يقول أستاذ الصحة العامة والطب السلوكي في جامعة عين شمس الدكتور إيهاب عيد: المتأني في فكر وأدب وثقافة لغة الجسد وتحديداً فقه قسمات الوجه (Facial Gestures) يجد أن تشريح عضلات وجه المبتسم يختلف بحسب نواياه ومشاعره وأفكاره، ومنبع ذلك الإشارات العصبية والنبضات الكهربية التي تبث من القشرة المخية للفص الأمامي المسؤول عن مشاعرنا إلي كل عضلات وجوهنا والتي علي رأسها كل من العضلات الوجنية الكبري(Zygomatic Majoris) والدويرية العينية (Orbicularis Oculi) والدويرية الفمية(Orbicularis Oris) فتأمرها بالانقباض فتنفرج أسارير الفم للمبتسم، وكلمة السر هي عضلات الدويرية العينية ففي الصادق في ابتسامته، وهي الابتسامة التلقائية من اللاوعي تنفرج كل هذه العضلات فتتسع فتحة الفم وتضيق العين وينزل الطرف الخارجي للحاجبين وترتفع الوجنتان لأعلي. أما في حالة الابتسام الكاذب والمزيف فتنقبض عضلات الدويرية الفمية فقط، فيظهر اتساع رسمة الفم، ولكن لا تضيق العين ولا تتجعد ثنيات الجلد المتاخمة للعينين من الجانب الخارج المعروف طبياً ب"الوحشي"، وترتفع الحواجب ولا ترتفع الوجنتان وهذا ما كنت أدرسه في إحدي صور محمد البلتاجي ساعة القبض عليه وهو يشير بحركة الأصابع المشهورة لمؤيدي "رابعة"، بينما في صورة أخري نراه ومن حوله ضابطين يرفعان علامة النصر وهو يبتسم ابتسامة قال عنها علماء نظام تشفير حركة الوجه "Facial Action Coding System" والذي وضعه البروفيسور بول إيكمان من جامعة كاليفورنيا، إنها إما تعني الخضوع أو الابتسام المزيف وهو رمز السعادة المزيفة. وإذا قارنا بين ابتسامات القيادات المذكورة للإخوان في الصور الحديثة بالصور السابقة لهم علي منصة اعتصام "رابعة"، ومناظرتها مع ابتساماتهم بعد القبض عليهم نجد فروقاً تشريحية واضحة في تركيب الابتسامة وهندسة الوجه المبتسم، حيث يظهر معني من اثنين قالهما علماء لغة الجسد، ألا وهما إما الخضوع أو الخداع المصطنع، وفي كلتا الحالتين تكون الابتسامة بالفم فقط، وهنا إما لا تظهر الأسنان من خلفها أو علي العكس تماماً تظهر النواجذ أو الأنياب السفلي. وينتقل عيد إلي ابتسامة القيادي حسن البرنس وهو علي أريكة في المكان الذي صور به أثناء إلقاء القبض عليه، حيث يقول الخبير النفسي: كانت ابتسامته من ذلك النوع الذي لا يفيد الخضوع، لأن الأسنان السفلية وتحديداً الأنياب كانت بارزة في لقطات متعددة بل هو ابتسام الساخر الخادع والمصطنع. وبالرجوع إلي الشيخ الراحل عبدالحميد كشك (الداعية الشهير في عهد الرئيس الراحل أنور السادات) نجده يقول إن الزبانية – يقصد المستشارين والحرس ومن بالمحكمة) – عندما صدر الحكم بالإعدام في 29 أغسطس 1966 علي سيد قطب (المرجعية الثانية لفكر جماعة الإخوان بعد مؤسسها حسن البنا)، ابتسم الأخير، فظنوا أنه أصابه الجنون إلا أنه - و التفسير مازال علي لسان كشك - كان قد رأي موقعه أو مقعده من الجنة! وهنا يكون التسليم لله كاملاً والرضا إما بأنه لا فكاك ولا محالة هالك بين أيدي من أعدموه أو أنه راض بالفعل بقضاء الباري عز وجل ومستسلم له، وعموماً، هذا الأمر في اعتقادنا غيبي لا يعلمه إلا الله. ويعرج الدكتور عيد إلي ابتسامة أخري فيقول: ابتسامة الداعية المؤيد للإخوان صفوت حجازي، عندما كان يتحدث من أعلي منصة "رابعة"، وعندما كان يحمل بشائره للمعتصمين كانت من الابتسامات الصادقة، لأنه كان يعتقد أنه صادق فيما يقول، وأن الأيام ابتسمت له والنفوذ سيزداد شيئاً فشيئاً وبلا نهاية، فالسعادة قد أتت ولن تنتهي، ولكن بمقارنة تلك الابتسامة بالتردد الواضح والتوتر والنظرات الزائغة مع ما يمكن أن نسميه "ابتسامة الندم أو خيبة الأمل" التي بدت علي وجهه أثناء وضعه بسيارة الترحيل أو في الفيديو الذي التقط له أثناء تناوله الطعام والشراب، نجد أن الابتسامة