ماذا لو صمتت دار الإفتاء قليلا أو تريثت في الرد علي وزارة الداخلية في شأن حكم إطلاق الضباط للحية؟ وقد كان أمام هيئة الفتوي العذر في التباطؤ خاصة ان الأمر لم يكن قضية حياة أو موت وليس له صفة الاستعجال.. وأن المسألة خلافية ومتعلقة بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم في مقابل تعليمات إدارية.. وأن هناك شبهات سياسية في الموضوع.. وأن الأمر لا يتعلق بحدث طارئ أو مشكلة عابرة ولكن يرتبط بسلوك عام وإرساء قواعد وإصدار تعليمات يلتزم بها الجميع علي مر الأيام. بالإضافة إلي أن طلب الفتوي الرسمية أمر انتقائي وليس منهج حياة لمثل تلك المؤسسات -رغم أهميته- فهناك كثير من الأمور الحيوية تم السكوت عنها والممارسات غير الشرعية غض الطرف عنها عمدا مع سبق الإصرار والترصد والمخالفة الشرعية فيها واضحة.. ولم يتم طلب الفتوي وحتي عندما تم استصدار فتوي لم يستمع أحد. وهناك أمور أخري أكثر أهمية غابت عن جهة الفتوي وفي مقدمتها أن هذه الفتوي أول طلب رسمي من دار الإفتاء عقب قرار التجديد لمدة عام لفضيلة المفتي بعد انتهاء مدة خدمته الرسمية.. ونحن هنا لا نشكك ولا نتهم أحدا بل نبين بعض نقاط الحرج.. أو الاستهداف الخبيث حتي وان ادعي البعض حسن النية أو التحلي بالمثالية. وان هناك تطلعا كبيرا بعد الثورة وآمالا أكبر في المؤسسات الدينية بصفة عامة وفي دورها الطليعي والقيادي بل والمحوري في ظل سيطرة وهيمنة تيارات الإسلام السياسي علي الساحة وتصاعد الأحاديث حول حالات الخوف والتخويف من الإسلاميين وغير ذلك مما هو مطروح ومثار جدل علي الساحة السياسية سواء المحلية أو العالمية. ولا يخفي علي أحد أن المؤسسة الدينية قد أصابها ما أصابها بسبب ارتباطها أحيانا بالسلطة أو علاقات المسئولين بها بالنظام أو صمتها أحيانا بطريقة اختيارية أو قهرية مما كان يعطي إشارات سلبية علي الأقل إلي جمهور المسلمين أو المتلقين للفتوي في كل مكان. .. يبدو أن السؤال كان فخا أو مفخخا وفي توقيت حساس.. ولذلك جاءت الإجابة أكثر تفخيخا وطغي فيها الجانب السياسي علي الفقهي وكان الانتصار لصالح اتجاه بدا وكأنه هو المطلوب أو غاية المراد من طلب الفتوي. السؤال الذي ورد إلي دار الإفتاء من وزارة الداخلية يسأل ببراءة عن مدي أحقية الجهات النظامية كالشرطة أو غيرها في إلزام أفرادها بعدم إطلاق لحاهم؟؟ الاستياء الشديد الذي أبدته دار الإفتاء المصرية من حالة الجدل السائدة حول حكم إطلاق اللحية لبعض أفراد وزارة الداخلية في محله ولا غبار عليه ويدخل في باب فقه الأوليات والحث عليه في مثل هذه الظروف. إذ بررت الفتوي استياءها بأن إثارة هذا الأمر من الخلافيات لا يجوز أن يأخذ حيزا من الجهد المجتمعي في علاجه مشيرة إلي ضرورة توجيه هذا الجهد إلي قضايا البناء والتنمية وما أكثرها في مجتمعنا وفي تأصيلها الشرعي بحسب ما نشره المركز الإعلامي لدار الإفتاء.. أشارت الفتوي إلي اختلاف الفقهاء في حكم إطلاق اللحية قديما وحديثا لافتة إلي أن فريقا قال إنها من سنن العادات وليست من الأمور التعبدية وأن الأمر الوارد فيها ليس للوجوب ولا الاستحباب وإنما للإرشاد وآخر قال إنها من سنن الندب وثالث قال بوجوب إطلاقها وحرمة