إني أتسائل ماذا حدث للزمرده الخضراء مصرنا الغالية؟!! التي هي قلب العالم ومركز دائرته. مصر ذات الحب والوفاء وأرض المحبة والعطاء. وهي التي باركها الله منذ فجر الخليفة وقال: "مبارك شعب مصر". حقا أنها مصر أم الحضارة ونبع النعم مبعث النور ومهبط الوحي والقيم.. وهي التي عرف شعبها بين العالم بالسماحة والحب والود والإخاء فسميت أرض المحبة. مصر التي غردت جيوش الملائكة في سمائها وقالت: "المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وفي الناس المسرة". اليوم نري أن المحبة التي هي قدس أقداس مصر لأن الله محبة قد تلاشت واندثرت. فلقد تعودنا أن تطالعنا الصحف والأخبار بأحداث تعقبها أحداث في أوقات متقاربة حيرت العقول وأثارت التساؤلات ماذا حدث يا تري لمصرنا الغالية؟ لقد عاشت مصر آلاف السنين تدعو للحب والاخاء بين جميع الناس.. وأنا أعلم أن هناك آيات كثيرة في القرآن تدعو للمودة والتعايش وفي مسيحيتنا تعلمنا ومن لا يحب أخاه يبقي في الموت "وكل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس". وتعلمنا أيضا من النص الانجيلي المبارك: "إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب. لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره فكيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟ لماذا توغل الشر بين شوارعك وفي كثير من بلدانك؟ لماذا كثر المفسدون علي أرضك وهي أرض الأنبياء والقديسين الأطهار؟. لقد حدثنا التاريخ عن عهود كثيرة قطعها زعماء المسلمين ودعاتهم علي أنفسهم لتأمين حياة الأقباط منذ دخول العرب أرض مصر. تأمين بعدم التعرض للرهبان وصوامعهم كوصية أبي بكر الصديق للجيش الإسلامي بقيادة أسامة بن زيد لقتال الروم علي أرض فلسطين وأوصاهم بعدم التعرض للرهبان وصوامعهم. وتأمين آخر من نبي الإسلام بأنه أرسل وثيقة عهد بالأمان للأقباط لأبي الحارث بن علقمه أسقف نجران يقول: "من محمد النبي إلي الأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ومن يتبعهم ورهبانهم. إن لهم ما تحت أيديهم من قليل من بيعتهم. وصلواتهم ورهبانتهم. وجوار الله ورسوله لا يغير أسقف من اسقفيته ولا راهب من رهبانيته. ولا كاهن من كهانته. ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم". وذكر التاريخ الإسلامي مثالا رائعا للسماحة يروي فيها أن الخليفة عمر بن الخطاب حينما اقترب من الموت أوصي من يأتي بعده في الخلافة من جهة أهل الكتاب بأمرين: - أولهما: وفاء العهود التي أعطيت لهم. - وثانيهما: قال فيه: "ولا تكلفهم فوق ما يطيقون". يا رجال الوطن - لماذا الآن جثمت السحب القاتمة علي سماء مصر وأحدثت احداثاً جساماً؟ - لماذا يعكر صفو الوطن؟ أقول بصراحة ربما لأن الحلول تكون ليست بطريقة جذرية ورادعة؟ أو أن هناك احتقاناً داخلياً يجيش في الصدور بسبب التنشئة التعصبية في مناهج التعليم وخلافه.. أو أن هناك أيادي خفية آثمة تلعب بمستقبل الوطن ولابد أن تبتر بتراً. لابد من البحث جيداً عن مصادر الخلل ووضع حلول موضوعية جذرية لا بالمؤتمرات وحسن الكلمات المتبادلة أو بالصورة التي تبين مظاهر الصلح وحسن العلاقة. أبداً إن تراب مصر غال علينا. وما أروع العبارة الأصيلة الوطنية التي قالها قداسة البابا شنوده الثالث وصارت تردد في كل المناسبات والأوقات "إن مصر ليس وطناً نعيش فيه بل وطن يعيش فينا".