بعض القضايا تبدو علي السطح وكأنها قضايا سياسية أو أمنية فقط وإذا تعمقنا فيها اكتشفنا أنها في الحقيقة قضايا ثقافية ترتبط عادة بالمستوي الفكري للإنسان والذي نشأ وتربي عليه والتي تعكس قدرته علي التعامل مع الأحداث ونظرته للأشياء ودرجة الوعي والإدراك فيها أو درجة السطحية والجهل بها.. وهنا يمكن لنا أن نقيم ما وصلت إليه المجتمعات في ردود أفعالها أو مواقفها تجاه ما تفرضه عليها الأحداث من الأزمات والمشكلات بمدي صلاح الأسر ومن هنا جاء السؤال كيف نصلح بيوتنا لنرقي بمجتمعنا ونسود الأمم؟ إن الإصلاح وصية الأنبياء ومنهاج الأتقياء. لقد ذكر القرآن الكريم علي لسان نبي الله هود عليه السلام أنه قال: "وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" "هود: 88" ويقول الله تبارك وتعالي: "وواعدنا موسي ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسي لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" "الأعراف: 142". كما أن الإصلاح دعاء المؤمنين ورجاء المصلحين: قال الله تعالي في وصيته للإنسان بوالديه: "قال رب أوزغني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلي والدي وأن أعمل صالحاً نرضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين" "الأحقاق: 15". والإصلاح ابتداء يبدأ من أنفسنا. فاذا صلحت استطعنا أن نفيض بهذا الإصلاح علي غيرنا فالله الله بتقوي الله عز وجل فإنه سبحانه لن يغير حالنا ولا ينجينا إلا اذا بادرنا بإصلاح أنفسنا. ألم يقل سبحانه: "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" "الرعد: 11". وعن عقبة بن عامر عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا علي معاصيه ما يحب فانما هو استدراج ثم تلا رسول الله - صلي الله عليه وسلم: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتي إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" "سورة الأنعام: 44" رواه أحمد. ألا ولنعلم بأن المعاصي نذير شئوم علي المجتمع كله: فهذا رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - لما سألته زوجه رضي الله عنها. قالت: أنهلك وفينا الصالحون قال: "نعم إذا كثر الخبث".. رواه البخاري ومسلم. والخبث هو كل ما يغضب الله من المعاصي والمنكرات والموبقات والجرائم والذنوب والآثام التي يعلن بها ويسر. والمطلوب من كل واحد منا أن يكون مع الله ذا صلة. ومع هدي النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - باتباع. وأن يأمر بالمعروف بالمعروف وأن ينهي عن المنكر بالمعروف. وأن يعمل علي رفع الظلم. وأن يسعي إلي نشر العدل. وأن يعطي الحقوق إلي أهلها.. ولنعلم أن الإصلاح يستجلب رحمة الله ومغفرة الله. قال تعالي: "وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً" "النساء: 129". وعلي صعيد آخر فإن مسيرة مكافحة الفساد ومسيرة الإصلاح لا تكتمل إلا إذا تعاونا مع من هو أكبر منا حكمة ورؤية. ومع من هو أصغر منا فتوة وشباباً. فإن تكامل التطلعات والآمال مع الخبرة والرؤية هو الذي يعطي أفضل النتائج. فمسيرة الإصلاح تبدأ وتنتهي عند الشباب. فهم القوة الضاغطة لمكافحة الفساد. لكونهم أول ضحاياه. والأكثر تضرراً من نتائج الفساد. فإذا لن يكون هناك إصلاح بلا محاربة للفساد. ولن تستقيم أمور إلا إذا كانت هناك عملية التكامل والتوازن فيما بين حكمة الشيوخ واندفاع الشباب وحماسهم. لذا فلندعو جميعاً ولنتعاون علي هذا التكامل والتنسيق بين جهود الكبار والشباب والصغار. لأن المجتمع بأكمله هو المطلوب منه أن يعيش حياة الرخاء وحياة السعادة وحياة الاخوة وحياة الألفة وحياة الخير والعطاء. إذا كان الإصلاح كما بدأنا هو وصية الأنبياء. وهو منهاج المرسلين. وهو دعوة الأوفياء. ودعاء المؤمنين. ورجاء المصلحين. فإن هذا الإصلاح الذي نسعي إليه.. فهيا جميعاً نتعاون لنصلح بيوتنا ونسود الأمم.