غداً يقول المواطنون رأيهم ويختارون من يتولي قيادتهم. وهو موقف صعب لأن الاختيار محنة من المحن في مواجهة من يرشحون أنفسهم للقيادة ولاشك أن فيهم أكثر من واحد يصلح لتولي المسئولية ولكن هذا التعدد ليس سليماً علي إطلاقه. فهناك فروق بين الأشخاص صنعها ماضيهم ويصنعها حاضرهم. ويتطلع إليها مستقبلهم وهي فروق تحتاج إلي ذكاء يميز بعضها عن بعض ويقدم الأصلح علي الصالح. فالذكاء ليس في التفرقة بين الصواب والخطأ ولكن التفرقة الواعية تكون بين الخطأين أيهما أقل ضرراً. فالأقل ضرراً صلاحيته أولي من صلاحية الأكثر ضرراً. وقديماً قالوا: إن الحكمة ليست في التفرقة بين الخطأ والصواب ولكن الحكمة في التفرقة بين الخطأين ايهما أقل ضرراً. وهذا هو الواجب أن يعيه الناخب حين يختار من يتولي المسئولية الأولي. فكل بني آدم خطاء. ولم يكن هناك صائب علي طول الطريق. حتي الانبياء أنفسهم فعل بعضهم شيئاً كان خلاف الأولي لأنهم كانوا أمام صوابين. فالحكمة في اختيار الأكثر صواباً وليس في اختيار الأقل ضرراً. فالاختيار محنة شديدة يقف أمامها المؤمن طويلاً وهو يختار. وقديماً وقف أبوبكر الصديق هذا الموقف حين أخبره الناس بما يقوله رسول الله صلي الله عليه وسلم من أمر الإسراء به من مكة إلي بيت المقدس والعودة به في ليلة واحدة وكأن الحدث قد وقع في مثل لمح البصر. وهذا الحدث يحتاج في تصديقه إلي إيمان وليس إلي منطق عقلي فحين أخبر الرسول بأمر إسرائه كذبه الناس وهو تكذيب ليس غريباً منهم. فهم يكذبونه في أصل الرسالة. وبالتالي يكذبونه في توابعها. ولا ينقذ من الحيرة في هذا الموقف إلا الإيمان. ولذلك فإن أبابكر الصديق الذي لم يكذب قولاً من أقوال النبي قط وقف أمام الإسراء بالنبي موقف المترقب فقال لمن احتجوا عليه باستحالة الإسراء في ليلة واحدة: "إن كان قال فقد صدق. فاني لأصدقه في الخبر ينزل عليه من السماء في ساعة من ليل أو ساعة من نهار أفلا أصدقه في الإسراء به من مكة إلي بيت المقدس والعودة في ليلة واحدة". ومن يومها سمي بأبوبكر الصديق. إن الواقعة كانت تحتاج في تطبيقها إلي إيمان وليس إلي منطق يتجاوز الفعل. فنحن نؤمن بالله ونري إلاءه ولا نري ذاته. وهذا هو الإيمان المنطقي الذي لا يعتوره شك ولا ميل ولا انحراف. ولهذا فإن الأحداث الكبيرة التي تمر بالأمم وتحتاج إلي الرأي الصائب فيها لا يقومها إلا الإيمان. ومثال ذلك ما نتعرض له الآن في مسئولية اختيار القيادة الأولي.