يفهم الكثيرون أن الإحسان إلي اليتيم يكون من خلال توفير ثلاثية ¢ المأكل والمشرب والملبس ¢ إلا أن أهم ما يحتاجه اليتيم وخاصة في شهر رمضان وطوال شهور السنة أن يشعر بإنسانيته وكرامته ويتم دمجه نفسيا في المجتمع وتتم المحافظة علي أمواله وعفة نفسه في البداية يوضح الدكتور حامد أبو طالب العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية .أن الإحسان إلي اليتيم خلق إسلامي رفيع حثنا الإسلام عليه وجعله من أفضل الأعمال الي الله فقال تعالي :¢ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَي الْمالَ عَلي حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبي وَالْيَتامي وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَي الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ¢ وأشار الدكتور أبو طالب إلي أن الإسلام جاء ولم يكن لليتيم حظ في الحياة فأمر بإكرامه والإحسان إليه منذ بداية الدعوة ولهذا فحينما هاجر المسلمون إلي الحبشة وأرادت قريش إرجاعهم وقف جعفر بن أَبي طالب أمام النجاشي ملك الحبشة يشرح له محاسن الإسلام وأخلاقياته السامية ومنها :¢ .... كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةي . نَعْبُدُ الأَصْنَامَ . وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ . وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ . وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ . وَنُسِيءُ الْجِوَارَ . يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ . فَكُنَّا عَلَي ذَلِكَ . حَتَّي بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا . نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ . وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ . فَدَعَانَا إِلَي اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ . وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَحْنُ نَعْبُدُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ . وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ . وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ . وَصِلَةِ الرَّحِمِ . وَحُسْنِ الْجِوَارِ . وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ . وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ . وَقَوْلِ الزُّورِ . وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ . وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ¢ وأوضح أن القرآن الكريم وقف علي حقيقة الإحسان إلي اليتيم وعدم الاعتداء علي ماله في العديد من الآيات منها قول الله تعالي :¢ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ¢ وقوله تعالي أيضا :¢ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ¢ الطريق للجنة أشار الدكتور سيف رجب قزامل . عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا -جامعة الأزهر. إلي أن الإسلام جعل من السبع الموبقات التي توبق صاحبها وتدخله نار جهنم أكل مال اليتيم فقال صلي الله عليه وسلم :¢ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ . وَمَا هُنَّ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللهِ . وَالسِّحْرُ . وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ . وَأَكْلُ الرِّبَا . وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ . وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ . وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ¢ وأضاف الدكتور قزامل. إلي أن القرآن حذرنا من إهانة اليتيم وأذاه بأي نوع من الإهانة والأذي , قال سبحانه:¢ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ¢ وقال ايضا : ¢ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ¢ وأكد نفس المعني في قوله : ¢ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلَا يَحُضُّ عَلَي طَعَامِ الْمِسْكِينِ ¢ وأوضح الدكتور قزامل . أن الله اخبرنا في القرآن أنه يحفظ حق اليتيم ويبقي صلاح الوالدين له بعد الممات فقال تعالي : ¢ وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزى لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ¢وأكد علي أن إكرام اليتيم سبيل إلي الفوز بالجنة .فوصف الله المؤمنين المتقين :¢ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا¢ وقال : أوصانا النبي صلي الله عليه وسلم بالضعيفين : اليتيم والمرأة لأنهما الأولي بالرعاية والعناية فقال:¢ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ : حَقَّ الْيَتِيمِ . وَحَقَّ الْمَرْأَةِپ¢پ. وقد جعل صلي الله عليه وسلم كافل اليتيم مرافقا ومصاحبا له في الجنة فقال : ¢أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ , وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَي , وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلاً¢ وأنهي كلامه مؤكدا أن شهر رمضان فرصة ذهبية للاحسان إلي الأيتام ليس بالطعام والشراب والملبس فقط كما يظن البعض بل إن اليتيم في حاجة إلي أن يشعر بحنان المجتمع كله عليه حتي يشعر أن كل الناس أهله . ولا توجد فرصة لذلك طوال العام أفضل من رمضان . وقد شجع الرسول أصحابه علي ذلك صراحة وعملياپفقد قالپكعب بن مالك: أول أمر عتب علي أبي لبابة أنه كان بينه و بين يتيم عذق . فاختصما إلي النبي صلي الله عليه وسلم . فقضي النبي صلي الله عليه وسلم لأبي لبابة . فبكي اليتيم . فقال النبي صلي الله عليه وسلم :¢ دعه له ¢ . فأبي . قال :¢ فأعطه إياه ولك مثله في الجنة ¢ . فأبي فانطلق ابن الدحداحة فقال لأبي لبابة : بعني العذق بحديقتين . قال : نعم . ثم انطلق إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله. أرأيت إن أعطيت هذا اليتيم هذا العذق . ألي مثله في الجنة ؟ قال : نعم . فأعطاه إياه . قال : فكان النبي صلي الله عليه وسلم يقول : كم من عذق دواح لأبي الدحداح في الجنة - مرارا ¢ . كما جعل صلي الله عليه وسلم خير البيوت البيت الذي فيه يتيم يكرم وشرها البيت الذي فيه يتيم يهان وجعل مسح رأس اليتيم عطفا وحنوا عليه سبباً لجلاء ومعالجة قسوة القلب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَي رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ . فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ . وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ¢ بل أنه وعد من يمسح علي رأسه بحسنات بعدد شعر اليتيم الاحتواء النفسي عن الآثار النفسية للاحسان الي اليتيم . قال الدكتور حسام الدين عزب . أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس : لاشك أن اليتم يتعرض لازمة وصدمة نفسية شديدة جدا بفقده والده مما يجعله يعيش حالة من التوهان والاكتئاب الشديد الذي إذا لم يتم التعامل معه بشك جيد قد يؤدي إلي انتحار اليتيم أو تحوله إلي شخصية غير سوية تسعي إلي الانتقام من المجتمع الذي أهمله بعد أن فقد عائله وأشار الدكتور حسام . إلي أن شهر رمضان وما فيه من الصفاء النفسي والروحي يعد فرصة ذهبية لاحتواء اليتيم ليس فيه فقط بل طوال العام حتي نشعره بكرامته وإنسانيته التي تعد عنده أفضل من أن نوفر له الطعام والشراب والملبس فقط پوهذا ما عبر عنه بقول الشاعر عبد الرحمن العشماوي : انظرْ إلي وجه اليتيمِ ولا تكنْ إلا صديقاً لليتيمِ حميما وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ فالعَطْفُ يمكن أنْ يُري مرسوما