لم تفق مصر بعد من ازمة مثقفيها ونخبتها المثقفة .. وبعد ان طفح الكيل وفاض .. يبتليها الله في وزارة ثقافتها .. في وزارة المفروض انها مسئولة عن تشكيل الوعي والوجدان وإنارة الطرق امام حركات التفكير وفتح آفاق ارحب للنهضة .. في وقت باتت الحرب علي العقول واللعب بالاذهان وتحيير من يحاولون اعمال عقلهم واغراقهم في موجات متصاعدة ومتناقضة من نظريات اللامعقول علي كل صعيد .. الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي .. كلها قمة في الانتهازية والنفعية والديماجوجية .. تهدم ولا تبني .. تريد صياغة عالم آخر وفق امزجة قوي الهيمنة والسيطرة المعاصرة .. قوي التفكيك الديني والسياسي والجغرافي .. قوي التذويب الثقافي .. قوي الفوضي .. خلاقة وغير خلاقة ..قوي تحطيم التابوه.. محو وازالة واهانة كل ما هومقدس .. كل ما له صلة بالدين أو مرتبط بالايمان .. أو يمتد بحبل الي السماء.. نعم نحارب جميعا التطرف بكل قوة .. ونعمل بجد علي الا يكون له مكان اوموطأ قدم .. لكن علي ما يبد وفقد وقعنا - المجتمع المصري - بين فكي رحي لا تعرف الرحمة .. يبدوان احجارها قد ادمنت طحن الوسطية والاعتدال .. بعد ان ابتلعنا كثيرا من الطعم الفاسد أو وقعنا في فخ الشراك المضللة باسم محاربة التطرف والارهاب بنوعيه : الفكري بكل صنوفه واشكال اتباعه .. والمسلح بكل شؤمه وسواده .. وفي الحرب المعلنة وقعنا اوفوجئنا بان المجتمع سقط ضحية وزراء متشاكسين .. لدينا وزير نشط جدا يخوض غمار حرب ضروس علي امتداد الجمهورية وفي اشد الاماكن حساسية ومع قوي لا يخفي علي احد تأثيرها وجماهيريتها والتحامها بالجماهير - ونحن هنا نقرر حقائق .. بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها أو مدي مشروعية منحها اومنعها اوحرمانها اوالتضييق عليها .. لكنها قوي موجودة علي الارض وتمتلك ادوات مادية ومعنوية .. الآن الاوقاف بقيادة الدكتور مختار جمعة تخوض المواجهة الضارية .. وتلك القوي تعلم يقينا انه يجردها من كل اسلحتها ويخلع عنها كل صفة شعبية أو رسمية حصلت عليها .. الاهم في الموضوع ان المعركة الخطيرة الحرجة بالغة الحساسية تدور رحاها تحت مظلة ورعاية الازهر .. وهي المظلة التي تمنح القائمين عليها مزيدا من الشرعية والقوة .. وتحرج الاطراف الاخري وتضعها في موقف لا تحسد عليه .. تكاد تلقمها حجرا كما يقولون أو تجعل في فم الكثيرين ماء فلا يكادون ينطقون. هذه المظلة لها شرعيتها ومكانتهاالمكتسبة من شرف الدين الذي تحمل لواءه وتتصدي للدفاع عنه .. ويقولون انه تم توفير الحماية الدستورية والقانونية للأزهر حتي يتمكن من القيام بدوره في هذا الصدد .. وسيظل ذلك الكلام مجرد ظلال ادعاء حتي يكون واقعا وحقيقة ملموسة علي الارض حتي ولو تم تحفيظ الجماهير نصوصا موجودة في الدستور. لابد من الاشارة هنا ان المؤسسة الدينية في مصر تعيش لحظة نادرة من التوافق والانسجام بين اركانها الثلاثة -- الأزهر جامعا وجامعة وفوقهما المشيخة .. ووزارة الاوقاف ودار الافتاء ..