الباعة الجائلون ظاهرة ليس لها حل حتي الآن، فقط يتم مواجهتها بحملات لرجال المرافق لإعادة الشكل الحضاري إلي الشوارع والميادين الرئيسية، وهي حملات من حيث الشكل مطلوبة لإعادة الانضباط إلي الشارع، ولكنها من حيث المضمون لا تعدو كونها كرا وفرا بين الباعة، و شرطة المرافق والبلدية، وتحرير محاضر وفرض غرامات مالية، ثم تعود ريمة لعادتها القديمة بمجرد ترك الشرطة والبلدية للمكان، وهو نفس الأسلوب الذي كان يحدث في الماضي، وكأن الثورة لم تأت بجديد، هؤلاء الباعة يسعون إلي الكسب الحلال بدلا من التسول، أو الحصول علي المال بالقوة – بلطجة- كما يفعل غيرهم، ولو أن الحكومة ترغب بالفعل في إيجاد حل لهؤلاء الباعة، لأمكنها عمل مشاريع صغيرة، بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي، أو بنك ناصر، أو الجمعيات الأهلية، أو إنشاء جهة أو كيان اقتصادي تحت أي مسمي، تكون مسئوليته معاونة هؤلاء علي الكسب الحلال الذي يوفر لهم عيشة كريمة بدلا من اللجوء للتسول أو البلطجة أو افتراش الشوارع لبيع البضائع، كثير من دول العالم عانت من هذه الظاهرة ولكنهم واجهوها وعالجوها بأساليب علمية، فالصين مثلا أقامت أسواقا شعبية لهؤلاء الباعة لبيع سلعهم دون أن تفرض عليهم ضرائب أو إيجارات، صحيح أن تواجد هؤلاء الباعة في الشوارع والميادين الرئيسية يسيء للوجه الحضاري لمصر، ويثير الفوضي، غير أن التعامل مع هذه المشكلة من الأبراج العاجية، سواء من الكتاب الذين يتناولونها وهم يكتبون عنها في غرفهم المكيفة ولا يشعرون بما يشعر به هؤلاء، أو من الحكومة التي عندما فكرت في التعامل مع هذه الظاهرة، فكرت بنفس الأسلوب العشوائي الذي استخدمه هؤلاء الباعة في النزول إلي الشارع دون تخطيط أو تفكير، فلم تطرح الحكومة البديل المناسب قبل أن تبدأ في مطاردتهم، وإزالة أسواقهم العشوائية التي أقاموها بأنفسهم بحثا عن الرزق الحلال، ذلك أنهم يتجهون إلي الشارع نتيجة عدم توافر مكان مناسب لهم، والتعامل مع هذه الظاهرة يجب أن يتم بحذر لأنها جزء من الاقتصاد غير الرسمي، وهو مصدر مهم للعمالة، يفتح بيوت كثير من الأسر المصرية.