مازلنا في رحاب السيرة العطرة.. ومحاولة لقراءة عصرية لسيرة خير البرية عليه الصلاة والسلام. توقفت عند قول الله سبحانه وتعالي مخاطباً حبيبه محمد في القرآن "وإنك لعلي خلق عظيم".. وتساءلت ما هذا الخلق الذي يصفه الله سبحانه وتعالي العلي العظيم بأنه "خلق عظيم".. وتذكرت حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.. بأن الرسول الكريم كان خلقه القرآن.. وانه كان قرآنا يمشي علي الأرض.. وهنا كان لزاما أن نقرأ معا الأخلاق في القرآن الكريم لنتعرف منها علي خلقه الكريم عليه الصلاة والسلام. ** بدأت بسورة البقرة.. وتابعت خطاب المولي عز وجل لبني اسرائيل "يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم.. وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم.. وإياي فارهبون.. وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به.. ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً.. وإياي فاتقون.. ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة.. وآتوا الزكاة.. واركعوا مع الراكعين.. أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.. واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة إلا علي الخاشعين" حتي قوله سبحانه "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون" وتأملت تلك الأوامر التي تعبر عن خلق رفيع طالب الله بني اسرائيل به.. فكان النبي عليه الصلاة والسلام صاحب هذا الخلق وليس هم.. يذكرهم الله بأبيهم يعقوب الذي كان شاكرا لربه بينما أبناؤه يكفرون بالله.. بل ويحاربون الله ورسله.. لذلك فإن الله يأمرهم باتباع هدي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وما جاء به من الوحي الذي جاء تصديقاً لما معهم من التوراة وما جاء به موسي عليه السلام.. ويحذرهم الله ويحذر كل البشر بألا يشتروا بآيات الله عرض الدنيا وهنا تجد الأخلاق التي يطالبنا بها الله وهي "لا تكتموا الحق".. ولا تشهدوا زوراً ولا تكذبوا.. ولا تكذبوا مقابل رشوة.. لأن الدنيا كلها لا تساوي شيئا.. والمهم أن تتقوا الله.. وتقوي الله هي الأساس الذي يبني عليه كل خلق رفيع.. لذلك كانت التقوي هي أساس خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام.. والتقوي بفعل الأوامر.. واجتناب النواهي.. ويحذر الله بني اسرائيل وهو تحذير من خلق سييء وتنبيه لعكسه وهو الخلق الأفضل مثل المزج بين الصدق والكذب.. ولذلك فإن اتباع أوامر الله بإقامة الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر.. وكذلك أداء الزكاة.. كما يؤكد علي صلاة الجماعة في قوله "واركعوا مع الراكعين". ويواصل الله سبحانه وتعالي أوامره من خلال النهي عن فعل المعاصي ومنها انهم يزكون أنفسهم وهم في المعاصي يأمرون غيرهم بالخير ولا يأتمرون.. وينهونهم عن الذنوب ولا ينتهون.. وعندهم كتاب واضح ولا يستضيئون بنوره ولا يهتدون بهداه ولا تستمعون لقول العقل الذي ينهي عن العيوب ويدعو للتفاؤل "أفلا تعقلون". ويدعونا الله سبحانه وتعالي إلي الصبر والصلاة وتقوي الله.. واتقاء يوما نعرض فيه علي الله.. وهذا هو الأساس.. لأن الله سبحانه وتعالي يدعونا جميعاً إلي اتقاء هذا اليوم والعمل من أجل الجنة والخوف من النار. .. وانظر إلي قوله تعالي جل شأنه "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".. وهذه رسالة واضحة وصريحة بأننا أمة وسط.. جعلنا الله سبحانه وتعالي وسطاً بين الأمم والوسطية هي أصح السبل.. فلا إفراط ولا تفريط.. فنحن أمة وسط في المعتقد.. وأمة وسط في العبادة.. وأمة وسط في الآداب والسلوك والأخلاق.. بل الوسطية في كل أمور الدنيا والدين. فالمسلمون هم الوسط بين الطرفين وهم العدول الذي يشهدون علي الأمم المكذبة بإرسال الرسل مما يجعل إجماع الأمة حجة ومخالفتها ضلال.. وهذا هو الدرس الأول ان الرسول الكريم هو الوسطية ذاتها وهو أقوي رد علي هؤلاء المتطرفين. "وللحديث بقية إن شاء الله"