الأخيرة تعبر عن الخضوع والاستسلام، وبدون تجاعيد العين من الخارج. من جانبه، يقول الباحث النفسي بمعهد الدراسات التربوية في جامعة القاهرة الدكتور وليد نادي: فيما يتعلق بالتحليل النفسي لابتسامة قيادات جماعة الإخوان أثناء القبض عليهم، أري أنهم جميعاً من خلال الصور الخاصة بهم التي ظهرت في وسائل الإعلام اتفقوا في الظهور بمظهر قوي وثابت، إما من خلال الابتسامة أو من خلال لغة الجسد وغيرها ويحمل هذا رسائل إيجابية لمؤيديهم بالاطمئنان والصمود وعدم اليأس والقنوط. ويضيف نادي: في الوقت نفسه نجد أن هذه القيادات الإخوانية اختلفت في شكل ودافع ومكنون الابتسامة ولغة الجسد، فلا يمكن أن نعمم علي أنهم جميعاً كانوا يشعرون بإحساس واحد ويفكرون بالطريقة ذاتها، فعلي سبيل المثال نجد أن ابتسامة محمد البلتاجي تختلف عن باقي القيادات، حتي إن اتفقت في المبدأ كما أشرنا، فهذه الابتسامة غير تقليدية وأري أنها تعبر عن الثقة بالنفس، وهي ابتسامة صادقة وتعرف في لغة الجسد بابتسامة "دوشن"، حيث يأخذ الفم شكل الابتسام وتتشارك في تشكيلها العضلات حول الفم والعينين. أري أيضاً أنها عبرت عن عدم الارتياح، وهكذا يكون معظم الناس في الغالب عندما يكون الوقت غير مناسب للابتسام، وأخيراً أري أنها عبرت عن بعض الشعور بالعصبية والتي أراها من ضمن مكونات شخصية البلتاجي. أيضا شخصيته تتمتع بالقوة والصراحة والاستقلالية والتسرع وأحياناً يكون كلامه لاذعاً وجارحاً، وهو من الشخصيات الطيبة والعاطفية إلي أبعد الحدود، ولذا أري ابتسامته وإصراره علي الإشارة بأصابعة الأربعة (علامة رابعة)، كان تحدياً منه لما يمر به ظروف قاسية أبرزها فقد ابنته. تصنُع الانتصار وتفسر خبيرة التنمية البشرية والمتخصصة في قراءة الشخصيات رنا العايدي، تلك الابتسامات التي ارتسمت علي وجه قيادات الإخوان لحظة القبض عليهم، بأن هذه الشخصيات لديها إحساس كاذب بالعظمة في خيالهم والذي ظهر علي سلوكهم بعض القبض عليهم، فهم لديهم إحساس بالتعاظم والمبالغة في حجم إنجازاتهم الزائفة ونجاحاتهم الواهية التي لم يحققوها، وبعد فقدانهم تأييد جموع الشعب، وبعد أن تم فضح نواياهم وخططتهم لتدمير مصر، أرادوا أثناء القبض عليهم أن يثبتوا للمشاهد أنهم غير مكترثين بما حل بهم، وأنهم مازالوا منتصرين مستكملين مسيرتهم، كما هو الحال في ابتسامة البلتاجي المتبلدة ومحاولة لفت الأنظار وتصنع الانتصار. أما ابتسامة صفوت حجازي والذي يختلف وضعه قليلاً عن باقي القيادات، فتكشف شخصيته الانهزامية وتؤكد أن مثل هذه الابتسامات هي مجرد ديكور ساذج علي الوجه، ولا علاقة لها بالثقة أو الإحساس بالانتصار، ويكشف ذلك ما قاله حجازي في محضر الشرطة الذي سُربت مقاطع صوتية منه لوسائل الإعلام، حيث استنكر علاقته بجماعة الإخوان، وتبرأ منها، وبالتالي كانت ابتسامته مناقضة لفعله، وهذا هو الاضطراب النفسي الذي قد يصيب الإنسان وقت التعرض للضغوط والأزمات، فيستبدل القلق والتوتر الناجمين عن الهزيمة والانكسار بالابتسامة، كتلك التي تظهر عندما ينتحر الممثل في الأفلام الأجنبية أو يفجر نفسه! في حين يري مناصرو هذه القيادات أن ذلك نابعٌ من القوة ودلالة علي الثبات وأنهم لا يخشون إلا خالقهم وهذا شيء لا بأس به إن كان واقعياً وهو ما يتنافي مع أقوالهم فيما بعد داخل التحقيقات ووقت المواجهة، فكيف بالثابت والمؤمن بانتصاره أن يستنكر علاقته بما انتصر لأجله! وتفسر العايدي هذه الابتسامات الزائفة بما يمكن تسميته ب"السعي الزائف" إلي صورة الكمال لا حقيقته، فالشعور بالنقص والخيبة والفشل لدي قيادات الإخوان جعلهم يسعون إلي تعويضه بتلك الابتسامة المزيفة، لذلك أسميه سعيا زائفا. تلك الابتسامة أيضاً تبعث لنا رسالة مفادها أنهم ماضون في اقتناعهم وإيمانهم بما ثبت فشله وهو مشروعهم النهضوي المزعوم.