التي تعد من كلاسيكيات السينما المصرية ومنها "الدنيا على جناح يمامة"، و"البرىء" والذي يعده النقاد أحد أهم الافلام فى الثلاثين عاما الماضية، وقد قام فيه "محمود عبد العزيز" بدور مدير المعتقل السياسي والذي كان يقوم بتعذيب المعتقلين السياسيين، وهو دور مركب أداه باقتدار، وقد ساعده على ذلك ايضًا وجود عدد من الفنانين المتميزين مثل أحمد زكي وإلهام شاهين وممدوح عبد العليم. وفى التسعينيات تطور الأداء التمثيلي عند محمود عبد العزيز لقدم مجموعة من الافلام العميقة مثل "الكيت كات" من اخراج داود عبد السيد والمأخوذ عن رواية "مالك الحزين" للروائي ابراهيم اصلان، وادي فيه دور الشيخ حسني وهورجل ضرير يشعر فى نفسه بأنه قادر على الأفعال التي يقوم بها المبصرون، وقد أدي الراحل مشاهده باقتدار أدهش الجمهور والنقاد. أما فيلم "الساحر" والذي كتب السيناريو له وأخرجه المخرج رضوان الكاشف، فقدم فيه شخصية "ساحر متقاعد" يعيش حالة من الصراع النفسي الداخلي بين الماضي والحاضر وكذلك الخوف من المستقبل. تجارب تليفزيونية اما عن تجربته التليفزيونية فقد قدم الراحل عدة مسلسلات منها مسلسل "البشاير" مع مديحة كامل، أما رائعته "رأفت الهجان" والتي كتبها صالح مرسي عن شخصية حقيقية من ملفات المخابرات المصرية، فقد جسد فيها هذه الشخصية باقتدار عبر تطورها الدرامي فى مراحلها المختلفة، وقد حقق المسلسل جماهيرية كبيرة فى أجزائه الثلاثة. وفى السنوات الأخيرة قدم عددًا من المسلسلات منها "باب الخلق" والذي جسد فيه شخصية رجل عائد من افغانستان كان يعمل مع الجماعات الجهادية هناك ثم عاد الي القاهرة لتتابع الاحداث عبر مشاهد من الكوميديا والدراما. أما مسلسله "جبل الحلال" فجسد فيه دور رجل أعمال من الصعيد يتاجر فى الآثار والسلاح وله علاقات برجال المافيا، ثم كان آخر أعماله مسلسل "رأس الغول" الذي عرض فى رمضان الماضي.. جدير بالذكر، أن الفنان الراحل من مواليد يونيو 1946 بحي الورديان بمحافظة الاسكندرية، وقد تخرج فى كلية الزراعة فى منتصف الستينيات وعين معيدًا بها، إلا أن حبه للفن جعله يترك الدراسة الأكاديمية ليستجيب لنداء الإبداع.