هذا هو شهر رجب قد قوضت خيامه وعابت نجومه وانقضت أيامه . وبان شهر شعبان وسار إلي ديار الفوز ركبانه وأقدم المؤمن بطاعته وهزم شيطانه. لقد ولي رجب الأصم وأخبرنا بوداعه. فأينا ودعه وأودع فيه ما غداً ينفعه؟! فويل لمن داوم علي المعاصي وواعظ الإيمان لم يقنعه وويل لمن ذهب عنه شهر رجب وانصرم وهو في تعداد من هجر الطاعة وصرم فكيف يرجو الفضل من الله والكرم من اجترم وما لنفسه احترم؟!! آه لأوقات مضت من رجب لا سبيل لرجوعها وساعات طاعة ضاعت فمن يعيدها ويا فرحة بنفوس صبرت علي الطاعة وعلي عطشها وجوعها فوجدت يوم القيامة ما أعد للصابرين وما وعدها وحسرتاه علي أعمال رفعت لم تقبل من مرفوعها ولأصوات ردت بسبب قولها فإذا جاء شهر شعبان فشمروا. وحذروا أن يتولي عنكم معرضا. ويفوتكم الغفران والرضا فأين من استدرك ساعاته وقضي؟ وطالب نفسه بالإنابة وما فرطا؟ أين من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي؟ وبادر بالصالحات ليرضي ويرتضي . أين من جرد سيف التوبة علي خطايا نفسه وانتضي؟ قبل أن ينفذ فيه سهم القضا! أين من تنبه لرحيله ومأواه؟ وحذر أن تستلب أيامه ويشغله هواه. فقام الليل وما أشد بكاه . وصام النهار ليوم يلقاه انتقل إلي الصلاح قبل أن يموت وحاسب نفسه قبل ما الوقت يفوت. فنوديا عليه فزت ورب البيت بما فعلت وقدمت. فالحمد لله الذي بلغنا شهر شعبان الذي يغفل عن فضله الناس فهو يقع بين شهرين عظيمين رجب وهو من الشهور الحرم - ورمضان وما أدراك ما رمضان؟ وسمي شعبان من تشعب القبائل وتفرقها في طلب الماء والغارات ويجمع علي شعابين وشعبانات ونحن في مواسم الطاعات تتفتح علينا خزائن النفحات فينبغي علي كل مسلم أن يبادر باغتنام هذه الأيام الفاضلة وخاصة في هذه الأيام التي نعيشها الآن . والتي كدرتها المحن والأزمات . وانتشر فيها الخلافات والمنازعات ونسوا العمل الصالح وأغلقوا باب الطاعات وما عند الله لا يطلب إلا بطاعته. فكان لزاماً علي المسلمين المسارعة في تقديم أعمال الخير والتنافس في الطاعات التي ندب الشارع إليها وحث علي فعلها قولاً وفعلاً لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم "تعرضوا لنفحات الله في أيام دهركم . فإن لله نفحات عسي الله أن يصيبكم منها بواحدة فلا تشقوا بعدها أبدا" وأيام شعبان من نفحات الله في دهرنا. ولذا فضل العمل الصالح في شعبان وقد جاءتنا هذه الفرصةالعظيمة والمنحة الربانية الجليلة بظهور هلاله . وكان الرسول وأصحابه والتابعون ومن تبعهم بإحسان به يهتمون . وللعمل الصالح فيه يكثرون إذ كانوا يعتبرونه مقدمة رمضان وترويض النفس علي الطاعة ومشقة الصيام . فهو كالنافلة قبل الفرض . فكانوا أغلبه يصومون . والقرآن فيه يرتلون . وللصدقات دافعون ولربهم يتضرعون فيا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها في اللهو والغفلة فبئس ما استودعها. وكما قالوا: مضت أيام رجب وما أحسنت فيه. وهذا شهر شعبان أدركت أيامه ولياليه تدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص واطلب السلامة. فخير الناس من لأخطائه تدراك فيا أيها الغافل عن فضيلة شهر شعبان اعرف زمانك. يا كثير الحديث فيما يؤذي غيرك احفظ لسانك يا مسئولاً عن أعماله اعقل شانك يا متلوثاً بالمعاصي اغسل بالتوبة ما شأنك . يا مكتوباً عليه كل ما فعل تصفح ديوانك يا من أكثر عمره قد مضي. ونفسه مع اللحظات تقتضي. وأنذره سلب القرين معرضا فكيف يا مسكين لا تحترس من سيف منتضي. فإن كان ما فرط يوجب السخط فاطلب في هذا الشهر الغفران والرضا إلي متي تقول غداً افعل ويسوف عليك الشيطان وتنسي قول الرحيم الرحمن: "وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" "آل عمران: 133" فيا أيها الغافل عن موسم الطاعات تنبه لرحيلك ومسراك واحذر من اتباع هواك . وانتقل إلي الصلاح قبل أن تنقل وحاسب نفسك علي ما تقول وتفعل ولا تغفل عن تدارك ما فات فالله لا يغفل وهو مطلع علي العباد. أما فضائل شهر شعبان أن العبادة في وقت الغفلة لها أجر عظيم عند الله لقول الرسول "صلي الله عليه وسلم" ذلك شهر تغفل عنه الناس يقع بين رجب ورمضان" "النسائي" وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلي الله فقال صلي الله عليه وسلم "فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم "النسائي" وهو شهر به ليلة النصف من شعبان فقال صلي الله عليه وسلم "إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل عبد إلا مشرك أو مشاحن" صححه الشيخ أحمد شاكر في مسند أحمد". فيا من أدركه شعبان وما زال مخاصماً ومشاحناً بادر بالسلام قبل ليلة النصف من شعبان وخذ بقول سيد الأنام "خيركم من يبدأ بالسلام" ليصب عليك المغفرة صباً. وشعبان ناقلة لشهر رمضان فاغتنموه تفلحوا وبرسولكم تلحقوا وبجنة ربكم تظفروا.