* رجل من حملة القرآن الكريم يقرؤه بأجرة وهو في حاجة إلي ذلك لمعيشته فهل يحل له أخذ الأجرة علي القراءة كما يحل أخذها علي تعليم القرآن؟ ** يجيب الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق: ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلي أنه لا يجوز أخذ الأجرة علي فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم ومنها تعليم القرآن وقراءته ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أشياء منها تعليم القرآن فأفتوا بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا خشية ضياع القرآن إذا لم يعط المعلمون أجرا علي تعليمه إذ الغالب حينئذ أن ينصرفوا عن القيام به. وبقي حكم أخذ الأجرة علي قراءة القرآن علي ما تقرر في أصل المذهب من عدم الجواز لعدم تحقق هذه الضرورة فيه. قال الخير الرملي في حاشيته علي البحر في كتاب الوقف: المفتي به جواز الأخذ استحسانا "أي للضرورة" علي تعاليم القرآن لأعلي القراءة المجردة كما في التتازخانية حيث قال فيمن أوصي لقارئ القرآن علي قبره بكذا لا معني لهذه الوصيلة ولصلة القارئ بقراءته لأن هذا بمنزلة الأجرة والإجارة في ذلك باطلة وهي بدعة ولم يفعلها أحد من الخلفاء وقد ذكرنا مسألة تعليم القرآن علي الاستحسان ا ه وقال تاج الشريعة ان القرآن بالأجرة لا يستحق الثواب لا للميت ولا للقارئ وقال العيني في شرح الهداية ويمنع القارئ للدنيا والآخذ والمعطي آثمان ا ه. وذهب أحمد "كما ذكره ابن قدامة" إلي ان مما لا يجوز اخذ الأجرة عليه القرب التي يختص فاعلها بكونه من أهل القربة يعني انه اشترط كونه مسلما كالإمامة والأذان والحج وتعليم القرآن واستدل علي ذلك بأحاديث منها حديث عبدالرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولاتجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به" رواه احمد في مسنده والأثرم في سننه ملخصا من المعني وقراءة القرآن من هذا الباب كما هو ظاهر فلا يجوز أخذ الأجرة عليها كما لا يجوز علي تعليمه والقول بعدم جواز أخذ الأجرة علي التعليم هو الذي نص عليه أحمد وبه قال عطاء والضحاك والزهري وعنه رواية اخري حكاها ابو الخطاب انه يجوز أخذ الأجرة عليه كما افتي به المتأخرون من الحنفية. وممن ذهب إلي جوازه مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأبو قلابة كما في المغني وابن سيرين والحكم بن عيينة كما في المحلي لابن حزم وذهب المالكية إلي انه لا يجوز أخذ الأجرة علي ما لا يقبل النيابة من المطلوبات شرعا كالصلاة والصوم بخلاف ما يقبلها فيجوز أخذ الأجرة عليه ومنه تعليم القرآن وقراءته ففي مختصر خليل وشرحه "وجازت اجارة علي تعليم القرآن كله أو بعض منه معين" وفي حاشية البناني عليه عند قول خليل "ولا متعين كركعتي الفجر" أي ولا يجوز الاجارة علي أمر مطلوب من كل شخص بعينه كركعتي الفجر ما نصه لكن ليس مرادهم بذلك كل مندوب بل كل ما لا يقبل النيابة كالصلاة والصوم وأما غيرهما من سائر المندوبات كقراءة القرآن وسائر الأذكار فتجوز الإجارة عليها. قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب هذا حكم الصلاة والصوم الواجب في ذلك والمندوب وأما قراءة القرآن فالاجارة عليها مبنية علي وصول ثواب القراءة إلي الميت ثم استدل علي ان الراجح وصول ذلك اليه بكلام ابن رشد وغيره وقد أوضحنا ذلك ورجحناه في فتوي سابقة بما لا مزيد عليه. وذهب الشافعية كما في شرح المنهاج وحواشيه إلي ان الجارة لا تصح لفعل عبادة يجب فيها النية بحيث يتوقف اصل حصولها عليها كالصلاة والامام وتصح لما ليس كذلك الأذان والاقامة والخطبة وتعليم القرآن وقراءته ويصح الاستئجار لقراءة القرآن في صور القراءة عند القبر للانتفاع بنزول الرحمة حيث يقرأ القرآن ويكون الميت كالحي الحاضر في الانتفاع به سواء أعقب القراءة بالدعاء للميت أو جعل ثواب قراءته له أولا فتعود منفعة القراءة للميت في كل ذلك القراءة في غير المقبرة مع الدعاء عقبها بحصول الثواب للميت لأن الدعاء بعدها اقرب اجابة وأكثر بركة. القراءة بحضور المستأجر أو نحو ولده. القراءة في غيبة المستأجر مع ذكره في القلب حالة القراءة ولو في أولها لأن تذكره سبباً لشمول الرحمة له اذا تنزلت علي قلب القارئ وتصح الاجارة لمطلق القراءة مع نية الثواب للميت علي ما صححه بعض المفتين واختاره ابن السبكي وصاحب الروض. وذهب ابن حزم كما في المحلي إلي انه لا تجوز الاجارة علي كل واجب تعين علي المرء من صوم أو صلاة أو حج أو فتيا أو غير ذلك لأن الطاعة المفترضة لابد من عملها فأخذ الأجرة عليها لا وجه له فهو من أكل أموال الناس بالباطل وأما ما ليس كذلك فتجوز الاجارة عليه مثل أن يحج عنه تطوعا أو يصلي عنه تطوعا أو يؤذن عنه تطوعا أن يصوم عنه تطوعا لأن كل ذلك ليس واجبا علي احدهما ولا عليهما فالعامل يعمله عن غيره لا عن نفسه فلم يطع ولم يعص والمستأجر أنفق ماله في ذلك تطوعا لله تعالي فله أجر ما اكتسب بماله ومن ذلك تعليم القرآن وقراءته فتجوز الاجارة عليهما ملخصا "من ص191 وما بعدها ج 8". وخلاصة المذاهب جواز أخذ الأجرة علي تعليم القرآن عند مالك والشافعي وأحمد في رواية وابن حزم ومتأخري الحنفية وجواز أخذ الأجرة علي قراءة القرآن عند مالك والشافعي وابن حزم خلافا للحنفية والحنابلة.