إن التقسيم الذي أورده الفقهاء منشؤه ما عاناه المسلمون من تآمر غيرهم عليهم. في عصوري متعاقبةي منذ بدايات الدعوة الإسلامية. كما يحتمل أيضاً أن يعود هذا التقسيم إلي الدعوة إلي الهجرة من دار الحرب إلي دار الإسلام. يقول الخطابي: ¢ كانت الهجرة فرضاً في أول الإسلام علي من أسلم. لقلة المسلمين بالمدينة. وحاجتهم إلي الاجتماع. فلما فتح الله مكة. دخل الناس في دين الله أفواجا. فسقط فرض الهجرة إلي المدينة. وبقي فرض الجهاد والنية علي من قام أو نزل به عدو ¢ فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه. أن رسول الله r قال: ¢ لا هجرة بعد الفتح. ولكن جهاد ونية. وإذا استنفرتم فانفروا ¢ كما أن الحرية الدينية آنذاك كانت معدومةً. وكان القسر والإجبار علي اتباع دين الآباء والأجداد هو السائد في تلك الحقبة. فقد روي عن جرير بن عبد الله. أن رسول الله بعث سرية إلي خثعم. فاعتصم ناس بالسجود. فأسرع القتل فيهم. فبلغ ذلك النبي r. فأمر لهم بنصف العقل. ثم قال: إنما أنا برئ عن كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله: ولم؟ قال: لا تتراءي نارهما "198". إن هذا التقسيم يعتبر تقسيماً مؤقتاً» وضع في فترةي معينةي تتناسب في ظروفها مع طبيعة المجتمع. وقد رتب الفقهاء علي هذا التقسيم جملةً من الأحكام الشرعية. التي تتفق وطبيعة الحرب الدائرة بين المسلمين وأعدائهم آنذاك. أضف إلي ذلك: أن من خصائص الإسلام شمولية دعوته. وهذه الخاصية لم تتحقق في الوقت الذي كانت الحرب فيه دائرة بين المسلمين وأعدائهم. لذا كان منطقياً أن يجتهد الفقهاء في تقسيم الديار. حتي يتسني لهم وضع أنظمةي يتحقق بها التعايش بين المسلمين وغيرهم من الأمم. إن هذا التقسيم في حقيقته تقسيمى اعتباريى بالدرجة الأولي. يدور مع علته. ويزول بزوال العارض وهو الحرب. وقد أشار القرآن إلي اتخاذ موقف الحياد في بعض الحالات. قال تعالي "وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّي يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَي قَوْمي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقى أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَي الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا " "89 90 91 سورة النساء". فبمقتضي هذه الآيات يقتل المسلمون كل من ظفروا به من المنافقين الذين أركسهم الله بما كسبوا. أو تركهم في ضلالهم يعمهون. إلا إذا اتصلوا بقوم من المعاهدين. وانضموا إليهم. فصاروا مثلهم في حكم المعاهدين. أو فضلوا التمسك بالحياد. وضاقت صدورهم بقتال المسلمين وقتال قومهم. فليس للمسلمين في هذه الحالة أن يقاتلوهم. بل لا بد لهم من أن يبذلوا لهم الأمن والسلام. وخلاصة القول أن الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص. فما يصلح لمجتمع قد لا يصلح لمجتمع آخر. لذا فإن هذا التقسيم صار في العصر الحاضر لا مبرر له وليس معمولاً به. خاصة في ظل استقلال الدول تحت راية المجتمع الدولي. أضف إلي ذلك أنه لا يجوز لأي دولةي إسلامية أن تغير علي غيرها. وأن تنهب أموالها وثرواتها بحجة أن الغلبة للمسلمين. فاستقلال الدول أمر له قدره وقيمته واحترامه. وليس من حق الدولة المسلمة قتال دولة أخري إلا دفاعاً. أي أنه ليس من حقها البدء بالقتال.