إن مراحل التحول التاريخي في حياة الأمم والشعوب تحتاج إلي تضافر المجتمعات ووحدة صفها. وجمع كلمتها. وإرساء القيم المثلي. والمباديء العالية. والأخلاق الفاضلة. حتي يكتمل بناء الأمة علي نحو قويم. فما أحوجنا إلي التحلي بمكارم الأخلاق. وأن يتحاب الناس فيما بينهم. وألا يعادي بعضهم بعضاً. ولا يحسد بعضهم الآخر كما أرشد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بتنقية المجتمع من الرذائل قبل التحلي بالفضائل. فالتخلية مقدمة أولاً لتصفية المجتمع وتنقيته. ثم يكون بعد ذلك التحلي بالفضائل. ولقد كان الهدي النبوي مركزاً علي التخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل ففي الحديث يقول الرسول - صلي الله عليه وسلم: "لا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً". فنهي أولاً عن الرذائل ثم أمر آخراً بالتحلي بالفضائل فقال: "وكونوا عباد الله إخواناً".. وفي بعض الروايات "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه". إن التربية الإسلامية التي وجهتنا إليها أحاديث الرسول - صلي الله عليه وسلم - راعت في توجيهها التخلي عن الرذائل أولاً. وذلك لتنقية المجتمع من بعض التصرفات التي قد يقع فيها كثير من الناس دون أن يشعروا. ثم كان التوجيه إلي التحلي بالفضائل وبالقيم المثلي والأخلاق الفاضلة. حتي لا ننسي ونحن نبني مجتمعنا الجديد أن نترك قيمنا الإسلامية الأصيلة. وألا ينسي بعضنا بعضا. بل واجبنا أن نتحاب وأن نتواد وأن نتآلف وأن نتعاطف. كما قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي". إن الحديث النبوي الشريف شبه الناس في تعاونهم وتآلفهم بالجسد الواحد حتي يظل الناس علي قلب رجل واحد. فيشعر كل منهم بشعور أخيه. فلا يظلمه ولا يسيء إليه ولا يخذله ولا يقع في غيبته أو نميمته. بل يكون محباً لإخوانه ويكون معهم قوة له ولهم كما قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً". إن المرحلة التي يمر بها مجتمعنا تحتاج منا أن نتحاب. وأن نتواد وأن يحب كل إنسان لأخيه ما يحبه لنفسه. ولطالما ربط الرسول - صلي الله عليه وسلم - رابطة الإيمان بالإخوة وجعل كمال الإيمان لا يتم إلا إذا أحب الإنسان لأخيه ما يحبه لنفسه. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه" رواه البخاري ومسلم. ولنكن علي يقين. في الوقت الذي يعبر مجتمعنا هذه المرحلة أننا في أمس الحاجة إلي تأكيد الصلة بالله سبحانه وتعالي طاعة له وتوكلاً علي الله. فلا نسأل إلا الله ولا نتوكل إلا علي الله. وإلي جانب هذا نأخذ بالأسباب. ونتابع الإخلاص في العمل. ولنكن علي يقين أن الذين يتوكلون علي الله ويأخذون بالأسباب يرعاهم الله جل وعلا ولا يمسسهم سوء. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي - صلي الله عليه وسلم - يوماً فقال: "ياغلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. وإن اجتمعوا علي أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي. وفي رواية أخري: "احفظ الله تجده أمامك. تعرف إلي الله في الرخاء يعرفك في الشدة. واعلم أن ما أخطأك. لم يكن ليصيبك. وما أصابك لم يكن ليخطئك. واعلم أن النصر مع الصبر. وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا" رواه أحمد والطبراني إن واجبنا في مرحلة التحول التاريخي التي تمر بها أمتنا أن نحافظ علي العلاقات الإنسانية والاجتماعية. وأن ننأي بأنفسنا عن كل ما يسيء العلاقات. عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه" رواه البخاري ومسلم. وأكد الإسلام علي حرمة النفس والمال والعرض. وقد أعلن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ذلك في حجة الوداع حيث قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". وتأكيداً للعلاقات الإنسانية بين الناس وضح الرسول - صلي الله عليه وسلم - حق المسلم علي أخيه المسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "حق المسلم علي المسلم خمس: رد السلام. وعيادة المريض. واتباع الجنائز. وإجابة الدعوة وتشميت العاطس" رواه البخاري ومسلم. وهي حقوق لا تلزم الإنسان لمجرد رابطة من روابط الرحم. بل هي حقوق تجب لأنه مسلم. ولأنه آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبسيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً. وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "حق المسلم ست إذا لقيته فسلم عليه. وإذا دعاك فأجبه. وإذا استنصحك فانصح له. وإذا عطس فحمد الله فشمته. وإذا مرض فعده. وإذا مات فاتبعه" رواه مسلم. وواجب المجتمع أن يقوم بالتناصح والتواصي بالحق والصبر. وقد وضح رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ما يرضاه الله تعالي لعباده وما يكرهه لهم حيث قال: "إن الله تعالي يرضي لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً. فيرضي لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويكره لكم قيل وقال. وكثرة السؤال وإضاعة المال" رواه مسلم. إن واجب مجتمعنا في هذه الآونة التي نمر بها أن نحافظ علي البناء الأخلاقي. وأن نحمي أمتنا من غوائل الفتن. وما ظهر منه وما بطن. وأن نعمل علي انتشار الفضيلة وتنقية المجتمع من كل شر وباطل. وأن نخلص جميعاً في عملنا. حتي تتم سعادة المجتمع وهناءته. وأن نبتعد عن الظلم فلا يظلم أحد أحداً. ولا يستعلي أحد علي أحد كما قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم علي أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".