هذا الانسجام يفتح مغاليق كثيرة من الامور امام وزير الاوقاف في حركته الدءوب .. والذي يكاد يكون متحدثا باسم شيخ الازهر. ولا يجد ساكنو المشيخة ومن يحيطون بالامام الاكبر حرجا أو حساسية في ذلك .. وهوما يعطي دفعات قوية ومساندة لتحركات الوزير حتي المتشددة منها أو شديدة القسوة علي الآخرين.. ولعل هذا ايضا ما يضعف جانب القوي الأخري المناوئة أو المستهدفة في الحرب علي التطرف والارهاب .. الدكتور جمعة يلتحف بالازهر ويتخذه ستارا وحماية حتي في غلق المساجد والزوايا التي لا يتوافر لها ازهريون .. يفرض قبول الازهريين علي ضعفهم وقلة ثقافتهم علي الجميع .. يجعل المساجد تتجرعهم أو تستسيغهم بأي درجة في مقابل حرمان اصحاب الافكار إياها .. وبصراحة الكل ينتظر والتجربة علي المحك .. ونحن في انتظار هلول شهر رمضان .. والمجتمع يستعد للمعركة الانتخابية للبرلمان .. والقوي الاسلامية مجروحة أو مهيضة الجناح .. وحائرة بين لملمة الاشلاء أو مواجهة الصراعات الداخلية- الداخلية التي تمزقها بالفعل وبين حملات مسعورة لشيطنتها وتكفيرها لاغراض في نفس يعقوب وبينما تسعي المؤسسة الدينية بكل ما أوتيت من قوة وبكل اجهزتها وعلمائها ومشايخها لتأكيد دور الازهر وفرض قاعدة لا صوت يعلوفوق صوت الازهر وتقول نعم للازهر والازهريين ..فيما يخص امور الدين وما يرتبط بشئون حياة المسلم .. عقيدة وشريعة .. اذ بنا نفاجأ باصوات نشاز وعلي حين غرة من يصرخ من قلب الحكومة ان : لا للازهر .. الازهر لن يحكمنا .. لسنا في دولة دينية .. بطريقة لا تخلومن فجاجة وتكاد تناطح المصابين بداء المراهقة السياسية والعجرفة الثقافية والاستعلاء الاجتماعي البغيض .. وكلها امور ليس هذا أو انها ولا يسمح بها كرسي الوزارة لمن يمتلك حصافة اويستشعر حرج اللحظات التاريخية ويعرف خطر الورطة الحكومية اوصعوبة المزالق التي يضعها امامها اويستدرجها اليها .. والناس في غفلة من امرهم ساهون .. تصريحات السيد جابر عصفور.. وزير الثقافة الجديد القديم في جلسة فضائية علي الهواء مباشرة .. نسفت في لحظة خاطفة .. ما تحاول حكومات متتالية في اللحظات الحرجة ان تبنيه .. ووضع حكومة المهندس ابراهيم محلب في ورطة اومأزق شديد .. ودفع الناس في الداخل والخارج علي السواء الي التساؤل بدهشة والصراخ الي السيد رئيس الوزراء من فضلك أرحنا .. فنحن لا تنقصنا حيرة في امورنا .. حتي تزودنا بحيرة اعضاء حكومتك ومعاونيك .. نصدق من بجد .. وزير اوقافك الذي لا تتوقف تصريحاته ولا جولاته وتحقيقاته الادارية والقانونية وعزل ونقل كبار الموظفين من الائمة والدعاة ..ام وزير ثقافتك المسفه للازهر ورجاله والذي يهيل عليه التراب في وقت يتطلع فيه العالم الي الأزهر وليس المصريون فقط ؟!! وهل فعلا انتم جادون في موقفكم من دعم الأزهر والعمل علي تأكيد استقلاله .. ام ان ظروف الثورة حكمت وقام الازهر بدوره وانتهي .. والآن تجعلونه عرضة لكل من هب ودب حتي علي المستوي الرسمي ايضا ؟! ما هي الحكاية بالضبط ؟! ولماذا لم نسمع من الحكومة وعلي اي مستوي رد فعل .. هل صمت الحكومة يشبه صمت العذراء عندما يتقدم احد لخطبتها ؟! هل هذا يعني. موافقة .. ام ان الحكومة لا تستطيع مواجهة القوي العلمانية بحجة كما يقولون في بعض الاحيان عند تفسير الصمت المريب بانه حتي ¢¢ لا يشمت الاخوان .. أو الجماعة الارهابية ؟!! ¢¢ اخشي ان يكون هذا الصمت بداية اواشارة اوبمثابة اعطاء الضوء الاخضر لجماعات وجبهات اخري بالانقضاض علي الازهر وشيخه .. وان يمتد الامر الي كل المؤسسات الدينية .. في غمرة الهوجة التي تعيشها البلاد ويخشي فيها البعض علي انفسهم ومكاسبهم التي اقتنصوها أو اغتصبوها في ظل حالة الفوضي العارمة ..