معجزة الإسراء والمعراج من المعجزات العظيمة التي أكرم الله بها نبيه صلي الله عليه وسلم. وأعلي بها شأنه. وكانت تخفيفاً لألم رسول الله وحزنه وما لاقاه من قومه من إعراض وأذي. وليس هناك تاريخ ثابت يحدد زمن حادثة الإسراء. والمهم هو أن نعلم أن رحلة الإسراء والمعراج وقعت يقظة لا مناماً. وكانت بجسده صلي الله عليه وسلم وروحه. وإن حادثة الإسراء برسول الله صلي الله عليه وسلم إلي بيت المقدس لتؤكد هوية القدس الإسلامية. وتوجب علي الأمة إخراج اليهود منه. ولا يتم ذلك إلا برفع علم الجهاد. أما طاولة المفاوضات فلن ترد حقاً ولن تردع عدواً. وإنما هي استهلاك إعلامي. وتخدير للشعوب. وتمييع للقضية. اختلاف العلماء في تحديد زمن الإسراء أولاً: تأريخ وتحقيق: لقد اعتاد المسلمون -إلا من رحم الله جل وعلا من المحققين- أن يحتفلوا بذكري الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب. احتفالاً باهتاً بارداً لا يليق بمقام المصطفي صلي الله عليه وسلم. لقد اعتقد الكثيرون أن الإسراء كان في ليلة السابع والعشرين. والتحقيق أن العلماء قد اختلفوا اختلافاً كبيراً في يوم الإسراء. بل في شهر الإسراء. بل في سنة الإسراء!! قال السدي: كان الإسراء في شهر ذي القعدة. قال الزهري: كان الإسراء في شهر ربيع الأول. قال ابن عبد البر: كان الإسراء في شهر رجب. قال النووي: كان الإسراء في شهر رجب. قال الواقدي: كان الإسراء في شهر شوال. وفي قول آخر قال: كان في شهر رمضان. وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بستة أشهر. وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بتسعة أشهر. وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بسنة. وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بسنة وستة أشهر. وقيل: كان الإسراء قبل الهجرة بثلاث سنين. حكاه ابن الأثير. ومن ثم فإن اليوم والشهر والعام للإسراء لا يعلمه إلا الله. والتحديد للإسراء بيوم وشهر ضرب من المجازفة والتخمين. ولا دليل عليه من كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوي صلي الله عليه وسلم. وربما يسمع الآن كثير من آبائي هذا الكلام ويعجب ويقول: كيف.. وقد احتفلنا السنوات الماضية بالإسراء ليلة السابع والعشرين؟! أقول: لو احتفل المصطفي وأصحابه والتابعون من بعد الأصحاب بذكري الإسراء ليلة السابع والعشرين من شهر رجب في كل عام لعلم ذلك لنا ولنقل إلينا بالتواتر. فلما لم يحتفل النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة والأتباع من بعدهم بذكري الإسراء. وجب علينا أن يسعنا ما وسع هؤلاء الكرام. فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. والتحقيق أن الإسراء كان بعد البعثة وقبل الهجرة من مكة زادها الله تشريفاً. وكان إلي المسجد الأقصي الجريح -خلَّصَه الله من أيدي إخوان القردة والخنازير- ثم من المسجد الأقصي إلي السماوات العلي كما سأفصل الآن بحول الله وقوته. لماذا الإسراء؟ ثانياً: ولماذا الإسراء؟ وللجواب علي هذا السؤال: قصة! إنها قصة طفل طهور كالربيع!! إنها قصة طفل كريم كالنسيم!! إنها قصة طفل نشأ في مكة في بيئة تصنع الحجارة بأيديها. وتسجد لها من دون الله جل وعلا! بل كان الواحد منهم يصنع إلهه من خشب. أو من نحاس. أو حتي من حلوي أو من تمر! فإذا ما عبث الجوع ببطنه قام ليدس هذا الإله الرخيص في جوفه ليذهب عن نفسه شدة الجوع! في هذه البيئة نشأ الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم فاحتقر هذه الأصنام. وأشفق علي أصحاب هذه العقول. فترك هذه البيئة الشركية وانطلق بعيداً إلي قمة جبل النور.. إلي غار حراء. ليقضي ليله ونهاره في التأمل والتفكر والتدبر والتضرع. وفي ليلة كريمة يخشع الكون. وتصمت أنفاس المخلوقات. ويتنزل جبريل أمين وحي السماء لأول مرة علي المصطفي صلي الله عليه وسلم علي قمة جبل النور. ليضم الحبيب المصطفي ضمة شديدة وهو يقول له: "اقرأ" والحبيب يقول: ما أنا بقارئ. وجبريل يقول: "اقرأ" والمصطفي يقول: ما أنا بقارئ. وفي الثالثة: غطَّه حتي بلغ منه الجهد. وقال للحبيب: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقي * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ¢العلق:1-5¢ وانطلق الحبيب بهذه الآيات وفؤاده يرتجف. وفرائصه ترتعد. وجوارحه تضطرب. حتي وصل إلي السكن.. إلي رمز الوفاء.. إلي سكن سيد الأنبياء.. إلي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها. وصل إلي هذه الزوجة العاقلة الصالحة التي استحقت أن يسلم عليها ملك الملوك من فوق سبع سماوات. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "أن جبريل نزل إلي المصطفي صلي الله عليه وسلم فرأي خديجة وهي تقبل علي المصطفي. وتحمل إناءً فيه إدام من طعام أو شراب. فقال جبريل: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت. فإن هي أقبلت فأقرئها السلام من ربها". عش مع هذا بقلبك وكيانك ووجدانك وجوارحك! امرأة تستحق أن يسلم عليها الملك من فوق سبع سموات! إن عبداً من العبيد لو أن هيئة مشبوهة قد كرمته ومنحته جائزة مشبوهة. من أجل تفوقه العفن النتن في مجال الفكر -زعموا- حيث لا أدب ولا فكر. فإنه يرفع علي الأعناق وتشير إليه الأصابع. ويحتفي به علي أعلي المستويات في هذه الأمة المسكينة التي خدعت علي أيدي هؤلاء الذين انطلقوا ليقودوا الأمة علي حين غفلة من أهل القيادة والريادة في هذه الأمة! "وأقرئها السلام من ربها ومني -أي: ومن جبريل- وبشرها ببيت في الجنة من قصب. لا صخب فيه ولا نصب. فلما أقبلت خديجة بَشَّرَهَا المصطفي بهذه البشارة وقال يا خديجة: ربك يقرئك السلام وجبريل يقرئك السلام!! -فماذا قالت خديجة البليغة العاقلة العالمة؟ هل قالت: وعلي الله السلام أم ماذا؟ قالت: إن الله هو السلام ومنه السلام. وعلي جبريل السلام. وعليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته". خديجة. عاد إليها النبي صلي الله عليه وسلم يرجف فؤاده. وهو يقول: زملوني.. زملوني.. غطوني دفئوني. ضعوا علي الأغطية. فاستجابت خديجة. حتي استيقظ الحبيب وقد هدأت نفسه. واستقرت جوارحه. وقال: "والله لقد خشيت علي نفسي يا خديجة. وقص عليه. فبشرته بهذه الكلمة الطيبة وقالت: كلا. والله لا يخزيك الله أبداً" ... إلي آخر ما ذكرت. والحديث رواه البخاري وهو حديث طويل.