حلقها أو قصها وعددت الفتوي بعض المصادر القديمة والحديثة التي اعتمدت عليها مشيرة إلي فتوي للشيخ محمود شلتوت وأخري للشيخ محمد أبوزهرة والمفتي به في مذهب الشافعي بكراهية الحلق لا بحرمته وعقبت الفتوي مؤكدة أن هذا الخلاف ينبغي ان تحكمه القواعد الفقهية المقررة من عدم الإنكار في المختلف فيه ومن استحباب الخروج من الخلاف ومن تأكيد الفقهاء علي ان من ابتلي بشيء من الخلاف فله أن يقلد من أجاز من أهل العلم. إلي هنا والكلام جميل.. المشكلة فيما سيأتي بعد بناء عليه.. لأنه عقليا وعلميا يفترض فيه أن يكون متسقا مع المقدمات السابقة مستنبطا منها بانيا عليها.. تقول دار الإفتاء.. وبناء عليه أكدت الفتوي علي ضرورة التزام الضباط وأفراد الداخلية بالتعليمات والقواعد المنظمة للعمل والعرف العام السائد داخل مؤسسات الدولة ما دام لا يتصادم مع ثابت من ثوابت الإسلام المتفق عليها. وفي المقابل شددت الفتوي علي النصح بمراجعة الداخلية للتعليمات والقواعد التي تم التعارف عليها داخل المؤسسة وصولا إلي قواعد مرضية لكل الأطراف خروجا من هذا الخلاف. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ ما يمكن ان تفهمه أو تستنبطه في المسافة ما بين إلزام الأفراد باتباع التعليمات ونصيحة الداخلية بمراجعة القواعد والتعليمات وصولا لقواعد مرضية للخروج من الخلاف..!! وهل هذا فقه أم سياسة؟! .. سؤال مهم يلح علي ذهني.. أوجهه لدار الإفتاء.. ما هو الموقف لو أن وكيلا لوزارة الأوقاف مثلا في احدي المحافظات أو في الديوان العام أصدر تعليمات إلي الأئمة وجميع العاملين من مقيمي الشعائر والمؤذنين وخدم المساجد وغير ذلك بضرورة الالتزام بالزي المعروف وضرورة إعفاء اللحي وان من يحلق ذقنه سيقع تحت طائلة الجزاء والعقاب.. ثم رفض بعض الأئمة التعليمات وحلقوا لحاهم لسبب أو لآخر.. انه يري في الملتحين كذا أو أنه يري نفسه أكثر وجاهة.. انه يحب الفرنجة.. أي شيء في أي شيء؟ المهم وقع خلاف وقرر العاملون في الأوقاف اللجوء إلي دار الإفتاء لحسم الموقف مع الجهة الإدارية.. تري ماذا سيكون الموقف في هذه الحالة؟ هل سيكون عندنا فتوي للضباط أو للداخلية وأخري للأوقاف والعاملين فيها.. مع أن الجميع موظفون في الدولة وفي جهات حكومية وليست تابعة للقطاع الخاص؟ بمناسبة القطاع الخاص.. ما الحكم مثلا إذا اشترطت جهة أو شركة ضرورة ان يكون المتقدمون للعمل من الملتحين؟ فهل هذا الأمر سيكون شرعيا أم مخالفا أم ماذا؟ وهل يجوز للجهات الخاصة أو العامة ان تضع لوائح تشترط اللحية للموظفين الذكور البالغين؟.. استنادا إلي ما ذهبت إليه دار الإفتاء بضرورة التزام الضباط باللوائح والقوانين للجهة الشرطية. قد يسأل سائل: هل أنت مع إطلاق اللحية أم ضدها؟ والجواب سهل وبسيط.. لا معها ولا ضدها.. ويجب أن تترك الأمور التي يباح فيها الاختيار للإنسان أن يختار وألا يتم إرغامه عليها أو منعه منها.. والسنة يثاب المرء علي فعلها ولا يعاقب علي تركها مع ضرورة الاعتراف بأن الترك العمدي للسنة النبوية يلقي بظلال من الدخن والدخان في محبتك لرسول الله صلي الله عليه وسلم.. اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وسنته صلي الله عليه وسلم.