وتتملكهم هستيريا من الرغبة الجادة في ربط الصواميل المفكوكة وضبط الزوايا ومحاولة اعادة الاتزان المفقود علي كل صعيد .. اقول هذا وأنا أري امامي شواهد لاتبعث علي الامل اطلاقا في هذا الاتجاه .. وهي حوادث وقعت بلا رد مناسب اوحتي اشارات علي الرفض والامتعاض .. رغم ما كان من بينها ما يمس صحيح الدين بكل وقاحة والاجتراء عليه بكل فجر .. ومنها ما يتعلق بالاخلاق العامة في المجتمع والعدوان عليها .. ومنها ما هو ملتبس أو يحاول البعض من خلاله تزيين الباطل بالحق أو الباس الحق ثوب الباطل .. فما اكثر المرات التي تطل منها رؤوس الالحاد علي الشاشات تسب الدين وتلعن المتدينين باسم الحرية تارة .. وباسم الفكر تارة اخري .. ولم يتحرك احد .. وكم من اعمال فنية ودرامية وبرامج حوارية عرضت ولاتزال .. تحض علي الرذيلة وتخدش حياء المجتمع المنفلت فما بالك بالمتدين ..برامج لا تعرف حياء ولا عفة ولا اخلاقا.. ويغضون الطرف عنها .. بل هناك قنوات مخصصة لكل ساقط رخيص وعفن .. ولم يلتفت احد الي صرخات الغاضبين وصيحات المحذرين المنذرين .. أيضا وهذا هوالاغرب .. التليفزيون الرسمي يهدم من جانب ما تقوم به المؤسسة الدينية من جانب اخر .. سواء في الافلام والمسلسلات اوفي البرامج الحوارية والتي تستضيف اناسا يسمون انفسهم دعاة أو اساتذة شريعة .. كذلك الذي شن هجوما علي ضوابط الاعتكاف وتنظيمها مبشرا بعودة دولة حبيب العادلي الي المساجد وتباكي متسائلا الا يوجد رجل رشيد يضبط الامور علي حد تعبيره ؟!! وهل في الشريعة ان تؤمم المساجد بهذه الطريقة ؟!! ملحوظة الرجل يروج انه صديق صدوق لوزير الاوقاف ولف المساجد معه علي البرش ؟!!.. وانا اسوق المثال للتأكيد علي حالة الهدم والهدم المتبادل داخل الحكومة الواحدة وغياب الرؤية وفقدان التناغم في الاداء حتي في أشد القضايا حساسية ..!! تصريحات الدكتور جابر عصفور عن الازهر تلفت الانظار الي حقيقة مهمة يتم غض الطرف عنها سواء عن جهل أو مع سبق الاصرار والترصد .. وهي ضرورة اصلاح الخطاب العلماني بنفس القدر وحال الضرورة التي تطالب ونلح فيها علي اهمية وخطورة وسرعة اصلاح الخطاب الديني .. ولنكن صرحاء .. فمن الوهم تخيل أو تصور.. ان اصلاحا ما سيحدث علي مسار الخطاب الديني .. طالما استمرت جريمة النهش العلماني بالحق وبالباطل لكل ما هو اسلامي .. وطالما استمرت استفزازات العلمانيين بمناسبة وبدون مناسبة.. تقلل من شأن وتحتقر وتسفه الفكر الاسلامي أيا كان مصدره حتي ولو كان الازهر الشريف..!! جرس انذار قوي للحكومة والازهر والتيارات الاسلامية ايضا فهل من مجيب .. لله ورسوله وللوطن ان كنتم تحبون.. وترغبون في اصلاح حقيقي يليق بمصر وشعبها واسلامها الحنيف العظيم ؟!!