تمثل المواطنة ركيزة صلبة في المجتمع الإسلامي. الذي يتأسس علي مقوم الإيمان بالله والانتماء للهوية والولاء للوطن. والمساواة في أصل الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة. ومن ثم تكون المواطنة الاساس القوي في بناء وتشييد صرح المجتمع المتماسك. القائم علي وحدة الكيان الهدف إلي المصلحة المشتركة. المدافع عن وجوده ضد القوة الباغية عليه. وكان من بين الوسائل لبلوغ هذا الهدف ترسيخ مبدأ المواطنة. وحماية الصرح المجتمعي من الداخل. وهو ما حرص عليه الرسول - صلي الله عليه وسلم - الذي شيد بنيان دولة الإسلام في المدينة علي وحدة الكيان والتماسك الاجتماعي في إطار التعددية الدينية. والمساواة في الحقوق والواجبات علي الرغم من الاختلاف في الدين والعنصر. واتخاذ من السبل ما يدعم ذلك. من بينها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. أما البرهان علي هذه الحقيقة فهي صحيفة المدينة. التي تعد وثيقة دستورية سابقة لعصرها. حملت ملامح الإسلام كدين جامع بين الأغيار المخالفين. والمقرر لحق الجنسية ا لإسلامية. لكل فرد في المجتمع الإسلامي بغض النظر عن اختلاف الدين والعنصر واللون والمجسد لحق التعايش بين مختلفي الأديان والأجناس. ويعترف بشرعية الاختلاف بين البشر. وحماية حقه بالرغم من هذا الاختلاف. مؤسساً دوام العلاقة بين فئات المجتمع علي الاحترام وكفالة ممارسة الحقوق التي يكفلها العيش المشترك والمصير الواحد للوطن الذي هو حق الجميع. الأمر الذي قدم صياغة جديدة وأصيلة للمجتمع البشري المتنوع في دينه وأجناسه تقوم علي الاعتراف بمجموعة من الحقوق. نوجزها فيما يأتي: 1 - التمتع بالجنسية: جاءت هذه المعاني في صدارة الوثيقة الدستورية النبوية. وكان مفتتحها "هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم" وهو ما جعل الكل أبناء هذا الكيان الوليد في المدينة يؤكد ذلك ما ورد في الوثيقة: "أنهم أمة واحدة دون الناس" وهو بيان جلي علي كيان هذه الدولة الناشئة. وإدماج أفرادها وفئاتها في مجتمع واحد. ووصف غير المسلمين بالمؤمنين. 2 - التكافل والتضامن: كان لزاما في ظل النظر إلي وحدة نموذج المجتمع ان يشيد صرحه علي التكافل. والتضامن بين أفراده وجماعاته. وهو ما نصت عليه الوثيقة: وأن المؤمنين لا يتركون مفرحاً - بضم الميم وفتح الراء وهو المثقل بالدين - بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل "الدية". وليس أقوي تضامنا ولا أقوم عيشاً من مجتمع يؤازر بعضه بعضاً في أوقات المحنة والشدائد. 3 - الحماية والنصرة بين أفراد المجتمع: وهو السبيل للحفاظ علي الإنسان والوطن. وإبقاء للجماعة كلها وتمكيناً للحفاظ علي هذا البناء المجتمعي التكافلي. والكيان السياسي والقانوني الواحد. لذلك أرست الوثيقة الولاء بين أفراد المجتمع في ظل الهوية الإسلامية. ونصرة بعضهم البعض. وحماية أفراد هذا الوطن. وإرساء العدل فيما بينهم. تقول الوثيقة: وأن يخالف مؤمن مولي مؤمن دونه. وإن المؤمنين المتقين أيديهم علي كل من بغي منهم أو ابتغي وسيلة "الدفع والعطية" ظلماً أو إثماً أو عدوانا أو فساداً بين المؤمنين. وإن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم. ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر. ولا ينصر كافراً علي مؤمن. وأن ذمة الله واحدة. يجبر عليهم أدناهم. وأن المؤمنين بعضهم موال بعض دون الناس. 4 - المساواة والتكافؤ: وهو حجر الزاوية لنظام المجتمع والدولة. وآية العدالة والإنصاف فيه تقول الوثيقة: "وأنه من تبعنا من يهود. فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم". وأن المؤمنين يبئ بعضهم عن بعض "أي يتعادلون" بما نال دماءهم في سبيل الله. وأنه من اعتبط "أي قتل" مؤمناً قتلا عن غير بينة. فإنه قود به "يقتص منه" إلا أن يرضي ولي المقتول بالفعل "الدية" وأن المؤمنين عليه كافة. ولا يحل لهم إلا قيام عليه". وهو ترجمة لتوجه ينحو إلي إرساء أن يتساوي الكل في لحقوق والواجبات وتتأكد هذه المساواة الحقوقية فيما عددته الوثيقة من تقرير حق كل جماعة أو فئة في هذا المجتمع الناشئ.