التربية لغوياً: "من ربا يربو إذا زاد ونما.. فهي تعهد الشيء ورعايته بالزيادة والتنمية والتقوية والأخذ به في طريق النضج والكمال الذي تؤهله له طبيعته". وتظهر التربية وللإنسانية الكاملة إذا نظرنا إلي احتياجات وللإنسان المتعددة ومواهبه المتنوعة وأحطنا بقواه وملكاته جميعها لكي نتعهدها بالتنمية والتقوية. وتتعدد أنواع التربية تبعاً لقوي الإنسان وملكاته. فمنها التربية البدنية لتنمية الجسم وحفظ الصحة. والتربية الأدبية التي تتعهد اللسان وتقومه وتصلح بيانه. والتربية العقلية لتصحيح تفكيره وأحكامه. والتربية العلمية التي تزوده بالمعلومات النافعة والتربية الذهنية التي تساعده علي كسب عيشه. والتربية الفنية التي توقظ شعوره بجمال الكون ودقة تنسيقه وتنظيمه. والتربية الاجتماعية وهدفها تنمية روح الإيثار والغيرة ضد الأنانية والتعريف بالنظم والقوانين السائدة بالمجتمع. وهناك أيضاً التربية الإنسانية لتوسيع الأفق والتنبيه إلي الأخوة العالمية والتربية الدينية للتسامي بالروح إلي الأفق الأعلي بإطلاق.. وتأتي التربية الخلقية للتوجيه المستمر للعلم علي سنن لاستقامة حتي تتكون العادات الصالحة والأخلاق الحميدة الراسخة. ومن المعلوم أن التربية الخلقية هي السياج التي تحيط بألوان التربية جميعاً. فمن واجب الفنان مراعاة قانون الحشمة واللياقة والمحافظة علي ستر الحياء والعفاف. وعلي المعلم الإحسان في اختيار مادة تدريبه العقلي واللغوي.. وهكذا ينبغي أن نخضع سائر ألوان التربية في وسائلها وأساليبها وبواعثها لقواعد الآداب وأن نقيس ذلك كله بمقاييس الفضيلة. وتحتاج التربية الخلقية إلي أنواع من التعب والصبر وطول المرانة لتكوين الملكة الخلقية حتي يصبح السلوك الأخلاقي عملاً انبعاثياً محبباً إلي القلب.. أما الكسالي الضعفاء فلا تتكون لديهم الملكات. بل تموت مواهبهم وتضعف عزائمهم ويحرمون من الاضطلاع بأعباء الحياة والتأثير فيها. بل يعيشون ويموتون في جهالة جهلاء.. كذلك لاينبغي أن نغفل بيان الصلة الوثيقة بين الأخلاق والدين كمصدر رئيسي لقدسية القوانين الأخلاقية ودافع قوي للإنسان إلي الأعمال الخيرة. صلة الأخلاق بالدين: هناك تعريفات مختلفة للدين بوجه عام. منها "أنه حالة خاصة بالشخص مؤلفة من عواطف وعقائد. وسط أعمال عبودية تتعلق بالله" أو أنه نظام اجتماعي لطائفة من الناس يؤلف بينها إقامة شعائر موقوتة. وتعبد ببعض الصلوات وإيمان بأمر نحو الكمال الذاتي المطلق وإيمان باتصال الإنسان بقوة روحانية أسمي هي الله الواحد. أو هو احترام في خشوع لقانون أو عادة أو عاطفة. وإذا نظرنا إلي الدين باعتباره معرفة الحق الأعلي وتوقيره وإلي الخلق باعتباره قوة النزوع إلي فعل الخير وضبط النفس عن الهوي. فإننا أمام فضيلتين أحداهما نظرية والأخري عملية. غير أنه لما كانت الفضيلة العملية يمكن أن تتناول حياة الإنسان في نفسه وفي مختلف علائقه مع الخلق ومع الرب. كان القانون الأخلاقي الكامل هو الذي يرسم طريق المعاملة الإنسانية. وكذلك لما كانت الفكرة الدينية الناضجة هي التي لا تجعل من الألوهية مبدأ تدبير فعَّال فحسب. بل مصدر حكم وتشريع في الوقت نفسه. كان القانون الديني الكامل هو الذي لا يقف عند وصفه الحقائق العليا النظرية وإغراء النفس بحبها وتقديسها. بل يمتد إلي أوجه النشاط المختلفة في الحياة العملية فيضع لها المنهاج السوي الذي يجب أن يسير عليه الفرد والجماعة.. وهكذا يصل القانون الديني إذا استكمل عناصره إلي بسط جناحيه علي علم الأخلاق كله. بل علي سائر القوانين المنظمة لعلاقات الأفراد والشعوب بحيث يجعلها جزءًا متمماً لحقيقته ويصبغ كل قواعدها بصبغته القدسية والعقيدة باعتبارها المصدر الرئيسي للإحساس بقدسية القوانين الأخلاقية هي أكبر دافع يدفع الإنسان إلي الأعمال الإيجابية الخيرة وأقوي رادع يكفه عن اتباع الهوي. وبذلك يظهر تفوق العقيدة الدينية في الحياة الإنسانية إذا قورنت بالقانون. ذلك لأن القانون لا يكفي وحده لضبط السلك الإنساني.. ويذهب الفيلسوف الألماني فيخته إلي أن الأخلاق من غير دين عبث. وبالمثل يضع غاندي الدين مكارم الأخلاق في مرتبة واحدة لا يقبلان لانفصال. بل يري أن الدين يغذي الأخلاق وينميها وينعشها كما أن الماء يغذي الزرع وينميه.